أخبار تركيا بالعربي
السوريون في قونية التركية.. بين بداية اللجوء، واليوم
يعيش في ولاية قونية التركية، الواقعة وسط جنوب تركيا، ما يقارب 100 ألف لاجئ سوري، في الوقت الراهن، وذلك كما تشير بيانات تركية رسمية.
معظم اللاجئين السوريين في قونية هم من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وقد اختاروا قونية لتوفر فرص العمل فيها، حيث تضم قونية أكثر من 20 منطقة صناعية، يتجمع فيها العديد من مصانع المواد الصلبة كالحديد والألمنيوم، وصناعات بلاستيكية وغذائية، والعديد من الصناعات الأخرى المهمة، والمنتجات ذات المردود الاقتصادي الهام للبلد.
وفي بداية اللجوء السوري إلى ولاية قونية، تمكن غالبية اللاجئين السوريين من إيجاد فرص عمل وإن كان برواتب منخفضة وساعات عمل طويلة وشاقة. ولكن لم يشتكي حينها اللاجئون السوريون، فقد كانت المعيشة متناسبة نوعاً ما مع مردودهم، بالإضافة إلى حسن استقبال الشعب التركي من أهالي قونية لهم، وتقديم بعض المساعدات، من قبيل تأمين جزء من أغراض المنزل من فرش وسجاد وحرامات. كما كانت أجور المنازل رخيصة لم تتجاوز (300 – 400) ليرة تركية، إضافة إلى رخص أسعار المواد الغذائية والخضراوات والألبسة والاحتياجات الأساسية بشكل كبير، في ذلك الحين.
إعلان
ومع تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا، انخفض الطلب على اليد العاملة، وبدأ الغلاء الكبير في أسعار المواد والخضراوات الذي نتج عن الارتفاع الكبير لسعر الدولار أمام الليرة التركية. ففي بداية 2017 سجل الدولار بين (3.77، 3.80) ليرة تركية، ليقفز خلال العام 2018 فوق الـ 7 ليرات، واليوم يسجل 5.83 ليرة تركية. وهذا السعر غير ثابت لأن صرف الدولار يشهد تذبذباً واضحاً بين الصعود والهبوط، بصورة شبه يومية.
وكنتيجة لذلك عانت المدن التركية ومنها قونية من انكماش اقتصادي. وباتت قونية اليوم تعاني من قلة إنتاج وتصدير، وضعف في حركة التبادل التجاري، حيث أن أغلب المعامل والمصانع في قونية ترتبط بالمواد الصلبة كالحديد والألمنيوم.. وهذه المواد هي الأكثر تأثراً بالعقوبات الاقتصادية. كما أن غلاء المعيشة وتراجع الحالة المادية أدى إلى قلة الشراء والطلب على المنتجات.
ومع الارتفاع الكبير في تكاليف المعيشة وأسعار المواد، بقيت أجور العمال السوريين عند الحد الأدنى للأجور، والكثير منها لم تزداد مع ارتفاع نسبة الحد الأدنى للأجور الذي أصدرته الحكومة التركية مؤخراً.
إعلان
تغير المزاج العام وتردي الأوضاع
التردي الاقتصادي في قونية وضع اللاجئين السوريين أمام عدة صعوبات، حيث يعانون اليوم من قلة فرص العمل، وقد وصل الأمر إلى حد انعدامها في بعض الأحيان، والبعض ممن بقي على رأس عمله يعاني منذ فترة من تأخر في استلام رواتبهم وأجورهم، ولا يخلو الأمر من وجود بعض حالات الاستغلال من قبل بعض أصحاب العمل، أو قيام البعض بإعطائهم نصف الراتب وحرمانهم من النصف الآخر. ولكنها ظاهرة لا يمكن تعميمها.
إعلان
في مواجهة هذا الأمر، لجأ بعض السوريين ممن تعرضوا لعمليات نصب أو استغلال من قبل أصحاب العمل، إلى الشرطة والمحاكم للنظر بشأن العمال السوريين الذين تم استغلالهم لشهور ولم يحصلوا على رواتبهم. وبهذا الصدد، يقول “أبو أحمد”، وهو سوري يعمل في قونية: “هي يلي ما حسنا نلاقي حل إلها بقونية. طالبنا كتير بالشرطة وبالمحاكم للنظر بشأن العمال السوريين اللي بيتم استغلالهم لشهور وما بيحصلوا على رواتبهم”.
ناهيك عن المعاملة السيئة من بعض الأتراك بحق السوريين والتي تزداد يوماً بعد يوم، وبشكل ملحوظ عما سبق. إضافة إلى ارتفاع أجور المنازل بشكل كبير على الرغم من كثرتها. فلا يوجد اليوم منزل بأجر شهري أقل من (700 – 800) ليرة تركية، كما تجاوزت أجور المنازل الجيدة الـ (1000) ليرة تركية، ويضطر السوري لدفع نفس إيجار المنزل “كمسيون” للمكتب، وإيجار “سمسار” سوري متعاون مع مكاتب السماسرة الأتراك، بما يقارب (300 – 500) ليرة تركية.
كما تتجاوز فواتير الماء والكهرباء والغاز الـ (200) ليرة تركية شهرياً. ووسطياً، يحتاج اللاجئ السوري كل شهر، ما يقارب (900) ليرة تركية كإيجار منزل وفواتير. وتحتاج الأسرة السورية متوسطة عدد الأفراد، ما يقارب (3000) ليرة تركية لتلبية الاحتياجات الأساسية فقط.
