نهت الأطراف المَعْنيّة بإنجاز اتفاق “الفوعة” والذي يقضي بإخراج جميع الميليشيات المرتبطة بإيران وذويهم مقابل المتبقين في بلدتَي “الفوعة” و “كفريا” دفعة واحدة، مقابل الإفراج عن 1500 معتقل و 40 أسيراً للفصائل العسكرية محتجزين في سجن السيدة زينب بريف دمشق.
وأحدث الاتفاقُ جدلاً كبيراً خلال الأيام الماضية، وتطوَّر الأمر إلى تظاهُرات ضده بعد بَدْء النظام السوري بتنفيذ الشرط المتعلق بإطلاق سراح المعتقلين، وذلك بعد أن اتضح للأهالي المتجمهرين بانتظار أبنائهم أن مَن أَفرج عنهم النظام من سجونه، غالبيتهم لا تتجاوز مدة اعتقالهم 3 أشهر.
كما انقسمت الآراء حول محافظة إدلب بين مَن يرى أنه تم التفريط بورقة ضغط مُهمّة كانت بيد الفصائل العسكرية مما يعني إمكانية شنّ النظام لحملة عسكرية دون أن يحسب حساباً لأي شيء، وبين مَن يعتقد أن إتمام الصفقة وقبول إيران بخروج ميليشياتها من البلدتين مُؤشِّر على إقبال المنطقة على هدوء طويل.
وأفاد “أمجد سليمان” القياديّ في هيئة “تحرير الشام” أنه تمّ الانتهاء من ملفّ “كفريا والفوعة” بشكل كامل، بعد إجلاء قرابة 6500 شخص منها متوزعين على 120 حافلةً، مقابل الإفراج عن 1500 شخص من سجون النظام.
إعلان
وأكد “سليمان” في تصريح لـ “نداء سوريا” أن الاتفاق هو استكمال لما يُعرَف بـ “البلدات الأربعة” – الزبداني – مضايا – الفوعة – كفريا، وأتى بعد ضغط عسكري وتلويح من قِبل فصائل المحافظة باقتحام البلدتين، مما دفع الإيرانيين للموافقة على إخراج الميليشيات من محافظة إدلب.
ونفى العميد الركن “أحمد بري” رئيس الوفد العسكريّ في مؤتمر “أستانا” أن يكون الاتفاق متعلقاً بالمباحثات التي انعقدت على مدار 9 جولات في العاصمة الكازاخية، مشيراً إلى أنه استكمال لما يُعرَف بـ “البلدات الأربعة”، ونتج عن مفاوضات مباشرة بين إيران و”هيئة تحرير الشام”، ولم يحظَ برعاية تركية – روسية.
واعتبر “بري” في حديث لـ “نداء سوريا” أن الاتفاق سيئ؛ لأنه أَفْقَدَ الثوارَ ورقةَ ضغطٍ مهمّة، وأصبح الآن بإمكان النظام وحلفائه أن يشنوا هجوماً على محافظة إدلب دون رادع، ويستخدموا جميع أنواع الأسلحة بما فيها السلاح الكيماوي.
إعلان
وانتقد العميد عدم خروج أسرى فصائل الجيش الحر من سجون النظام ضِمن الاتفاق، واقتصار الأمر على عدد من أسرى “الفصائل الإسلامية” أو مقربين منها، بالإضافة إلى أن المعتقلين الذين أطلق سراحهم بالغالب ليسوا من القدامى والموقوفين على خلفية مشاركتهم بالثورة السورية، ولم تتجاوز مدة اعتقالهم 3 أَشْهُرٍ.
فتح طريق دمشق – حلب الدولي على الطاولة
إعلان
توقع العميد “أحمد بري” احتمالية فَتْح طريق دمشق – حلب الدولي في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن الأمر في طور المناقشات الثنائية بين تركيا وروسيا، ولم يطرح هذا الموضوع ضِمْن مؤتمر “أستانا”.
وحول الآلية المطروحة لفتح الطريق قال “بري” لموقعنا: “الصيغة المطروحة أن يتولى الجيش التركي حماية الطريق من منطقة أعزاز بريف حلب حتى مورك بريف حماة، في حين تنشر الشرطة العسكرية الروسية نقاطاً لها على الطريق المذكور من بعد مورك حتى محافظة دمشق”.
وأعرب “بري” عن أمله بالتوصل إلى هذه الصياغة؛ لأنها ستفتح الطرق أمام المواطنين بضمانات دولية، وستُجنِّب المدنيين المرورَ على حواجز النظام السوري وميليشياته التي لا يُؤمَن جانبها.
وترددت خلال الفترة الماضية تقارير إعلامية حول قرب فتح الطريق تحت إشراف دوريات ثلاثية روسية – تركية – إيرانية، إلا أن العميد “بري” لم يؤكد تلك المعلومات ورجَّح أن التفاهمات ستكون ثنائية وخارج إطار أستانا.
تكُّهنات حول مصير إدلب
رأى “بري” أن احتمالية مهاجمة روسيا وميليشيات النظام السوري من الناحية النظرية للمنطقة غير واردة في المدى المنظور، مُعتبِراً أن الأوضاع في إدلب تختلف عن باقي المناطق من حيث وجود قرابة 100 ألف مقاتل وطرقات إمداد مفتوحة، وأيضاً انتشار 12 نقطة مراقبة تركية في محيط الشمال السوري، مما يُضيِّق احتمالية شنّ هجوم عسكريّ، إلا أنه طالب بالتيقظ دوماً والحذر؛ لأن التجارب دلت على عدم إمكانية الوثوق بالنظام وروسيا.
ورفض مصدر عسكريّ في “أحرار الشام” رَبْط مصير محافظة إدلب بإتمام خروج الميليشيات الإيرانية، باعتبار أن القرار اليوم لروسيا وملفّ “الفوعة” لا يعني الكثير للروس، خاصة في ظلّ وجود نوع من التوتُّر مع إيران على خلفية محاولة موسكو التوصل لتفاهمات مع أمريكا لإخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا.
ومن الناحية العسكرية أكد المصدر في تصريح لـ “نداء سوريا” – رفض ذكر اسمه – أن خروجَ الميليشيات له نواحٍ إيجابيةٌ وأخرَى سلبيةٌ، فمن جهةٍ خروجُ هذه الميليشيات وأسرهم من “الفوعة” سيقلل من الضغط الذي ستمارسه إيران على النظام السوري لشن هجوم على محافظة إدلب بهدف فتح الطريق للمُحاصَرين كما حصل في معارك العيس قبل سنوات، كما أن خروجهم سيُوقف حالة الاستنزاف والرباط بالنسبة لفصائل المحافظة، ومن الجهة الأخرى فإن إيران والنظام سيستفيدون من هذه الكتلة المقاتلة العقائدية في حال حصل هجوم على إدلب، وعددها ليس قليلاً.
وقد أثارت الصفقة ردودَ أفعالٍ وانتقاداتٍ ليست فقط من ناحية جَدْواها العسكرية، أو عدم قدرتها على إخراج المعتقلين القدامى من سجون النظام، وإنما بسبب فقدانها الشفافية والظروف الغامضة التي أحاطت بها، وعدم وجود مكاشفة مع الحاضنة الشعبية، إلا أن القائمين عليها يُصرُّونَ على أنها مَكَّنتهم بالنهاية من التخلص من عِبْءٍ ثقيلٍ يُمكِن أن ينقلب بأي لحظة لورقةٍ ضدَّهم.