نشر موقع “ذا إنترسبت” تقريرا لمراسله عمر فاروق، تحت عنوان “كيف تحدت تركيا الولايات المتحدة وأصبحت قوة درون قاتلة”، يصف فيه عمليات التحول النوعي في قدرات تركيا على تصنيع الطائرات دون طيار “درون”.
ويتحدث التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، عن عرض حي للطائرات نظم في خريف العام الماضي، تم فيه استعراض قدرات الدرون الجديدة عبر الشاشة، حيث كان الجمهور هم التجربة لكن في طائرة غير مسلحة، وتم استعراض طريقة عمل الطائرة من خلال شاشة كبيرة قام طيار بتوجيهها عن بعد.
ويقول فاروق إن تركيا دخلت العصر الثاني للدرون، حيث أصبح فيه استخدام طائرات من هذا النوع منتشرا وأبعد من الولايات المتحدة، وهي أول بلد استخدمتها لشن هجمات صاروخية من الدرون، وقتل أفراد في مرحلة ما بعد 11/ 9، مشيرا إلى أن تركيا تنافس اليوم أمريكا وبريطانيا في استخدام الدرون للقتل، وذلك بحسب تقرير عن استخدام السلاح على مستوى العالم.
ويشير الموقع إلى أن من الدول التي استخدمت الطائرات دون طيار للقتل إسرائيل والعراق وإيران، فيما استخدمت تركيا الدرون ضد تنظيم الدولة في سوريا، وفي المناطق الحدودية مع العراق وإيران، حيث ساعدت على حرف مسار الحرب ضد حزب العمال الكردستاني (بي كي كي).
إعلان
ويلفت التقرير إلى أن الولايات المتحدة كانت الدولة الأولى في تصنيع وتشغيل الدرون في العالم، ولأكثر من عقد، وشنت أول هجوم بالدرون عام 2001، مشيرا إلى أن هناك اليوم عددا كبيرا من الدول التي أصبحت تملك التكنولوجيا.
ويذكر الكاتب أن كلا من بريطانيا وإسرائيل وباكستان والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ونيجيريا وتركيا استخدمت “العربة الجوية المسيرة” لضرب أهداف منذ عام 2015، مشيرا إلى أن جهود الولايات المتحدة لوضع قيود على انتشار الدرون وتصديره لم تنجح في إبطاء السباق العالمي على امتلاك التكنولوجيا، ووضعت الولايات المتحدة في الوقت ذاته سابقة الحصانة بعدما قامت بمئات من الغارات التي أدت إلى مقتل المدنيين خلال العقد الماضي.
وينقل الموقع عن الصحافي الذي تابع استخدام الدرون منذ أكثر من عقد، ويترأس منظمة الرقابة “إير وورز” كريس وودز، قوله: “لقد تجاوزنا الوقت الذي يمكن فيه التحكم في انتشار الدرون”، وأضاف أن “هناك الكثير من الدول واللاعبين غير الدول استطاعوا الحصول على قدرات الدرون العسكرية، وتستخدم داخل الحدود وخارج الحدود، لدرجة أننا أصبحنا في العصر الثاني لانتشار الدرون”.
إعلان
وينوه التقرير إلى أن الولايات المتحدة تصدر طائرات بريدتر وريبر، مشيرا إلى أن الكونغرس يجب أن يوافق على أي عملية بيع، ولهذا فعملية الحصول عليها تظل بعيدة المدى ومعقدة، ونتيجة لهذا فإن البعض حاولوا الحصول على الطائرات من الصين، التي باعت لعدد من الدول نظامها “سي آتش-4″، وهي طائرة درون لديها قدرات مثيلة لقدرات بريدتر “مع أنها أقل تقنية من ريبر”.
ويستدرك فاروق بأنه “رغم محاولة المنتجين للطائرات المسيرة، مثل الصين وأمريكا، إلا أن الجني خرج من قمقمه، ويتم توليد التكنولوجيا وهو ما فعلته تركيا، والأخيرة ليست الأكثر تطورا في مجال تصنيع الدرون، لكنها الأكثر استخداما لها ضد مواطنيها”.
