يتشبث الأتراك بزيارة مدينة القدس الفلسطينية المحتلة، رغم عراقيل وإجراءات تهويدية إسرائيلية مكثفة، أحدثها إقرار الكنيست (البرلمان)، الأسبوع الماضي، قانون “القومية”، الذي يزعم في أحد بنوده أن “القدس الكبرى والموحدة عاصمة لإسرائيل”.
كم يتحدى الأتراك بهذه الزيارات إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 ديسمبر/ كانون أول الماضي، القدس عاصمة مزعومة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ونقل سفارة بلاده إليها، في 14 مايو/ أيار الماضي.
فاستجابة لنداء أطلقه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يكثف الأتراك زيارتهم للمدينة الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، في وضع لا يقره المجتمع الدولي ويرفض كل ما ترتب عليه.
وخلال مشاركته في “الملتقى الدولي لأوقاف القدس”، بمدينة إسطنبول التركية في مايو/ أيار 2017، قال أردوغان إن “القدس هي أولى القبلتين ومدينة الأنبياء وشرف وعز كل مسلم، وعلى كافة المسلمين الإكثار من زيارتها هي والمسجد الأقصى”.
وتتعمد الحكومة الإسرائيلية إيجاد تعقيدات وصعوبات أمام الزوار الأتراك، منها التوقيف والترحيل، والاحتجاز في المعابر الحدودية.
وكذلك المماطلة في منح تأشيرات الدخول أو رفض منحها، وفرض مبلغ 50 شيكلًا إسرائيليًا (نحو 11 دولارًا) على الوفود السياحية، بحجة التأمين.
إسرائيل تتعمد أيضًا رفض منح تأشيرات دخول للمرشدين السياحيين، الذين يقودون الوفود السياحية إلى القدس.
وتفتش السلطات الإسرائيلية هواتف الأتراك في المطارات والمعابر الحدودية، وتوقف بعضهم لساعات طويلة.
** استياء إسرائيلي
كل هذه التعقيدات الإسرائيلية وغيرها الكثير لم تثن الأتراك عن التوجه إلى القدس المحتلة وزيارة أماكنها المقدسة.
يوما بعد آخر يزداد عدد الأتراك الذين يزورون القدس، بحسب معطيات جمعها مراسل الأناضول من شركات سياحة ومنظمات المدنية مختصة بإجراء أبحاث حول القدس.
وقال رئيس جمعية تراثنا (أهلية) محمد دميرجي، للأناضول، إن “القدس شهدت أحداثا مهمة في الأونة الأخيرة، وتركيا تبدي حساسية كبيرة تجاه ما يجري في فلسطين منذ سنوات طويلة”.
وأوضح دميرجي أن “دعوة أردوغان الأتراك لزيارة القدس أيقظت لدى الشعب التركي حس تبنّي القضية الفلسطينية”.
وشدد على أن “هذه الدعوة حظيت باستجابة كبيرة من الأتراك، وازداد عدد زوار المدينة المقدسة”.
وأردف دميرجي أن “إسرائيل مستاءة من تكثيف الأتراك زياراتهم للقدس”.
وتابع: “رغم التعقيدات والصعوبات التي تختلقها تل أبيب في وجه الزوار الأتراك، إلّا أننا سنواصل زياراتنا للقدس”.
وأوضح أن “إسرائيل تتبع وسائل شتى لدفع الأتراك إلى عدم زيارة القدس، منها المماطلة في إجراءات العبور في المطارات والمعابر الحدودية، وترحيل رؤساء الوفود الزائرة”.
ومضى قائلًا: “ندعو كل من زار القدس إلى القيام بدور الدليل السياحي وتشجيع الآخرين على التوجه إلى المدينة المقدسة”.
وشدد دميرجي على “ضرورة الدفاع عن المسجد الأقصى.. ممارسات إسرائيل شجعت الأتراك أكثر على التوجه إلى القدس”.
** وعي تركي
وفق نائب رئيس جمعية براق (أهلية) سليمان آيدن، فإن “الوعي بقضية القدس وفلسطين يزداد بشكل كبير”، بحسب دراسات وأبحاث تجريها الجمعية منذ سنوات عن القدس والمسجد الأقصى.
وأردف آيدن للأناضول: “في الماضي لم تكن القدس تعني شيئا لأحد، لكن اهتمام الرئيس أردوغان بالمدينة أيقظ شعور التعاطف لدى الشعب التركي، وأدركوا مسؤوليتهم نحوها”.
وأوضح أن “عدد الأتراك الذين يؤدون العمرة سنويًا يترواح بين 1.5 ومليوني شخص، بينما عدد من يزورون القدس سنويًا لا يتجاوز 50 ألف”.
وشدد على “ضرورة زيادة أعداد المتوجهين إلى القدس”.
وخاطب آيدن الشعب التركي قائلًا: “الفلسطينيون يولون اهتمامًا كبيرًا لدعمكم لهم، ويقولون لكم إننا صامدون بمساعداتكم ودعمكم”.
وزاد بأن “هذه العبارات تزعج الإسرائيليين، ورفع الفلسطينيين للعلم التركي في فلسطين يقهر الإسرائيليين، فالقدس في خطر، الصليبيون لم يسعوا لهدم الأماكن المقدسة في المدينة، بينما الصهاينة يريدون ذلك”.
** إقبال مكثف
بدوره قال مساعد رئيس مجلس إدارة وقف أبحاث بيت المقدس (أهلي) ضياء بولاط، إن “إحساس الأتراك بفلسطين والقدس زاد بشكل كبير في الآونة الأخيرة”.
واستدرك بولاط، في حديث للأناضول: “هذا الإحساس غير كاف، فما زال في مستوى التضامن العاطفي، ومن الضروري الدفاع عن القدس بالمشاريع والخطط”.
وأفاد مدير شركة “براق تور” السياحية، أحمد شكر، بـ”وجود طلب مرتفع على الجولات المخصصة لزيارة القدس”.
وأضاف أن “الأتراك يبدون اهتمامًا بالقدس ويرغبون في زيارة المدينة المقدسة.
وانتقد شكرن في حديث للأناضول، نظام تأشيرات الدخول الذي تفرضه إسرائيل على زوار القدس.
وأوضح أن “الراغبين بزيارة المدينة يقدمون طلبات للحصول على تأشيرة الدخول قبل 20 يومًا على الأقل من موعد السفر، والموافقة أو الرفض تصدر قبل يوم من موعد الرحلة، ما يثير مشاكل عديدة”.
وأضاف شكر أن “نسبة زوار القدس من الأتراك ارتفعت هذا العام 300 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم الصعوبات التي تفرضها إسرائيل على المجموعات السياحية التركية وذلك على خلفية قضايا سياسية”.
** معاملة بالمثل
منتقدًا العقبات الإسرائيلية، دعا صاحب شركة “قبلة” السياحية، نعمان بالجي، أنقرة إلى “تشديد إجراءات حصول الإسرائيليين على تأشيرة الدخول إلى تركيا وفق مبدأ المعاملة بالمثل”.
كما دعا إلى “معاملة الإسرائيليين بالمعاملة نفسها التي يتلقاها الأتراك في إسرائيل والأراضي المحتلة”.
وقال محمد زاهد قره، وهو طالب جامعي تركي زار القدس استجابة لنداء أردوغان: “على كل قادر من الأتراك أن يزرو القدس”.
وتابع للأناضول أن “الفلسطينيين يحبون رئيسنا (أردوغان) بشدة”.
وختم زاهد قره بأنه سيعاود زيارة القدس برفقة أصدقائه، في الأشهر المقبلة.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=62726