إبراهيم قراغول / يني شفق
إن جميع الأوراق مبنية على فكرة “إيقاف تركيا”. فجميع القوى العالمية والإقليمية والتنظيمات الإرهابية ترسم المخططات والألاعيب من أجل إبطاء عملية غصن الزيتون في عفرين وإيقافها وإفشالها، ومراوغة تركيا وشل حركتها، والحيلولة دون دخولها منبج بعد عفرين، وكذلك القضاء على نوايا أنقرة للانتقال إلى شرق الفرات.
وكذلك فإن الهدف الرئيس للولايات المتحدة هو تقويض التقارب في الموقف السوري بين تركيا وروسيا وإيران. كما أن محورا إسرائيليا بقيادة إماراتية يسعى هو الآخر لتدمير هذا التقارب بين الدول الثلاث. فجميع هذه الدوائر تبني مخططاتها من خلال بي كا كا/ب ي د. أضف إلى ذلك أن المحور الذي تقوده الإمارات يدعم بي كا كا بالتشجيع والسلاح بقدر دعم أمريكا وإسرائيل.
هل تحاول إيران الضغط على تركيا؟
تعتبر إيران أضعف أضلاع المثلث التركي-الروسي-الإيراني. فهي تسعى أيضا لتعزيز نفوذها من خلال بي كا كا وتقييد حركة تركيا وتحريض النظام السوري وشل حركة تركيا في عفرين. ولهذا فإن الموقف “الانتهازي” لطهران يحمل خطرا يمكن أن يؤدي – في الواقع – إلى دمار سوريا، وإن روجت له على أنه “حماية” لأكبر حلفائها في الوطن العربي. ويجب التشكيك بعمق علاقة إيران كذلك مع بي كا كا/ي ب د بقدر علاقة أمريكا والإمارات، وتقييم موقفها إزاء عملية غصن الزيتون.
لقد أقامت الولايات المتحدة جيشا إرهابيا في سوريا دعمته بآلاف من الشاحنات المحملة بالسلاح. فالهدف الأساسي لهذه القوة المسلحة هو تركيا أكثر من سوريا. وأما الإمارات فتتسبب في مشاكل غير عادية لتركيا في جميع القضايا الإقليمية، وتضع أنفها في كل مسألة، وتدعم التنظيمات الإرهابية المعادية لتركيا.
ونعلم جميعا أن ولي عهد أبي ظبي محمد بن زايد قدم التمويل، حتى بالسلاح، لجميع المؤامرات التي استهدفت بلدنا، بما في ذلك محاولة انقلاب 15 يوليو. وقد تشكلت أدلت كافية لتوجيه تهمة تمويل الأنشطة الإرهابية إلى هذا الشخص الذي توجهه الاستخبارات الإسرائيلية.
مَن جاء بجنود النظام السوري إلى عفرين؟
إذن، كيف تحجز لإيران لنفسها مكانا في المحور السعودي-الإماراتي في حين أنها تبدو وكأنها تواجه أمريكا وإسرائيل إقليمية؟ فإيران تتحدث دائما عن علاقة الصداقة مع تركيا، لكن كيف يمكن أن نفسر مضايقتها لتركيا في كل قضية إقليمية؟ بيد أن طمأنة حكومة طهران لتركيا في كل القضايا تعتبر شيئا أساسيا من أجل أمن المنطقة.
لقد كانت الفكرة الوحيدة التي تبنوها منذ أيام في مواجهة عملية تطهير عفرين من الإرهاب هي التوفيق بين بي كا كا وحكومة دمشق ونقل جنود النظام إلى عفرين. وفي الظاهر فإيران تدعم هذه الخطوة. كما يدعمها بي كا كا. وبطبيعة الحال لن تبخل واشنطن هي الأخرى بدعمها إذا كان الأمر يتعلق بعرقلة تركيا. ولا شك أن الإمارات جاهزة لذلك منذ وقت بعيد. وفي الحقيقة، كانت كل هذه الأمور قد نوقشت وجرى الترتيب لها خلال زيارة ماكغروك إلى الإمارات.
يجب أن تكون تضحية تركيا بلا حدود
إن المباحثات التي أجراها الرئيس أردوغان أمس مع نظيره الروسي بوتين هي، كما كان الحال في جميع المباحثات الماضية، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحل الأمور المعقدة. فقرار تركيا بالمشاركة في قمة سوتشي مع روسيا وإيران وعبارة “سيتحملون النتائج” التي قالها أردوغان عقب القمة، لهما خير دليل على ما قررت تركيا تحمله في سبيل نجاح هذه الوتيرة. ذلك أن القضية ليست قضية عفرين، ولا تقتصر على بي كا كا/ب ي د، بل إنها مسألة وجود بالنسبة لتركيا. وهذا يعني أن التضخية ستكون بلا حدود.
وأما النقطة التي وصلت أو يمكن بشكل كبير أن تصل إليه الأمر هي كالتالي: لو وضع البعض جنود النظام السوري في مواجهة تركيا، فستكون هذه هي الخطوة الأولى لحرب بين دولتين. فالحرب السورية تستقبل مرحلة مختلفة تماما؛ إذ ستخرج التنظيمات من المعادلة، لتحل الدول محلها.