إعلان
ويقول الموقع إن الأب الروحي لصناعة الدرون في تركيا هو سلجوق بيرقدار، ففي عام 2005 أقنع بيرقدار مجموعة من المسؤولين بحضور عرض بسيط لطائرة مسيرة مصنعة بيتيا، وكان بيرقدار (26 عاما) قد درس في أفضل الجامعات التركية الهندسة الكهربائية، ثم حصل على ماجستير من جامعة بنسلفانيا، ودكتوراة من “أم أي تي” في ماساسوشيتس، وكان يعرف عن التكنولوجيا الحديثة، وفهم أنها ستكون الشيء الأهم في الحروب القادمة.
ويشير التقرير إلى أنه كان على بيرقدار العودة بعد الدراسة، وكان قلقا من أن ما درسه يوما قد ينتهي، وقال: “كان معظم زملائي يعملون بمنح للجيش الأمريكي.. كان هناك ذلك الشيء الخارق هنا، لكن ماذا سأفعل لو عدت إلى تركيا”.
ويفيد الكاتب بأن المسؤولين راقبوا الدرون وهي تحلق ثم تعود إلى يدي بيرقدار، الذي قال: “بيونغ، لوكهيد وغيرها هذه شركات كبيرة، أليس كذلك؟”، وأضاف: “نحن نقوم بتصنيع الأنظمة ذاتها، ولو دعمت تركيا المشروع فسنكون بمدى خمس سنوات في مقدمة العالم وبسهولة”.
ويبين الموقع أنه مع أن المحاولة كانت جريئة، إلا أنها لم تنل دعم المسؤولين، فلم يكن بيرقدار معروفا لصناع القرار في أنقرة، مشيرا إلى أنه صمم في أثناء دراسته نظاما يسمح بهبوط الدرون في أي مكان وعر، وحتى على جدار.
وبحسب التقرير، فإن عائلته تملك في تركيا شركة “بيرقدار ماكينة”، التي بدأها والده المهندس عام 1984 لإنتاج قطع غيار السيارات، وكجزء من محاولة تركيا تصنيع السيارات محليا، وبحلول عام 2006 بدأت الشركة بالتركيز على الطائرات دون طيار، وفي عام 2007 ترك بيرقدار دراسته العليا للدكتوراة في أم أي تي، وعاد للعمل على مشروع الدرون بشكل متفر.
ويلفت فاروق إلى أن بيرقدار احتاج سنوات اخرى وتحولات في العلاقات الدولية قبل أن يجد طريقه في مقدمة صناعة الطائرات القاتلة، وفي الوقت الذي كشف فيه عن طائرته المصنعة بيتيا كان لدى تركيا مشروع للدرون تحت إشراف الصناعات الجوية التركية، لكن البيروقراطية في ذلك الوقت، خاصة المؤسسة العسكرية الحاكمة، رأت أن من الأفضل شراءها من الولايات المتحدة وإسرائيل، بدلا من تصنيعها محليا، رغم الخيبات التي حصلت من هاتين الدولتين.
وينوه الموقع إلى أنه منذ عام 1975، عندما وضعت الولايات المتحدة حظرا على تصدير السلاح لتركيا، بعدما اجتاحت الأخيرة قبرص، فإن العلاقة مع أمريكا ظلت محلا للشد والجذب، وحاولت أنقرة بناء صناعاتها العسكرية، مشيرا إلى أن العقد التالي شهد عددا من المصنعين الدفاعيين، مثل الصناعات الجوية التركية، التي ركزت في معظمها على السلاح الخفيف والذخيرة، فيما ركزت قلة على الأسلحة الثقيلة، مثل الصواريخ الموجهة والطائرات.
ويفيد التقرير بأن تركيا دخلت عصر الدرون بطريقة تقليدية قديمة، عندما اشترت عام 1996 ست طائرات بدون طيار من الشركة الأمريكية “جنرال أتوميكس”، وكانت طائرات بسيطة قادرة على توفير صور فيديو، وتم استخدام الطائرات لمراقبة المناطق الكردية في الجنوب، لكن الجيش أخذ وقتا للرد على هذه الصور، بحسب قول الضابط السابق في قيادة العمليات الخاصة التركية نجدت أوزليك.
