يقول إيريك إيدلمان ، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في أنقرة من عام 2003 إلى عام 2005: (تركيا أصبحت حليفا لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل).
وكانت برقيات إيدلمان لوزارة الخارجية الأمريكية لا تخرج عن التحذير مما سماه (الاستبداد الوحشي) للرئيس أردوغان، في برقية لوزارة الخارجية الأمريكية في يناير 2004، كشف عنها موقع ويكيليكس، يقول السفير الأمريكي: (إن لأردوغان صفات تجعله يخطئ في حساب الديناميكية السياسية ، وخاصة في الشؤون الخارجية).
حسابات أمريكا في تركيا مبنية على ثلاثين عاما من الخنوع قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، فلطالما اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية تركيا خط دفاعها الأول عن أوروبا المشمولة بحمايتها، ومن ثم كانت على مدى تلك الفترة ولفترة قريبة تتدخل بشكل كامل في عناصر من الجيش التركي، وهو ما أكده محاولة الانقلاب البائسة التي انتهت بنتيجتين، فشلها في تحقيق هدفها من قلب النظام الدستوري الشرعي، وتعرية التدخل الأمريكي وأذرعه داخل القوات المسلحة التركية.
في خطوة يراها الأمريكيون خروجا عن المفروض الموضوع بأقلام قادة السياسة الخارجية والعسكرية الأمريكية قاد الرئيس أردوغان حركة تمرد بتعديل الجغرافيا السياسية في تركيا، بتخليه عن الجمهورية العلمانية الموجهة قبل الغرب والتي أنشأها مصطفى كمال أتاتورك، وخلق تركيا عثمانية جديدة تجد لنفسها انسجاما كبيرا مع محيطها العربي والإسلامي ومتجهة كثيرا باتجاه الشرق، بما في ذلك روسيا، وهو ما يلزم إيقافه بأي ثمن.
شاهد: أردوغان: لن نترك إخوتنا العرب والأكراد تحت رحمة “بي كا كا” الإرهابية
يقول بولنت أليريزا ، الذي يرأس مشروع تركيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: (منذ نهاية الحرب الباردة ، كانت هذه العلاقة في مأزق، لأن التهديد المشترك للاتحاد السوفييتي قد اختفى).
لقد حاول الرؤساء الأمريكيون إثناء الرئيس التركي عن التقارب مع الشرق، فنجحوا بشكل كبير مع الحكام العرب، وفشلوا فشلا ذريعا في ملف روسيا، وتأكد هذا في تصميم تركيا على شراء منظومة الدفاع الجوي المتطورة (أس 400) والمصنوع خصيصا لإسقاط الطائرة الأمريكية المتطورة (أف 35) والتي تترقب تركيا الحصول عليها وتصنيعها، ما يعني أن تركيا ستحوز على السم والترياق، مما يؤهلها ألا تكون حبيسة للتكنولوجيا الأمريكية…
لذا كان من الواجب على أمريكا أن تسعى وبقوة لإسقاط العدالة والتنمية، وهذه المرة من خلال انتخابات البلديات التي هي مكمن شعبية العدالة والتنمية وسر نجاحه، فالعدالة التنمية إنما بنى خطة نجاحه على الانخراط في مشاكل الشعب لحلها وتقديم أفضل الخدمات للمواطن من خلال جهاز لا مركزي يتحرك فيه رئيس البلدية كما لو كان رئيسا للجمهورية، من خلال صلاحيات ودعم لا نهائي من الحكومة سابقا، والإدارة الرئاسية حاليا، هذا الدعم، والممزوج بإدراك للمكايد الغربية، ترجمه الرئيس أردوغان على شكل زيارات لأغلب الولايات حتى الآن دعما لمرشحي الحزب، مع خطة طموحة لكل ولاية مبنية على دراسة واعية لاحتياجات الناس.
