الانتخابات التركية.. هل تستمر قاعدة “حكم تركيا يبدأ من البلدية”؟

ADNAN12 أبريل 2019آخر تحديث : الجمعة 12 أبريل 2019 - 10:20 صباحًا
الانتخابات التركية.. هل تستمر قاعدة “حكم تركيا يبدأ من البلدية”؟

أسفرت النتائج الأولية للانتخابات البلدية في تركيا، والتي أجريت في 31 آذار/ مارس 2019، وشهدت نسبة مشاركة بلغت 84.6%، عن حصول حزب العدالة والتنمية على 44.3% من الأصوات، مكّنته من الفوز في 15 بلدية كبرى، بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على 37.12% من الأصوات، مكّنته من الفوز في 11 بلدية كبرى، من بينها بلديتَا أنقرة وإسطنبول (قدم حزب العدالة والتنمية اعتراضاتٍ على النتائج في إسطنبول)، في حين حقق حزب الشعوب الديمقراطي نسبة 4.2% فاز خلالها بـثلاث بلديات كبرى، وفاز حزب الحركة القومية الذي حقق نسبة 7.3% من الأصوات ببلدية واحدة كبرى من أصل 30 بلدية كبرى. كما أن الحزب الجيد لم يفز بأي بلدية كبرى، ولكنه حصل على نسبة 7.4% من الأصوات (الجدول 1).

a2121204 f377 466a 80dc a97ade40acf8 - تركيا

لقد تم خوض الانتخابات البلدية هذه المرة من خلال تحالفاتٍ قدّم فيها التحالف مرشحًا مشتركًا في مدنٍ كثيرة، في مقدمتها أغلبية المدن الكبرى، فجاءت نسب فوز التحالفات كما هو موضح في الجدول (2):

a2121204 f377 466a 80dc a97ade40acf8 - تركيا

خارطة النتائج

حصل حزب العدالة والتنمية (اللون البرتقالي) على المركز الأول من حيث عدد بلديات المدن الكبرى والمدن والأقضية، لكن خارطة نتائج الانتخابات البلدية في تركيا 2019 تظهر تقدمًا مهمًّا لحزب الشعب الجمهوري (اللون الأحمر) نحو منطقة الأناضول؛ إذ لم يفز هذا الحزب ببلدية أنقرة وحدها بل فاز، كما تظهر الخارطة، بمدن أخرى محيطة بها؛ مثل بولو وبليجيك وكيرشهير (تظهر باللون الأحمر في وسط الخارطة)، إضافة إلى مدينة اسكشهير التي اعتاد أن يفوز بها. أما المدن المحيطة بهذا “القلب الأحمر” من اليمين واليسار (تظهر في الخارطة كجناحين باللون الأزرق)، فقد فاز بها حزب الحركة القومية الذي انتقل من المعارضة إلى التحالف مع حزب العدالة والتنمية، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016. وقد فاز حزب الحركة القومية في مدن كاستامونو وتشانكري في شمال أنقرة وفي كوتاهيا غرب أنقرة على حليفه حزب العدالة والتنمية (اقتصر تحالفهما على المدن الكبرى)؛ ومن ثمّ فإن ثمة شكلًا ترسمه لنا خارطة الانتخابات على شكل قوس في الغرب، يمتد من وسطه خط يمر خلال الأناضول والعاصمة أنقرة إلى البحر الأسود. وتضم هذه المنطقة أغلب المراكز الحضرية والاقتصادية في تركيا. ولعل ذلك يشير إلى تأثير العاملين، الاقتصادي والثقافي، في نتائج الانتخابات.

إعلان

a2121204 f377 466a 80dc a97ade40acf8 - تركيا

إضافةً إلى مواجهة حزب العدالة والتنمية صعوباتٍ في مناطق الغرب، بدت واضحةً خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية في عام 2017 وانتخابات الرئاسة في عام 2018، أصبحت المعارضة أقدر على التنافس في مدنٍ كانت تُعدّ محسومةً لحزب العدالة والتنمية (مثل إسطنبول وأنقرة وبولو)؛ إذ فازت بها المعارضة في انتخابات 31 آذار/ مارس 2019. ولولا محافظة حزب العدالة والتنمية على بلدية مدينة باليك اسير التي تظهر باللون البرتقالي على الساحل الغربي في خارطة انتخابات 2019، لتحقق فوز حزب الشعب الجمهوري في كل بلديات الساحل الغربي لتركيا.