العيش في منزل مشترك وانعكاسه على تأجير المنازل
تدني رواتب العمال السوريين إلى ما دون الحد الأدنى للأجور، في بعض الأحيان، أدى إلى اضطرار أكثر من عائلة للعيش في منزل واحد، من أجل تقاسم إيجار المنزل والمصروف، الأمر الذي أدى إلى انزعاج الأتراك أصحاب المنازل من تصرف السوريين هذا، حيث يقول أحد الأتراك صاحب منزل للإيجار: “استأجرت مني المنزل عائلة سورية، لأتفاجأ بعد فترة بوجود أكثر من أسرة تسكن المنزل” – وهذا الأمر غير مقبول بشكل عام في عرف تأجير المنازل في تركيا، ونتج عن هذا الأمر امتناع شريحة كبيرة من الأتراك عن تأجير منازلهم للسوري، إذ بمجرد اتصال السوري بهم طالباً منهم استئجار منزل، يكون الجواب بالرفض وبشكل قطعي من دون أي جدال، كما يقوم البعض بإغلاق الهاتف مباشرة بمجرد سماعه أن المتصل سوري، والبعض يوافق على تأجير منزله للسوري ولكن بشرط وجود كفيل تركي يكفله، أما في بعض الحارات التي باتت معروفة بكثرة السوريين فيها فلا مشكلة لدى صاحب المنزل التركي من تأجير منزله للسوري، إذ لن يجد مستأجراً تركياً يستأجر المنزل وسط السوريين، أو في كثير من المنازل التي لا يقبل الأتراك السكن فيها.
بعض السوريين الذين يسكنون ضمن بنايات يسكنها أتراك، يتعرضون لحالة تمييز عنصري كبيرة من جانب بعض سكانها، فممنوع للأولاد السوريين التحرك حتى ضمن منزلهم، وبمجرد لعب الأطفال بالمنزل قليلاً تتعرض الأسرة السورية لعدة مضايقات من بعض الجيران، ويقومون باستدعاء الشرطة بتهمة الإزعاج، وإذا زار العائلة السورية ضيوف أو أقارب معهم أولاد يتعرضون لأكثر من تنبيه بحجة الضجة والازعاج حتى يضطر الضيف إلى المغادرة. كما يتعرض السوريون لعدة جمل فيها إهانة كما حدث مع “سعاد- لاجئة سورية” تقطن في حي وسط مدينة قونية حيث قالت لها جارتها التركية: “السوريون كلهم سيئون ووسخون..”، فأجابتها بأن “كل مجتمع فيه الجيد وفيه السيء، وهذا ينطبق أيضاً على الأتراك”.
ما سبب تغير مزاج بعض الأتراك تجاه السوريين
بشكل عام، يرى السوريون أنه لم تكن معاملة أهالي قونية، إلا معاملة حسنة، وفيها الكثير من التعاطف، وما زالت كذلك، بشكل عام. ولكن القليل منهم بدأ بالتغيّر في السنوات الثلاث الأخيرة، نتيجة تصرفات خاطئة من قبل بعض السوريين التي انعكست على السوريين جميعاً، وكذلك نتيجة وجود جهات مغرضة ممن تعمل ضد توجهات الحكومة التركية بقيادة الحزب الحاكم الحالي، وضد الوجود السوري، بحيث يروجون إشاعات وتعمميات إعلامية ممنهجة مقصودة، ويتم الترويج لأكاذيب – بعض الأتراك مقتنع بها- منها أن السوريين يتلقون دعماً ورواتب ومساعدة كبيرة من الحكومة التركية هم أولى بها (أي الأتراك)، وأن الطلاب السوريين يدخلون الجامعات دون الخضوع للامتحانات التي يخضع لها الطلاب الأتراك، فهم بنظرهم يأخذون فرص أبنائهم.. وتعميمات أخرى غير صحيحة.
محلات سورية وصعوبات
بعض الشباب السوريين قاموا بفتح محل أو دكان خاصة بهم. كذلك كان الأمر بداية اللجوء حيث كان إيجار المحل لا يتجاوز 500 ليرة تركية، مع اعفاءات ضريبية كبيرة. أما اليوم فقد يصل الإيجار إلى 1000 ليرة تركية، كما وتعاني معظم البقاليات ومراكز البيع السورية في قونية من عدة مشكلات، منها ازدياد عدد “البقاليات السورية” المجاورة لبعضها بشكل كبير بسبب انعدام فرص العمل الأخرى وضعف حركة البيع والشراء واقتصار المواطن على شراء احتياجاته الأساسية فقط، واستغلال التجار لارتفاع الدولار ورفع الأسعار مما يضطر البائع بالمقابل لرفع الأسعار أيضاً، ووجود حالات “الدين” الكبيرة المنتشرة بين السوريين نتيجة انعدام فرص العمل أو تأخر صاحب العمل عن إعطائهم الراتب والتأخر في سداد الدين، الأمر الذي أدى إلى خسارة عدد كبير من أصحاب المحلات، مما اضطر عدداً منهم إلى إغلاق محلاتهم.
ومنذ مدة، صدر قرار الترخيص للسوريين لمحلاتهم وبقالياتهم، وتم تبليغ عدد كبير من السوريين غير المرخصين بضرورة ترخيص المحل أو إغلاقه فوراً، مما اضطر العديد منهم إلى إغلاق المحل.
المصدر: موقع اقتصاد
إعلان