يرتبط إعلان تركيا شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي بعيد المدى S-400 بالوضع الجيوسياسي أكثر من الحساب العسكري، ذلك أن أنقرة عضو منذ زمن بعيد في منظمة حلف شمال الأطلسي التي تمتلك منظومة درع دفاعي خاصة، يمكنها أن توفر الحماية التي يسعى إليها الأتراك. لكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يهدف إلى رسم دور جيوسياسي مستقل لبلده فى الشرق الأوسط.
يقال إن الصفقة تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار. وينبغي تسليم بطاريتين من طراز S-400 قبل نهاية العام المقبل، في حين ستبنى بطاريتان أخريان في تركيا في وقت لاحق. ويمكن لنظام الدفاع الروسى ضرب المقاتلات، والطائرات بدون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية على بعد 400 كم. ويضم النظام رادارا يمكنه تتبع الأهداف عند 600 كم.
لا يوجد بلد آخر في حلف شمال الأطلسي تعمل فيه منظومة S-400، لذلك فإن نشرها في تركيا سوف يطرح مشاكل التشغيل البيني مع جيوش الحلف الأخرى.
الأهداف المحتملة
إعلان
من الناحية العسكرية الدقيقة، ليس واضحا لماذا تشتري أنقرة منظومة S-400، فألد أعدائها في الوقت الحالي هم تنظيم الدولة (داعش) في سوريا، والتنظيمات المرتبطة بتنظيم بي كي كي في سوريا. ولكن لا يمكن لأي من هؤلاء أن يهدد تركيا بهجمات جوية أو هجمات الصاروخية.
في عام 2015، سحبت الولايات المتحدة وألمانيا الصواريخ الاعتراضية باتريوت من جنوب تركيا. في ذلك الوقت، قالت واشنطن وبرلين إن نظام باتريوت كان عديم الجدوى في مواجهة المتشددين الذين أصبحوا التحدي الحقيقي لأمن أنقرة، بالنظر إلى أن الإمكانيات العسكرية للقوات الموالية لبشار الأسد قد تدهورت تدهورا كبيرا.
وفي الوقت الحالي، لا تشكل إيران تهديدا لتركيا. وعلاوة على ذلك فإن منصة الناتو للدفاع الجوي والصاروخي يمكن أن تحمي الأراضي التركية من أي ضربات إيرانية صاروخية، شريطة ألا تكون هجمات واسعة النطاق. وتجدر الإشارة إلى أن منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي فى تركيا توجد فى قاعدة كوريجيك فى ولاية ملاطيا الشرقية.
إعلان
لا تمثل أرمينيا تهديدا لتركيا، على الرغم من أنها مسلحة بنظام إسكندر الروسي قصير المدى. يذكر أن يريفان حليف عسكري لموسكو، وقد طورت ترسانتها التسليحية لردع أذربيجان المجاورة، حيث تتنازع البلدان حول منطقة ناغورني كاراباخ.
ما تزال القوة الجوية لنظام الأسد هدفا محتملا في المستقبل لمنظومة S-400، وإن كان الكرملين يؤيد الرئيس السوري. وعلى الرغم من التقارب بين الرئيس التركي أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيرا، فإنه لا يجمعهما موقف مشترك بشأن الأسد، فمنذ اندلاع الثورة في سوريا في عام 2011، كان الرئيس التركي الخصم الأقوى في سوريا.
إعلان
تسعى موسكو وأنقرة إلى التوصل إلى حل تفاوضي للنزاع فى سوريا. ويعمل الكرملين الآن كعازل – عسكري وسياسي – بين أنقرة والنظام في دمشق. ومع ذلك، إذا لم يحل بوتين الخلافات مع نظيره التركي حول الأسد، فإنه سيترك في موقف حرج، بعد أن زود عدو حليفه السوري بالسلاح.
تحويل أنقرة إلى قطب جيوسياسي مستقل
لذلك، وعلى افتراض أن الوفاق الروسي التركي سيستمر لبعض الوقت، يجب أن يُقرأ اهتمام أنقرة بالحصول على S-400 ، بوصفه محاولة لتغيير الاصطفاف الجيوسياسي. يختلف أردوغان مع الولايات المتحدة بسبب دعمها للأكراد السوريين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني الإرهابي في تركيا.
كما انتقد أردوغان مرارا وتكرارا واشنطن لرفضها تسليم الداعية، فتح الله غولن، الذي يعتقد أنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الساقط في تركيا في يوليو / تموز 2016. كما أن حملة الرئيس التركي على المشاركين في الانقلاب لاقت انتقادات من الاتحاد الأوروبي، وأثارت الجدل حول انضمام أنقرة المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي .
إن مخاوف الرئيس أردوغان من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعملان على الإطاحة به، قد دفعته إلى إبعاد تركيا عن حلفاء الناتو. في هذا السيناريو، من الواضح أن الرئيس التركي يحاول جعل بلاده أكثر استقلالية عن التحالف الأطلسي. لا تتزامن هذه العملية مع إعادة الاصطفاف الكامل مع روسيا، لأن تركيا لا تريد مغادرة الناتو، ولكنها تهدف إلى تحويل أنقرة إلى قطب جيوسياسي مستقل، قادر على فرض مصلحته أمام الكتلة الأمريكية الأوروبية، ومحور موسكو – طهران، وحتى أمام الصين.
هذا هو حلم أردوغان القديم المتمثل في إقامة مركزية جديدة بين أوروبا وآسيا.ع لى أنه نظرا لعلاقات تركيا غير المؤكدة مع روسيا، وعلامات الاستفهام حول مستقبل الصراع السوري، فإن خطة الرئيس التركي تهدد باستياء حلفاء الناتو والحلفاء الجدد المحتملين.
إيمانويلي سيميا – سيميا آسيا تايمز – ترجمة وتحرير ترك برس
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=26835