إن الدعم الخفي الذي تقدمه أمريكا لأحزاب لا ترى ضيرا من مد يد العون للولايات المتحدة الأمريكية، حتى ولو على حساب ما وصلت إليه تركيا من استقلالية نوعية في قراراتها بعيدا عن التدخلات السافرة التي كانت تمارسها أمريكا على حكومات ما قبل العدالة والتنمية، يجعل من هذه الأحزاب محل ازدراء من الشعب التركي الواعي بالقضايا المصيرية لبلاده، وما دل على هذا الوعي وقوف الشعب خلف قيادته المنتخبة ضد محاولة الانقلاب العسكري، ومحاولات الانقلاب الاقتصادي المستمرة.
إن تلك الأحزاب التي تضع يدها في يد الإرهابيين في شمال سوريا وفي جبال قنديل تفقد يوما بعد يوم مصداقيتها حتى ولو تخفت خلف الكمالية أو قيادة تاريخية جامعة يحبها الشعب، لأن الشعب التركي الحر يستطيع أن يسقط الكهنة المختبئين في معبد لم يعد يصلي فيه أحد إلا الحاقدين والمنتفعين والذين يريدون أن يصلوا للسلطة ولو على دماء الشهداء الذي يذودون عن عرين هذا البلد في شمال سوريا وجبل قنديل.
الكاتب: ياسر عبد العزيز / ترك برس
اقرأ أيضاً: الانتخابات البلدية في تركيا وأهميتها.. بقلم محمد قدو الافندي
شملت التعديلات الدستورية التي وافق الناخبون الأتراك عليها عام 2017 ثمانية عشر مادة دستورية ، وأهمها اعتماد النظام الرئاسي في الحكم بدلاً من النظام البرلماني الذي كان سائداً منذ ولادة تركيا الحديثة عام 1923.
يمثل النظام الرئاسي الجديد تغييراً جذرياً في بنية وشكل الحكم الذي أرسي منذ ولادة الجمهورية التركية في بدايات القرن الماضي أي قبل أكثر من تسعة عقود
فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه، العدلة والتنمية، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت يوم 24 يونو/حزيران 2018 ودخل النظام الرئاسي الذي تم التصويت عليه أواسط عام 2017 حيز التنفيذ .
أن رئيس الجمهورية في النظام الجمهوري يكتسب صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية معا , كما يستحدث منصب نائب رئيس الجمهورية ويقوم الرئيس بتعيينه وتعيين الوزراء.
كما يتولى رئيس الجمهورية إعداد موازنة الدولة وتعرض على البرلمان لاعتمادها وإذا رفض البرلمان إعتمادها تبقى موازنة العام السابق معتمدة وسارية المفعول.وأيضا هو من يقوم بتعين مسؤولي الدرجات الخاصة كرؤساء الجامعات والقضاة , ومن حقه أيضا اعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد أو بعض الولايات .
اما البرلمان فقد فقد اهم سلطاته وهو استجواب الوزراء بصورة مباشرة والاستعاضة عنها بأنشاء لجان تحقيق وطرح الاسئلة والاستجوابات من خلالها ومناقشة القضايا على أن تتم الردود على تلك الاستفسارات من قبل الوزراء ونائب الرئيس خلال خمسة عشر يوما
يحق للبرلمان الدعوة إلى انتخابات مبكرة بموافقة 360 صوتا. كما يحق للرئيس الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
ومن هنا نرى أن الانتخابات البلدية تكمن اهميتهافي تقليص مهمات البرلمان واعطاء معظم صلاحياتها الى الجهة التنفيذية المباشرة المتمثلة برئاسة الجمهورية .
ولرؤساء البلديات ابلغ الاثر في التعبير عن توجهات الاحزاب التي يمثلونها في النواحي الانسانية والخدمية والاجتماعية وتعتبر نقطة الاتصال الاولى للاحزاب بمواطنيها كما تعتبر خير دليل على مستوى كفاءة كوادر الحزب وبنفس الوقت تعكس دقة اختيار الاحزاب لممثليها في النزالات الانتخابية .
فالبلديات هي التي تقوم بمهام تطوير المدن وتنظم حركة النقل الداخلي كما تتولى مسؤولية انشاء البنى التحتية وتخطط لتطوير خطوط توزيع الكهرباء وشبكات المياه والصرف الصحي وخدمات التنظيف والصحة العامة اضافة الى تخطيط الطرق والانفاق والاسواق والمناطق الصناعية الانتاجية والخدمية الانية .
