نعيم مصطفى / خاص تركيا بالعربي
ها هي الثورة السورية تدخل عامها الثامن وما تزال قوافل الشهداء تترا وما يزال المجتمع الدولي والعالم الماكر الظالم يتآمر على الشعب ويريد أن يجهز على ثورته المباركة ويدفنها ويعيد الشعب السوري الأبيّ إلى حظيرة القاتل والطاغية بعد كل ما قدم من تضحيات بحجج وذرائع واهية لا يقبلها عقل وعلى رأسها محاربة الإرهاب ، وكأن النظام حمل وديع ، والحقيقة التي لا يماري فيها إلا أعمى البصيرة هو أن أكبر إرهابي في العالم بأسره نظام الأسد وقد رأيت كثيراً من المؤيدين ( المحبكجية) والأبواق المرتزقة يتغنون ببطولات الجيش العربي السوري ويصفقون له فهيج هذا السلوك شؤوني وشجوني وآلامي وآمالي وحرضني على الكتابة عن جذور الجيش وتربيته وايديولوجيته قبل اندلاع الثورة ولا أريد الخوض في إجرامه الذي يعجز عن وصفه القلم بعد بداية الثورة.
بعد أن أنهيت دراستي الجامعية في تسعينيات القرن الفارط دعيت إلى الخدمة الإلزامية التي لا مفر منها وكانت مدتها عامان لمن يحمل شهادة جامعية وعامان ونصف لمن لا يحمل الشهادة ومن سوء حظي أنني فرزت إلى القوات الخاصة سيئة الصيت _وكل الجيش سيء الصيت لكن على درجات _وكانت العلاقة بين الضباط والعساكر _وهذه المعلومة يعرفها كل السوريين _علاقة مصالح بحتة خالية من أي قيمة أخلاقية أو إنسانية فالضابط لا يهمه سوى أمر واحد فقط أن يأتيه العسكري بالرشا والهدايا حتى يمنحه الإجازات أو يخفف عنه شقاء التدريب وإذا كان العسكري فقيراً فإنه يمنع من الإجازات إضافة إلى إنزال أشد العقوبات به فقط لأنه لم يقدم الرشاوى للضابط أو لا يستطيع.
ولو توقفنا عند تركيبة ضباط الجيش وثقافته وألفاظه لقلنا ومن دون مبالغة إن تسعين بالمئة من الضباط هم ينتمون إلى طيف واحد والعشرة المتبقية من الطوائف الأخرى ولا يمكن للضابط المنتسب إلى الجيش من الطوائف الأخرى أن يكون مقبولا إلا إذا كان على نهج زملائه من الانحراف وسوء الخلق وإلا يُفصل ويُطرد.
إعلان
أما المعجم اللفظي الذي كان يحفظه الضباط عن ظهر قلب ويرشقون به العساكر فهو نوعان لا يكاد يتجاوزهما إلا قليلاً النوع الأول الشتم والسب بالعرض والأم والأب والأخت والنوع الثاني الكفر البواح.
وكان التدريب الذي يخضع له العسكري تدريب بدائي غايته التعذيب والإهانة فيقضي العسكري معظم وقته في الرياضة الشاقة وفك وتركيب البندقية الروسية ومعظم أوقات التدريب تذهب في العقوبات كإيقاظه مثلا في منتصف الليل ثم صب الماء البارد على جسده العاري في الليالي الشاتية والقارسة البرد ويستخدم الضابط في كثير من الأحيان يده أو عصا لضرب العساكر وهناك مصطلحات وممارسات يعرفها العساكر السوريون (الفلقة والجاموقة) وهي قمة الإهانة والذل فالأولى تتجلى في إشراك ثلاثة عناصر على تعذيب الفرد بأن يضع اثنان قدميه داخل حزام البندقية والثالث يبدأ جلده بدرة غليظة والضابط يقف على رأسهم ليحصي ويعد الجلدات.
أما الجاموقة فهي أن يأمر الضابط العسكري بأن يخلع ثيابه ثم يدهن نفسه بالقاذورات النجسة. إن الضابط الصغير والكبير وحتى الجنرال تفكيره محبوس في كيفية جمع الرشا من العساكر وقد شاع مصطلح بين العساكر هو (التفنيش)ويعني هذا المصطلح أن العسكري صاحب الثراء لا يحتاج للمجيء إلى الثكنة إلا في الشهر مرة واحدة يدفع مبلغاً كبيراً للضابط ثم يعود إلى بيته ويبقى على هذا النهج إلى نهاية خدمته وإذا كان الضابط ذا رتبة عالية فإنه يوظف شبكة حوله من صف الضباط الذين يثق بهم فيتفق معهم على نسبة ويبقى هو بعيداً عن الأضواء حتى يحفظ ماء وجهه قليلاً فيجمعون له الأموال من العساكر الأغنياء ثم يكافئهم بفتات من الغنيمة ولا يستغل عرق جبينهم. ولو أتينا إلى قائمة الممنوعات والمسموحات العملية وليست النظرية أي التي تمارس على أرض الواقع وليست القوانين المسطرة في الكتب لوجدنا ما يلي :ثمة ضابط برتبة رائد أو مقدم مسؤول عن ما يسمى بالتوجيه السياسي هذا الضابط مهمته أن يراقب سلوكيات العساكر والضباط وتوجهاتهم وأفكارهم بمراقبة شخصية منه أو عبر توظيف بعض المخبرين على زملائه (لقلوق – عوايني – فسفوس)فإذا وجد عسكرياً يصلي مثلا يكتب فيه تقريراً فيساق إلى التحقيق بتهمة الانتماء إلى تيارات إسلامية وأما إذا كان يشرب الخمر ويمارس كل الموبقات فلا حرج في ذلك.
إعلان
إن أصعب مرحلة في حياة الشاب السوري هي مرحلة خدمته العسكرية لذلك تجده يفكر بها وهو في حالة رهاب منذ نعومة أظفاره. هذا غيض من فيض على وطنية جيش النظام الأسدي ونظافة يده قبل انفجار الثورة المباركة فما بالكم بعدها!!
تنويه: (المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي تركيا بالعربي بل عن رأي كتابها)
إعلان