نعيم مصطفى / تركيا بالعربي
لا أعتقد أن أحداً يماري في أن الأسباب الرئيسة في تخلف الدول العربية وتصنيفها في ذيل الأمم هي السياسة، لأن السياسة هي المهيمنة والمحركة لكل النواحي الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية الخ…
إن الدول الغربية وأمريكا ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليها من التقدم والتطور والتحضر والرفاهية؛ إلا لأن نظمها تعاطت وعاقرت الديمقراطية وأدمنت عليها، فالحاكم في الدول الديمقراطية يُعتبر موظفاً وخادماً للشعب، ويحاول تسخير كل طاقاته لكي يرضي الشعب ولكي ينجز ما يستطيع إنجازه والسبب وراء ذلك أنه سيمكث مدة زمنية محددة في قيادة الدولة ثم سيغادرها، وهذا الأمر يتطلب منه أن يترك بصمات مضيئة وإنجازات متميزة خلفه وأن يخرج من السلطة ويده بيضاء طاهرة ونظيفة وإلا تصدت له القوانين الديمقراطية التي لا تميز بين حاكم ومحكوم.
وأما في الدول القمعية الديكتاتورية فإن الحاكم شغله الشاغل رسم الخطط والقوانين التي من شأنها توطيد وتثبيت حكمه وحكم أبنائه وأحفاده من بعده، وهو لا يهمه الشعب ولا الدولة وإنما يصرف طاقاته كلها لإشباع نزواته ونزوات الحاشية التي تحميه، ومن هنا يتضح لنا أن الدولة التي تزعم أنها تريد الإصلاح وخدمة شعبها وإرساء الحكم الرشيد عليها أن تصوّب نظرها قبل كل شيء إلى الجانب السياسي ثم تلتفت إلى الجوانب الأخرى تباعاً.
وبعد هذه المقدمة يمكننا الوقوف عند ولي العهد السعودي وإصلاحاته المزعومة.
لو طرحنا السؤال الآتي على أنفسنا هل ما يقوم به محمد بن سلمان من تغييرات وإصدار قوانين – وهو غدا الحاكم الفعلي للبلاد عملياً – هل هي فعلاً قادرة على دفع المملكة إلى مصافي الدول المتقدمة؟ وهل هو جاد حقاً في هذا التوجه؟
إن الجواب عن هذه التساؤلات يتطلب منّا أولاً أن نعرض لمقومات الدولة الحديثة المتقدمة، ويتطلب منّا ثانياً أن ننظر إلى الخطوات التي قام بها والقوانين التي أصدرها.
إن أي دولة من الدول تبدأ إصلاحاتها من رأس الهرم أي من السياسة والقيادة، فتسمح بالبرلمانات وبتشكيل الأحزاب السياسية، وبدخول منظمات حقوق الإنسان وما إلى ذلك..
ومن المعروف أيضاً أن توافر جهود الدولة الحديثة المتطورة تنصرف إلى أهم المؤسسات التي ترفع من شأن المواطنين وهي التعليم والصحة والقضاء.
ولو دققنا النظر- بعد أن رسمنا بياناً واضحاً لا لبس فيه للدولة المتطورة المنشودة – إلى إصلاحات ابن سلمان ماذا نرى؟
لم يقترب السيد ولي العهد إلى النظام السياسي القديم ولم يمسه على مستوى المؤسسات وليس الأفراد – كما أنه لم يلتفت إلى التعليم والطب والقضاء – ولم يصدر أي قانون بحقهم.
إن كل ما قام به ابن سلمان ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بتحويل المملكة إلى دولة عصرية حديثة متطورة.
لقد سُمح للنساء بقيادة الحافلات، ولقد شجع على فتح السينما والمسارح، ولقد سُمح للنساء بحضور المباريات الرياضية، وفتح مؤسسة الترفيه لتنافس وتقلم أظافر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل ما قام به لا يتجاوز دائرة الأخلاق التي لم تقل دولة في العالم أنها كانت يوماً عائقاً أمام التطور.
إن السيد ولي العهد قد أوقع نفسه في قفص الاتهام للمملكة بهذه الإنجازات أمام الدول العربية الأخرى التي لا تختلف عن المملكة في تخلفها.
فسورية نظام الأسد ومصر نظام مبارك والسيسي وتونس زين العابدين والجزائر الخ…كل هذه الدول فيها السينما والمسارح والملاهي والملاعب والمسابح المختلطة، ولم يصنفها أحد بأنها دول متقدمة، بل إنها دول تضاهي المملكة ببدائيتها وتخلفها قبل الإصلاحات المزعومة وبعدها.
ثم إن اعتقال ولي العهد للأمراء والوزراء بحجة محاربة الفساد كان حجة عليه وليست له؛ لأن من يحارب الفساد يجب أن يكون هو شريفاً ونظيف اليد ولا يشتري اليختات والقصور هذا من جانب، ومن جانب آخر لم يجرّم المتهمين الذين ثبتت إدانتهم ولم يقم عليهم الحدّ، وإنما قبل برشوة منهم ثمناً لإطلاق سراحهم، عليل يداوي المرضى.
يقول كونفوشيوس ” إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد”.
ويقول عبد الله السعدون: ” أهم عناصر قوة الأمة جودة تعليمها، ونزاهة قضائها، وحسن اختيار قادتها، ومحاربة الفساد على كل مستوى”.
Source : https://arab-turkey.net/?p=45588