ولها نشاطات اخرى في كافة مراحل التعليم حيث تقوم بأنشاء مجالس الطلبة وكذلك تقوم بتوفير كافة مستلزمات انجاح النشاطات الثقافية للطلبة الجامعيين خصوصا , كما انها تساهم بشكل فعال في تيسير كافة وسائط النقل وحسب الامكانيات والتصورات لكافة طلاب المارس والجامعات , وحتما هي تشرف على الفعاليات الاجتماعية والدينية في الولاية .
وفي كلمة امام جمع من الحاضرين لمؤتمر القمة الدولية للمدن والمنظمات غير الحكومية في اسطنبول في عام 2017 قال بأن البلديات في تركيا هي سر بقاء السلطة باعتبار أن الديمقراطية تبدا من مراكز الحكم المحلية .
أذن فان التاكيد على أن الانتخابات المحلية هي الانتخابات الثانية الاكثر اهمية بعد الانتخابات الرئاسية في تركيا هي حقيقية وواقعية .
من الطبيعي ان ننوه أن الى أن حزب العدالة والتنمية قد كسب الجولات السابقة في تسع وأربعين ولاية واهم البلديات التي تسيطر عليها هي اسطنبول وانقرة وغازي عنتاب ويأتي حزب الشعب الجمهوري في المرتبة الثانية بحصوله على بلديات ثلاثة عشر ولاية ومنها ازمير معقل حزب الشعب الجمهوري أضافة الى أدرنة واسكي شهير .
وحقيقة ان اكبر المنافسين في هذه الانتخابات المهمة هما حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري وتكمن اوج عظمة التنافس في المدن الثلاث وهي :
اولا : اسطنبول
منذ عام 2002اصبحت هذه المدينة هي قبان الامان لحزب العدالة والتنمية متمثلة بشخص رئيس بلديتها الذي كان رئيسا لها قبل ذلك التاريخ منذ أيام الزعيم اربكان , لكن هذه المدينة اعطت الضوء الاصفر في الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد أزدياد نفوذ احزاب اخرى في المدينة ولذا فأن حزب العدالة سيراهن من جديد على المدينة بعد تسمية رئيس البرلمان ورئيس الوزراء السابق الاخير كمرشح للحزب في المدينة .
ثانيا : انقرة
لاشك أن التنافس سيكون على اشده بين حزب الشعب وحزب العدالة في تلك المدينة رغم أن مرشح حزب العدالة يتمتع بشعبية مقبولة وعالية جدا .
ثالثا : ازمير
هذه المدينة التي تقع في اقصى الجنوب الغربي التركي تقريبا وعلى بحر ايجه تعتبر من اهم معاقل حزب الشعب الجمهوري في كافة الانتخابات التشريعية التي حدثت في تركيا منذ عشرات السنين , ورغم ان الكثير من المراقبين لايرون تغييرا في توجهات المدينة الانتخابية ألا ان المدينة تعاني تراجعا في نسبة الانجازات مقارنة مع غيرها من المدن التي يترأسها رؤساء بلديات من حزب العدالة , فمن الممكن القول أن المدينة ربما ستكون واجهة السياح الاولى بعد أسطنبول لو استغلت بشكل عملي تلك المراكز الترويجية السياحية , لأنها تتمتع بقدرات هائلة من تلك المراكز السياحية اضافة الى جوها المعتدل .
أن اي تغيير في توجه هذه المدن الثلاثة الانتخابية ستكون عاكسة لمدى شعبية الاحزاب بصورة شاملة وربما من خلالها ستعيد تلك الاحزاب الى ترتيب أوراقها واولياتها وسياساتها وذلك في نهاية الشهر الحالي
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=91626
Yanal Sagoمنذ 6 سنوات
نحن أمة لا تنتصر بالعدة والعتاد
ولكن ننتصر بقلة ذنوبنا وكثرة ذنوب الأعداء
فلو تساوت الذنوب أنتصروا علينا بالعدة والعتاد..