استطاع حزب العدالة والتنمية أن يحقّق إنجازًا في الشرق، بانتزاعه بلديات شرناق وبيتليس وآغري من حزب الشعوب الديمقراطي، لكن هذا لم يخفّف من وقع خسارته بلديتَي أنقرة وإسطنبول. ووفقًا للنتائج الأولية (قبل البتِّ في الطعون والاعتراضات المرجح أن يمتد حتى منتصف نيسان/ أبريل 2019)، فإن حزب الشعب الجمهوري سيقود أكبر ثلاث بلديات في تركيا معًا للمرة الأولى؛ وهي إسطنبول وأنقرة وأزمير. وإذا أضفنا إليها المدينة الخامسة من حيث عدد السكان، وهي أنطاليا، فإن مجموع هذه المدن يصل إلى أكثر من ثلث سكان تركيا. ولم يحدث أن فازت المعارضة بهذه البلديات معًا منذ عام 1994.

الأسباب

إعلان

ساهمت في الوصول إلى هذه النتائج جملة الأسباب التالية:

تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم والبطالة وتراجع/ تذبذب أسعار صرف العملة.

إعلان

تعلّم المعارضة من أخطائها؛ من خلال مراعاةٍ أكثر لقيم المجتمع، خصوصا الدينية والثقافية.

اختيار المعارضة لمرشحين من خلفيات محافظة وقومية؛ ذلك أن وجود منصور يفاش مرشحًا من خلفية قومية كان عاملًا في جذب أصوات القوميين من حزب العدالة والتنمية في أنقرة، على الرغم من تحالف الأخير مع حزب الحركة القومية.
حصول حزب الشعب الجمهوري في مدن الغرب على دعم حزب الشعوب الديمقراطي ذي الأغلبية الكردية. وقد كان لهذا الدعم دور مهم جدًّا في تأمين فوزه في أنقرة وإسطنبول.

تفاعل مرشحي المعارضة مع حركة الشارع، في حين اعتمد حزب العدالة والتنمية أساسًا على دور الرئيس رجب طيب أردوغان في الحملة الانتخابية.

وفي سياق تعديد الأسباب أيضًا، لا بد من أن نتوقف عند انتزاع حزب العدالة والتنمية ثلاث مدن في الشرق هي شرناق وبيتليس وآغري من حزب الشعوب الديمقراطي، وذلك نتيجة لـلعوامل التالية:

التواصل مع العشائر الكردية في المنطقة، والحصول على دعمها.

تقديم خدمات ملموسة للمواطنين من خلال إدارة ما يسمى “القيوم”؛ وهم أشخاص عينتهم الدولة لإدارة البلديات، بعد إزاحة رؤساء البلديات السابقين لتعاونهم مع حزب العمال الكردستاني.

تقديم حزب العدالة لمرشحين أكراد يحظون بالدعم الشعبي في هذه المدن.

إنهاء وزارة الداخلية التهديدات التي كان يمارسها حزب العمال الكردستاني على الناخبين في العمليات الانتخابية السابقة.

وقد لوحظ في “خطاب الشرفة” الذي وجهه الرئيس أردوغان عشية الانتخابات، في كلمته المقتضبة بعد صدور النتائج الأولية، توجيهه الشكر “للإخوة الأكراد” على دعمهم؛ ما قد يشير إلى إعادة تقييم حزب العدالة والتنمية تحالفاته وخطابه، في ضوء التوازن القائم حاليًّا بين حلفائه من القوميين الأتراك والأكراد.