وينقل الكاتب عن أوزليك، قوله: “كانت الدرون تحصل على الصور من الميدان، ثم ترسلها إلى مركز العمليات لتقييمها، ولتوفير معلومات أمنية لقوات العمليات الموجودة في الميدان”، وأضاف: “كان هناك تأخير 20 دقيقة، وتعلم أن 20 دقيقة تترك فرقا في سياق العمليات”.
وينوه الموقع إلى أن تركيا طلبت في عام 2006، 10 طائرات دون طيار إسرائيلية من نوع هيرون، مشيرا إلى أن إسرائيل تستخدم هذه الطائرات منذ السبعينيات، ولم تقدمها لهم إلا بعد خمسة أعوام، واتهمت أنقرة إسرائيل بتخريب مقصود للمحركات وأنظمة التصوير، وأعادتها مرة أخرى للإصلاح، حيث استغرق الأمر عددا من السنوات، وتم نشر الطائرات في النهاية، وهي التي قام الطيارون الإسرائيليون بقيادتها في البداية، وشك المسؤولون الأتراك بأن الصور التي يتم جمعها كانت تذهب إلى المخابرات الإسرائيلية.
ويشير التقرير أن طائرات هيرون لم تكن هي الجواب لرغبة تركيا في الحصول على الدرون، وبعد انقطاع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، على خلفية مهاجمة إسرائيل قوارب كسر الحصار عام 2010، قررت تركيا البحث عن خيار للدرون، وأعلنت عن طائرة أنكا أو الفينيق، وبدا قصور طائرات هيرون واضحا عندما شن الانفصاليون الأكراد هجوما على قاعدة عسكرية في هكاري جنوب- شرق تركيا.
وينقل فاروق عن أوزليك، قوله إن هيرون وفرت للجيش لقطات فقط دون قدرات رد سريعة، وفي ذلك الوقت كانت أمريكا تقدم معلومات أمنية من خلال طائرات بردتر، التي رفضت بيعها لتركيا عضو الناتو؛ خشية أن تشكل خطرا على إسرائيل.
إعلان
ويقول الموقع إن تركيا توقفت بحلول عام 2016 في الاعتماد على حليفتها أمريكا، والعلاقة المتقلبة معها، وبدأت تفكر في نفسها عبر منظومة سباق التسلح معها وغيرها من الدول الأوروبية، وأصبح تطوير طائرة القتل أولوية، وهو ما منح بيرقدار فرصة.
إعلان
إعلان
ويفيد التقرير بأنه في الوقت الذي حاول فيه بيرقدار الحصول على دعم من الجيش لفحص طائراته باستخدام الذخيرة الحية، إلا أنه أصبح مشهورا لانتقاده اعتماد بلاده على إسرائيل، جاذبا انتباه الناس المناسبين، وحصل على مناقصة مع الجيش في عام 2006، وأمر بنشر 19 منها في جنوب- شرق البلاد.
إعلان
وينوه التقرير إلى أن بيرقدار وشركته عملوا مع المستويات الدنيا من الجيش، حيث سمح لهم بمرافقتهم في الميدان لفهم ما يريده الجيش من تكنولوجيا، وفي حلول عام 2015 أثمر العمل من خلال نشر درون متقدمة “تي بي2″، التي جذبت انتباه الجيش، وتستطيع الطائرة من ارتفاع 4 كيلومترات ضرب هدف على بعد 8 كم باستخدام الصواريخ الموجهة التركية الصنع.
ويذكر الكاتب أن بيرقدار تزوج من ابنه الرئيس رجب طيب أردوغان الصغرى، وأصبحت شركته منذ ذلك الحين المفضلة لدى الجيش لتصنيع الدرون.
وبحسب الموقع، فإن “تي بي 2” تشكل عصب العمليات العسكرية التركية في مجال الطائرات الموجهة، وقادرة على التحليق على مستوى 24 ألف قدم ولأربع وعشرين ساعة، ويمكن أن تحمل على مدى 150 كم حمولة قدرها 120 رطلا، مشيرا إلى أن هناك 75 درون من هذا الطراز يستخدمها الجيش التركي الآن، وحلقت 6 آلاف ساعة في اليوم، وغيرت من قواعد الحرب مع “بي بي كي”.
