قد يكون هذا السؤال سابقا لأوانه خاصة وأن المشهد الحالي لا يعطينا أي بصيص أمل لا حول نهاية الحرب ولا حول إمكانية بقاء الدولة. غير أن الوضع الحالي لا يخدم مصلحة أي طرف، سواء في الداخل السوري أو خارجه، كما أن مصير المعارك يبدو قد حسم لصالح نظام بشار الأسد. وهو ما يسمح لنا باستشراف الخطوط الكبرى الممكنة لوضع ما بعد الحرب في سوريا.
ويتطلب هذا الاستشراف التوقف أولا عند طبيعة الدولة السورية كما نشأت بعد الاستقلال كي نفهم طبيعة الأزمة الحالية وانتشار الحرب ومن هناك التفكير في سيناريوهات المستقبل. فعلى عكس ما كان سائدا من اعتقاد قبل موجة الثورات العربية من أن سوريا دولة قوية، كشفت الأزمة الأخيرة بأن هذه القوة تنحصر في جهاز الحكم وفي الجيش لا أكثر. ذلك أن سورية كدولة في بعدها التنظيمي العام تبقى ضعيفة ولم تصمد أمام أول تجربة في مواجهة المجتمع.
يبرز هذا الضعف على المستوى السياسي من خلال ضعف مكونات المجتمع السياسي الذي كان يهمين عليه حزب البعث وشخص الرئيس المحسوب على جماعة من المجتمع. في المقابل لا نكاد نجد أثرا للمجتمع المدني كما تم تهميش النخبة وبقيت الإدارة دون أية استقلالية. فمن الناحية السوسيولوجية يمكن القول بأن الحرب الأهلية السورية، على الأقل في بداياتها، هي مواجهة مباشرة بين المجتمع والحكم في ظل غياب أية إمكانية وساطة كانت قد تلعبها المنظمات والأحزاب والنخب. ضعف هذا الجبهة الداخلية سهّل بدوره تدخل القوى الأجنبية مما زاد الوضع تعقيدا.
هل غيرت الحرب هذا الوضع بشكل يسمح لنا بتصور مستقبل أفضل للدولة السورية سواء مع بشار الأسد أو بدونه؟ الإجابة بديهية هنا لأن الحرب قد أتت على كل مقدرات الدولة السورية التنظيمية وبخاصة في علاقة المجتمع بالدولة. قد يخرج بشار الأسد منتصرا عسكريا غير أنه سيرث، إن بقي، سلطة ضعيفة غير قادرة على بسط هيبتها في عديد المناطق. لذلك قد تضطر دمشق إلى التفاوض مع قوى سياسية محلية، مثل الأكراد، يتنازل بموجبها الحكم المركزي عن صلاحيات مهمة وذلك لضمان استقرار الحكم.
إعلان
ستخرج الدولة السورية ضعيفة أيضا في علاقتها بالمجتمع. ذلك أن الدور الذي لعبته القوى الشيعية في حسم الموقف العسكري سيزيد من الشرخ الداخلي بين السنة والعلوية وقد يضعف من الالتفاف حول الهوية الوطنية. فبغض النظر عن العلاقات الخارجية ورهاناتها، ستبقى الدولة السورية ضعيفة تنظيميا ومجتمعيا في انتظار مرحلة انتقالية قد تطول.
المصدر: مونت كارلو / عادل اللطيفي