مشهد معقد

عند مقارنة النتائج، يجب مقارنة نتائج انتخابات 31 آذار/ مارس 2019 بنتائج الانتخابات البلدية السابقة، وليس بالانتخابات العامة، لكنّ الانتخابات البلدية، هذه المرة، تختلف عن الانتخابات الماضية؛ لأنها تمّت من خلال تحالفات، وبما أن آخر انتخابات عامة تم خوضها عبر تحالفاتٍ، وفي ظروف مشابهة عام 2018، فقد أصبحت المقارنة بها أكثر فائدة. وبناءً عليه، حقق تحالف الجمهور الذي حقق نسبة 51.6% في الانتخابات البلدية الحالية نسبة 53.4% في الانتخابات العامة الماضية، ما يعني أنه تراجع بنسبة قليلة، ولكنه مع ذلك حافظ على نسبة تتخطى 50%. وفي وقت يعتبر بعضهم هذا تراجعًا، فإن آخرين يرونه أمرًا عاديًّا، خصوصا إذا عرفنا أنه من بين ثلاثة ملايين ناخب من الخارج المشاركة في الانتخابات، أدلى نصفهم تقريبًا بأصواتهم في الانتخابات الماضية، وهؤلاء لا يستطيعون المشاركة في الانتخابات البلدية.

من المهم الإشارة كذلك إلى أن دخول الأحزاب الانتخابات البلدية هذه المرة، عبر تحالفات مباشرة ومرشحين مشتركين في مناطق دون أخرى، جعل وضع التحالف يختلف من مدينةٍ الى أخرى. ولهذا يصعب أيضًا معرفة النسبة الحقيقية التي حصل عليها كل حزب؛ ومن ثم معرفة الحزب الذي كان دوره أقل أو أكبر في بلوغ نتيجةٍ معينة. وعلى سبيل المثال، على الرغم من حصول تحالف الأمة المعارض على 37% من الأصوات، لم تكن هذه النسبة من مؤيدي الحزبين المشاركين في التحالف فقط (حزب الشعوب، والحزب الجيد)، بل إن حزب الشعوب الديمقراطي ساهم من خارج التحالف على نحو كبير فيها؛ حيث كانت إستراتيجية الحزب تقوم على فكرة “سنفوز في كردستان – أي مدن الشرق – وسنعمل على إفشال تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية في الغرب”. ولكن في الوقت نفسه تراجع حزب الشعوب إلى 4% نزولًا من 11% في الانتخابات العامة الماضية التي جرت في حزيران/ يونيو 2018. كما أن تحالف الأمة لم يفز بأي بلدية تقدّم إليها مرشح من الحزب الجيد.

إعلان

الكل فاز!

إعلان

إعلان

لقد لحقت حزب العدالة والتنمية نكسة، ولكنه يعتبر نفسه فائزًا؛ كونه حافظ على المركز الأول

إعلان

في نسبة الأصوات التي حصل عليها، وعدد البلديات التي فاز بها، وبفوزه أيضًا بـثلاث مدن مهمة في الشرق ذي الأغلبية الكردية، وباعتباره حصل مع حليفه حزب الحركة القومية على 51.6% من الأصوات، على الرغم من تردّي الأوضاع الاقتصادية والمشكلات التي واجهتها تركيا خلال الفترة الماضية. وحتى في إسطنبول وأنقرة، فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد المجلس البلدي، على الرغم من أنه خسر رئاسة البلدية فيهما.

أما حزب الشعب الجمهوري، فيعدّ نفسه فائزًا؛ لأنه استطاع انتزاع رئاسة بلديتَي إسطنبول وأنقرة، ولأنه اتبع إستراتيجية ناجحة في الحملة الانتخابية، ولأنه رفع عدد البلديات الكبرى التي فاز بها من ست بلديات في عام 2014 إلى 11 بلدية في عام 2019. كما أن نتائج الانتخابات ثبّتت موقع رئيسه كمال كليتشدار أوغلو، بعد أن كان مهدّدًا بالإطاحة لضعف أداء الحزب في الانتخابات البلدية والعامة الأخيرة. كما استطاع حزب الشعب الجمهوري استمالة القسم الأكبر من أصوات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لصالحه، على الرغم من تحالفه مع الحزب الجيد، ذي الأصول القومية؛ وذلك نتيجة تبنيه خطابًا دقيقًا في التعامل مع القضية الكردية.