وينقل التقرير عن أوزليك، قوله: “بالنسبة لتركيا فإن قطاع الدرون العسكري مهم؛ لأنه يسمح بالتفوق التركي في العمليات ضد الإرهاب”.
إعلان
ويشير فاروق إلى أن الفيديو الأول الذي قدمه بيرقدار للجيش أصبح الأكثر مشاهدة، فيما تحول صاحبه لنجم أطلق عليه “نجم الدرون”، وأصبحت تركيا الأكثر استخداما لهذه الأسلحة، فوجودها دائم في أجواء الجنوب، وفي كل يوم يضرب هدف أو يتم تحديد آخر يتم استهدافه بمقاتلات أف16 أو المروحيات.
ويلفت الموقع إلى أن تركيا استخدمت بي تي2 لقصف المتمردين الأكراد في شمال سوريا والعراق، واستطاعت ملاحقة واستهداف المطلوبين لها، مشيرا إلى أنه بحسب المصادر الرسمية، فإن درون تي بي2 459 قتلت شخصا في جنوب – غرب البلاد في الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل 2018، وتم قتل عدد من قادة “بي كي كي” في شمال العراق.
وبحسب التقرير، فإنه قتل في مناطق الجنوب التركي400 شخص بالدرون منذ عام 2016، مشيرا إلى أن الدرون تحولت إلى رمز ثقافي، حيث وقع أردوغان على عدد من الطائرات، فيما يزور حكام المناطق التي تعاني من تمرد مرابط الدرون، ويثنون عليها، ويدعون لسلامة الوحدات التي تعمل عليها.
ويرى الكاتب أن “تبني تركيا للدرون فتح الباب عليها مثل أمريكا بقتل المدنيين، فمن الصعب تحديد الشخص من الجو، وفي ظل الحماس القومي فقد تم منح مسؤولية تحديد الهدف للحكومة وبتفويض واسع لعمل المطلوب للقضاء على الخطر الإرهابي”.
ويورد الموقع نقلا عن كريس ودوز من “إيرورز”، قوله: “لا يمكنك الاستسلام لدرون مسلحة.. لن يقبض عليك من خلال درون مسلحة.. هذا مثار للقلق، خاصة عندما يتم استخدام الدرون محليا”.
وينوه التقرير إلى قتل الحكومة التركية عدنان أوزدين في آب/ أغسطس 2018، وهو مواطن تركي مسؤول، كما قالت الحكومة، عن عمليات “بي بي كي” في سنجار في شمال العراق، وقتل عبر درون في أثناء مشاركته في مناسبة تذكارية في بلدة كوتشو، وبثت القنوات التلفزيونية ولأيام العملية التي تم فيها استهداف سيارته.
ويشير فاروق إلى أنه في عملية عفرين ضد الأكراد قالت الحكومة إن خمس القتلى بين المقاتلين الأكراد جاء بعد نشر طائرات الدرون، التي قتلت 449 شخصا، وقدمت معلومات عن 680 هدفا.
ويفيد الموقع بأنه تم استخدام تي بي2 لتدمير صورة ضخمة للزعيم الكردي عبدالله أوجلان، على جانب جبل في سوريا، لافتا إلى أنه بعد أن انتقدت منظمات حقوق الإنسان تركيا، واتهمتها باستهداف مستشفى في عفرين، فإن الحكومة التركية أصدرت فيديو، قالت فيه إنه دمر جزئيا، وقال رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم إن طائرات الدرون غيرت مسار المعركة في عفرين، ومنحت الجيش التركي اليد العليا.
ويسرد التقرير آثار الحرب بالدرون، وصعوبة التفريق بين المقاتل والمدني، كما في حالة طاهر تيمل من بلدة هكاري، الذي قتل والده وشقيقه، واعتبرا مع زميلين له عميلين لـ”بي كي كي”؛ لمجرد توقف أربعة من مقاتلي التنظيم عندهم، حيث كانوا في نزهة.
ويختم “ذا إنترسبت” تقريره بالإشارة إلى أن الحادث أدى إلى جدل في تركيا، وأصبح الحديث عن ضحايا الدرون ليس مجرد انتقاد ووقوف مع “بي بي كي”، بل خيانة للكرامة الوطنية.
تنويه: المقالات تعبر فقط عن رأي كاتبها