نعيم مصطفى / خاص تركيا بالعربي
إن سيرة ومسيرة الرئيس التركي طيب أوردغان السياسية والاقتصادية والبراغماتية والإيديولوجية تثير جدلاً كبيراً بين محبيه من جانب وبين مبغضيه على الضفة الأخرى، ولا يقتصر ذلك على الصعيد المحلي بل يتجاوز ذلك إلى الصعيد الإقليمي والدولي.
لو وقفنا عند الصعيد المحلي نجد أن فريقاً يحبه لدرجة الإفراط والمبالغة ويجد فيه الرجل القوي الذي حقق طموحاته وأمنياته وأنعش الاقتصاد التركي بعد أن ترهل وأصابه مرضاً مزمناً، وأنقذ المواطنين المحافظين – ويمثلون السواد الأعظم من الشعب – من براثن العلمانيين والقوميين الذين أغرقوا البلاد بقائمة الممنوعات وعملوا على انتزاع الهوية التركية الإسلامية الأصيلة من الشعب واستبدالها بالهوية الأوربية.
وثمة فريق آخر يكن للرئيس التركي الكره والبغض المفرط، وهو الفريق العلماني اللاديني، والفريق القومي المتطرف، فالأول يريد أن يحاكي الغرب ويقلده شبراً بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخل جحر ضب لدخل خلفه.
إعلان
والثاني – القومي – يريد أن يحجم دور تركية ويقوقعها ويجعلها لا تتجاوز العرق التركي، فهو يرفض التطلع إلى الغرب وإلى الشرق، ويؤمن بسياسة الباب المغلق وبتميز عرقه عن الآخرين على غرار النازية الهتلرية.
أما على الصعيد الإقليمي، فأوردغان يتبع السياسة الوقائية فما أن يشم رائحة الخطر على تركية من جيرانه – العراق وسورية – حتى يدفع بقواته لصد ذلك الخطر وكبح جماحه وهذا ما يقلق تلك الدول ويجعلها تطلق سهام النقد على سياسة أوردغان بحجة التعدي على سيادتها.
أما على الصعيد الدولي فالغرب ينتقد سياسة أوردغان بحجة أنه ديكتاتوري وطاغية، فيسمح لمناهضيه بالمظاهرات ضده ويضيق على مؤيديه إذا ما أزمعوا الخروج إلى الشارع، ويشجع صحفه وإعلامييه للنيل من شخصية أوردغان.
إعلان
ولا بد لنا من الوقوف عند شخصية أوردغان من خلال المعطيات التي بين أيدينا وإماطة اللثام عن أسباب الحب وأسباب الكره.
لقد قرأ رجب طيب تاريخ أجداده العثمانيين وأعجب ببعض الشخصيات التي كانت تقود العالم الإسلامي على مساحات مترامية الأطراف، وكانت تحكم بالإسلام والعدل والمساواة، وهو لا يريد – كما يروّج الجهال وأصحاب الأهواء – أن يعيد المساحات الكبيرة التي كانت تحت جناح الدولة العثمانية إلى حضن تركية، وإنما يريد أن يحاكي أجداده ببث روحانيات تلك الحقبة وبنشر القيم والأخلاق على العالم ويظهر لهم سماحة الإسلام ووسطيته ورفضه للظلم، لذلك نجده يقف مع الشعوب المقهورة والتي طُردت من بلادها لأنها طالبت بالعدل والحرية والديمقراطية.
إعلان
ففي ربوع تركية يعيش أكثر من خمسة ملايين سوري ومصري وعراقي ويمني وسعودي وأفغاني… وكثير منهم من المثقفين والسياسيين والأدباء والشعراء وعلماء الدين …وكلهم وجدوا ملاذاً آمناً عند أو ردغان وحزبه لذلك أحبوه حباً جماً ورأوا فيه الزعيم المنقذ من الديكتاتوريين والطغاة.
والحقيقة أن الغرب يكرهه لأنه يجد فيه الرجل المسلم المخلص لدينه والقوي الذي لا يقبل التبعية والدونية وإنما يسعى لبناء دولة عصرية متطورة تنافس الدول الكبرى وتقف بجانبها على منصة واحدة، وهذا الأمر يقلقهم ويقض مضجعهم، فهم تعودوا أن يكون الحكام المسلمون – كابن زايد وابن سلمان – مطأطئين رؤوسهم وبقر حلابة يبتزونهم ويرسلون لهم الفتات والنفايات.