لعل أحد الأحزاب التي لا غبار على فوزها في هذه الانتخابات هو حزب الحركة القومية الذي حصل على 7.5% من الأصوات، على الرغم من انشقاق الحزب الجيد عنه. وقد رفع الحزب عدد بلديات المدن التي فاز بها من ثماني بلديات إلى 11 بلدية (من بينها بلدية كبرى واحدة)؛ وذلك من أصل 81 مدينة في تركيا، في حين لم يحصل الحزب الجيد على أي مدينة، على الرغم من أنه حصل أيضًا على نسبة الأصوات نفسها تقريبًا (7.4%). ويمكن الوقوف هنا على ملاحظةٍ مهمةٍ مفادها أن حضور الحزب الجيد كان أكبر في كل من إسطنبول وأنقرة؛ الأمر الذي صبّ في مصلحة مرشحي حليفه حزب الشعب الجمهوري، في حين لم يستفد الحزب الجيد من أصوات حزب الشعب الجمهوري بالقدر الذي يؤهله للفوز في مدن طرح فيها مرشحين مثل بالكسير ودينيزلي، لأن حضور الحزب الجيد هنا كان ضعيفًا في الأصل. ويُلاحظ كذلك أن تحالف الأمة استطاع أن يجذب أصوات مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في المدن التي كان مرشّح التحالف فيها من حزب الشعب الجمهوري، في حين عجز عن ذلك في المدن التي كان مرشح التحالف فيها من الحزب الجيد؛ ويرجع ذلك إلى أن الحزب الجيد قومي بالأساس، ويقف في مواجهة حزب الشعوب الديمقراطي.

وفي وقتٍ يتم الحديث عن تراجع حزب الشعوب الديمقراطي والحزب الجيد بناءً على عدد البلديات ونسب الأصوات، فإن الحزبين أيضًا يريان أنهما قد نجحا في الهدف المتمثل بانتزاع بلديات مهمة (مثل أنقرة وإسطنبول) من حزب العدالة.
ملاحظات ختامية

إعلان

يمكن التوقف هنا عند الملاحظات والرسائل التي وجهها الناخب إلى الأحزاب كافةً:

تجاهل الناخب محاولات الحزب الحاكم ربط الانتخابات بمصير تركيا ومستقبلها، وتصويته على أساس مواقفه من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

أشعل دخول الأحزاب عبر تحالفات التنافسَ، وجعل كلَّ صوتٍ مهمًا في حسم النتيجة؛ ما سيجعل الأحزاب تتنافس على أصوات الناخبين على نحو أشدّ، وتحاول الوصول إلى مقارباتٍ وبرامج لكسب رضاهم.

عزّز خوض الانتخابات البلدية في تركيا؛ من خلال تحالفات التنافس السياسي والانقسام الاجتماعي داخل المدن.

أصبح المجلس البلدي في البلديات الكبرى أهم؛ نتيجة انتماء رئيس البلدية إلى حزب وانتماء أغلب أعضاء المجلس البلدي إلى الأحزاب المنافسة.

نجحت المعارضة في تجاوز تناقضاتها، خصوصا تلك القائمة بين الحزب الجيد (قومي تركي) وحزب الشعوب الديمقراطي (قومي كردي)، وتمكّنت من التوصل إلى آلية لتجاوز خلافاتها ودعم مرشح واحد. ويُحسب لزعيم حزب الشعب الجمهوري، كليتشدار أوغلو، تعلمه من دروس العمليات الانتخابية الماضية، وقرارته بخصوص المرشحين وخطاب الحملة الانتخابية.

أصبح مرشحو بلديات حزب الشعب الجمهوري لبلديات أنقرة وإسطنبول، مثل أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش شخصيات رمزية للمعارضة، ومن المرجح أن يكون لهذين المرشحين دور مستقبلي في أي انتخابات مقبلة.

كانت هذه الانتخابات بلدية، لكن حصول تحالف الجمهور على 52% هو رسالة من الناخب في عموم تركيا، مفادها بأنه لا يزال يدعم حكومة “العدالة والتنمية”، ولكن هذا الحزب يحتاج في تأمين فوزه، في أي انتخابات مقبلة، إلى التصالح مع الناخب في مدن الغرب، ومراجعة مجمل أدائه السياسي والاقتصادي، وإلا سيعطي المعارضة فرصةً سهلةً في الاستناد إلى إنجازها الأخير في البلديات، للوصول إلى الحكم.

المصدر: العربي الجديد

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.