من دروس الانتخابات التركية

ADNAN3 أبريل 2019آخر تحديث : الأربعاء 3 أبريل 2019 - 11:56 صباحًا
من دروس الانتخابات التركية

حملت نتائج الانتخابات المحلية في تركيا أكثر من رسالةٍ تحذيريةٍ إلى حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، وإلى مستقبل الإسلام السياسي، على اعتبار أن تجربته في تركيا كانت تقدم نموذجاً ناجحاً للإسلاميين في السلطة، فحزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يخسر فقط مدناً كبيرة ومهمة وذات رمزية كبيرة، مثل العاصمة أنقرة وإسطنبول وإزمير، وإنما تلقى ضربة قوية لم يشهدها الحزب منذ 16 سنة، لأن الخسارة هنا رمزية ولها حمولات سياسية كبيرة وقوية، ستؤثر على مستقبل الحزب، وعلى صورته في الخارج، وعلى كل من كان ينظر إليه نموذجاً ناجحاً لما يمكن أن يكون عليه الإسلام السياسي.

وإذا كانت هناك من دروسٍ يمكن أن تُستنبط من نتائج هذه الانتخابات، فإن أولها أن النموذج الديمقراطي التركي ما زال فعالاً، والآلة الديمقراطية التركية تشتغل بدون أعطاب كبيرة، وهذا خبرٌ جيدٌ لتركيا، ولحزب العدالة والتنمية، ولأردوغان، لأنه بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، شهدت تركيا تراجعاتٍ كبيرةً تمثلت في الاعتقالات التي طاولت المعارضين والصحافيين، وتراجع هامش حرية الصحافة والحريات بصفة عامة، ولعل هذا من بين أسباب أخرى عديدة، أدت إلى تصويت عقابي على الحزب الحاكم.

الدرس الثاني الذي لا يقل أهمية، أن أردوغان الذي ظلّ يحكم منذ ربع قرن رئيساً للوزراء ثم رئيساً للدولة، وقبل ذلك رئيساً لبلدية إسطنبول، لم يعترف فقط بالخسارة، وإنما وقف وحيداً أمام جمهور حزبه، وأعلن تحمله مسؤوليتها وحده، وهذه خصلة سياسية نادرة في الدول التي تتلمس طريقها نحو الديمقراطية.

أما الدرس الثالث، فهو أن حزب العدالة والتنمية التركي خسر مواقع مهمة ورمزية، وخصوصاً مدينة إسطنبول التي شكل وصوله إلى رئاسة بلديتها قبل 25 سنة تحولاً تاريخياً في البلاد، لكنه لم يفقد أغلبيته، فهو ما زال الحزب الحاكم، وهو ما سيلقي على هذا الحزب وقيادته تحدّياً كبيراً لاستخلاص الدروس والعبر، ولتصحيح الأخطاء قبل فوات الأوان.

ولكن ليست كل الدروس المستخلصة مما حدث في تركيا إيجابية، فلو حاولنا النظر إلى الجانب الأسود من السبورة، فسنجد أن هذه الانتخابات كانت بمثابة استفتاء شعبي على حكم أردوغان نفسه، الذي يوجد في سدة الحكم منذ 16 سنة، فهذه أول خسارة انتخابية له، وأول إشارة سياسية قوية على تراجع شعبيته، وتراجع الدعم الشعبي الذي كان يحظى به حزبه.

ولعل فداحة الخسارة تكمن في أن رهان الانتخابات البلدية لم يكن سياسياً بالدرجة الأولى، فالكلمة الأخيرة فيها كانت للوضع الاقتصادي، ومعدلات التضخم ونسب البطالة المتزايدة، وآثار الأزمة الاقتصادية المتنامية التي وجهت، إلى حد كبير، مزاج الناخبين وميولهم.

وفي هذا ضربةٌ قويةٌ لأحد أهم نقاط قوة “العدالة والتنمية”، الذي بنى صورته في تركيا على انتصاراته في محاربة الفساد، وبناء اقتصاد قوي، يحقق معدلات نموّ كبيرة. وهذه أشياء تشهد اليوم انكماشاً كبيراً بسبب تراجع نمو الاقتصاد، متأثراً بعدة عوامل، منها العقوبات الأميركية، والخلافات مع الاتحاد الأوروبي، ودخول تركيا حروباً مفتوحة على أكثر من جبهة داخلية وخارجية، كما أن الخلافات السياسية مع السعودية والإمارات جعلت واردات البلدين من تركيا تتراجع، وأثرت على حركة السيّاح الخليجيين نحو تركيا.

الوقع الكبير لخسارة إسلاميي تركيا سيكون خارج بلدهم، وبالضبط في دول عربية يسعى فيها الإسلام السياسي إلى الوصول إلى السلطة، مقتدياً بنجاح تجربة العدالة والتنمية التركي، فالنموذج الذي كان يحتذى أصيب اليوم بطعنة رمزية بالغة، ولا يعرف ما إذا كان يمكنه أن يتجاوز تداعياتها قبيل الانتخابات العامة، التي ستشهدها تركيا عام 2023، فتجربة “العدالة والتنمية” كانت تقدم النموذج الناجح للحزب المحافظ، ذي النفحة الإسلامية والتوجه الاقتصادي الليبرالي، المنفتح سياسياً، وخصوصاً في بداية وصوله إلى الحكم، عندما انفتح على جميع مكونات المجتمع التركي، وخصوصاً الكرد الذين منحوا مساحة أكبر في بداية حكم أردوغان، قبل أن يتحوّلوا إلى عدوّه الأول، يخوض ضدهم حرباً ضروساً منذ سنوات، كان لها أثر سلبي على المزاج العام الانتخابي في تركيا.

ثمّة من قرأ في خسارة حزب أردوغان أخيراً، بداية لتراجع الإسلام السياسي في تركيا، وسقوط نموذجه العالمي، لكن هذا الاستنتاج سابق لأوانه، فما زال أمام أردوغان وحزبه ثلاث سنوات حاسمة، لتدارك الأخطاء، وتحويل الخسارة إلى انتصار في الانتخابات العامة عام 2023.

وفي انتظار هذا الاستحقاق، ستكون كلمة السر هي عودة الحزب وزعيمه إلى الانكباب على الشأن الداخلي، والتركيز على الاقتصاد، لتحقيق طفرةٍ جديدةٍ من شأنها أن تجعل الناخب التركي يعيد حساباته لمن سيمنح صوته مستقبلاً.

إلى أي حد سيسعى الإسلاميون في الدول العربية إلى استنباط الدروس من الانتخابات البلدية التركية ، أم أنهم كعادتهم سيجلسون فوق التلّ، ولسان حالهم يقول لأردوغان “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”، في انتظار انتصار “النموذج” الذي فشلوا في تحقيقه في بلدانهم، وسيفقدون بوصلتهم في حال أفول نجمه؟

علي أنوزلا / العربي الجديد

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.