الحرب العالمية: لن يبقى من سوريا شيء
لو حدثت مواجهة بين تركيا وجنود النظام السوري، فلا ريب أن هذه الحرب لن تقتصر على دولتين فقط، لأن العديد من الدول ستكون طرفا في هذه الحرب في آن واحد. واعتبارا من تلك اللحظة لن يبقى من سوريا شيء.
فروسيا أساسا في ساحة المعركة، وستكون طرفا في صراع أكثر اختلافا. كما ستكون إيران إحدى الجبهات الرئيسة لهذه الحرب الصريحة. وأما الولايات المتحدة ودول المنطقة مثل إسرائيل والإمارات فستنزل إلى الساحة ضمن جبهة معادية.
وحينها ستتحول سوريا إلى واحدة من ساحات الصراع المركزية للحرب العالمية. ليكون قد وضعت أولى لبنات حرب القيامة. فهذا الأمر موجود في قلب جميع سيناريوهات الغرب. فجميع المخططات مبنية على تصفية الحسابات بين الشرق والغرب على خط سوريا-العراق.
لو ترددنا سنهلك
إذن ماذا سنفعل؟ هل نترك عملية غصن الزيتون وننسحب؟ هل نشاهد تنفيذ السيناريو المبني على بي كا كا/ب ي د؟ هل نسمح لهم بفتح “جبهة تركيا” على طول مئات الكيلومترات؟ هل ننتظر تنفيذ الهجمات الجمعية ضد تركيا من تلك الجبهة في المرحلة المقبلة؟ هل نغض الطرف عن نقل المعركة بعد ذلك مباشرة إلى قلب تركيا؟
فهذا سيكون إنكارا من تركيا لذاتها، ويعني أنها ستستسلم قبل أن تكافح، والهزيمة وخسارة هذا القرن، وتفويت صعود تاريخي جديد. فهذا يعني هلاك تركيا، وهذا مستحيل أبدا، ولن يحدث، بل لا يمكن التفكير بحدوثه.
لا ليحاول أحد إرعابنا!
إن تركيا ستفعل ما يجب فعله لحفظ وجودها. فليس أمامها خيار آخر سوى مواصلة مسيرتها بغض النظر عن الألاعيب المحيطة بها وتغير حلقات التحالفات وتعرضها للهجمات من الداخل والخارج.
لكنها تعلم، ويجب أن تعلم، أن الحرب ف سوريا ستتحول إلى حرب بين عدة دول، وأن احتمال وقوع هذا الأمر كبير، وأن تسليح بي كا كا/ب ي د يخدم هذا الغرض. سيحاول البعض كسر حدة عزيمتنا، وسيسعون لتهويل التهديدات وإخافتنا.
يعلمون أن الحرب لو انتهت سيفشل ممر الإرهاب
ذلك أن أولئك لا يبخلون بجهد لتستمر الحرب في سوريا. فيبذلون ما بوسعهم من جهود لإشعال فتيل أزمة إقليمية إضافة إلى هذه الحرب. كما أنه يجربون كل طريقة وينفذون العمليات السرية للضعط على تركيا التي أشعلت حماسة المقاومة الإقليمية.
فلو انتهت الحرب فسيتعرض “ممر الإرهاب” للخطر، وسيتلاشى مخطط أمريكا وإسرائيل لتشكيل حاميات عسكرية تابعة لهم. لكن جميع الدول ستركز على ذلك الممر والاحتلال الأجنبي ومحاولة رسم خريطة جديدة للمنطقة، وستطالب الولايات المتحدة بالانسحاب من المنطقة.
الدولة الوحيدة التي بإمكانها تشجيع كفاح بلا حدود..
يجب على إيران أن تنتبه.. فعليها أن تتراجع عن الوقوف في الجبهة المعادية لتركيا. وعليها ألا تعرض الثقة التركية-الروسية للمشاكل. كما يجب على الدول العربية أن تتخلى عن الحديث عن المنطقة بعبارات أمريكية-إسرائيلية من خلال حجج واهية. إن تركيا هي الدولة الوحيدة القادرة على حماية المنطقة. وهي الدولة الوحيدة القادرة على مقاومة الصراعات في المنطقة، والوقوف سدا منيعا في مواجهة الاحتلال الغربي.
بيد أن تركيا كذلك هي الدولة الوحيدة التي بإمكانها إشعال حماسة كفاح غير محدود عندما يتعلق الأمر بأمنها. وهي ستفعل ما يلزم سواء لمواجهة بي كا كا/ب ي د أو المخططات الأمريكية أو حتى السيناريوهات الخفية في المنطقة، بل عليها أن تفعل ذلك.
أوصيكم بقراءة مقالي السابق بعنوان “حرب عالمية في سوريا وهزيمة نكراء بانتظار الغرب” الذي يشرح الخطر الذي يواجهه العالم.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=43778