تدخل الأزمة السورية عامها السادس على التوالي، وهي الأزمة، التي ألقت بظلالها ليس فقط على المجتمع السوري، بل على مجتمعات ارتدت عليها الأزمة إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، بما يمكن اعتبارها أزمة ممتدة وذات طابع إقليمي ودولي.
ويجهد العالم اليوم في مساعيه لوقف تداعيات الأزمة السورية على كل الصعد، في سياق السعي لإعادة الاستقرار إلى سوريا، عبر التفاوض مع أجنحة الأزمة السورية، والرعاة الدوليين، الذين يدعمون أطرافها.
ويطرح المراقبون التساؤلات، حول ما إذا كان السوريون سيمارسون ‘حق العودة’ إلى بلادهم في حال توقفت الحرب، وهذه تساؤلات محفوفة بإجابات مختلفة، على خلفية تعقيدات هذه الأزمة؟!
هل سيغامر اللاجئ بنفسه ويعود إلى دياره بعدما اعتاد هو وعائلته العيش في بلد وفر له الأمان وما يتضمنه من أسس الحياة الكريمة ولو جزئياً، بما لا يمكنه الاستغناء عنها، أم أن البيئة السورية ستبقى طاردة جراء اتسامها المحتمل بالثأر بين السوريين ذاتهم، بعد وقف الحرب، أو بسبب غياب مشروعات الإعمار، التي سوف تستقطب السوريين للعودة على أساس اقتصادي؟!
تساؤلات
أعداد كبيرة لا يمكن تجاهلها استقرت اليوم في الأردن الذي كان من أوائل الدول، التي استقبلتهم، والمشهد في الأردن يثير التساؤلات، ويفتح الباب على مصراعيه للمراقبين لواقع اللجوء من أجل التساؤل عن إمكانية عودة اللاجئين إلى ديارهم، في حال استقرت الأوضاع هناك، أم أنه سيختار البقاء في الدولة التي تكيف مع أسلوب معيشتها، واندمج مع ثقافتها.
في الأردن تقدر أعداد اللاجئين السوريين بحسب التقديرات الرسمية بنحو مليون ونصف المليون، نصفهم مسجلين في المفوضية السامية بصفة لاجئ وما يقارب من 141.65 ألفاً مقيمين في مخيمات، الزعتري، الأزرق، ومريجب الفهود، وتم استقبالهم عبر الحدود الشمالية للأردن.
الناطق الإعلامي باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، محمد الحواري قال في رده على استفسارات ‘البيان’ أنه في حال عاد اللاجئ السوري أم بقي في الأردن، فالمفوضية ستقدم الدعم للاجئين المسجلين لديها، والذين يبلغ عددهم 655 ألفاً لديارهم بحثاً عن الأمان بعيداً عن المكان، ومفهوم الحدود.
وأضاف الحواري أن المفوضية تقدم العديد من الخدمات، منها برنامج المساعدات النقدية، والذي يسمى بـ’شريان الحياة’، حيث يستفيد منه ما يزيد عن 200 ألف سوري، وهو رقم يعادل ثلث اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية مع العلم أن 90 في المئة من السوريين المسجلين هم من المصنفين ‘فقير جداً’.
هذا، وتقدم المفوضية حسب الحواري برنامج التوطين في دولة ثالثة من خلال إعادة نقل اللاجئين من بلد اللجوء إلى دولة أخرى تكون في الأصل وافقت على قبولهم، ومنحهم الاستقرار الدائم وأن توفر لهم الحماية القانونية والجسدية، بما في ذلك تمتعه بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشابهة لحقوق مواطنيها.
وفي عام 2016 بلغ عدد الذين غادروا من الأردن لدولة أخرى ما يقارب 20 ألفاً، أي بمعنى قابلية فكرة السفر وعدم العودة إلى البلاد في حال توفرت فرصة أفضل.
دمار
رئيس مجلس القبائل والعشائر السورية في الأردن، علي الجاسم أكد لـ’البيان’ أن أمنية كل سوري أن يعود إلى وطنه، وأن تعود حياته الأولى، ولكن التمنيات تختلف عن الواقع الفعلي، فجميعنا ندرك أن الأحوال تغيرت في سوريا، فالمختصون الدوليون يقدرون أن سوريا تحتاج إلى ما يقارب 100 مليار دولار لإعادة إعمارها، فمن أين سيأتي هذا الدعم حتى تعاد البنية التحتية، وتعود الحياة إلى طبيعتها، وبحسب الإحصاءات هنالك أكثر من مليون ونصف مسكن تم تدميره كلياً أو جزئياً؟
يضيف الجاسم، إن المسألة الأخطر التي تدور في ذهن كل سوري يرغب في العودة أنه إذا ما عاد فإن حياته ستكون مهددة من جهات مختلفة، كون السوري الذي أصبح لاجئاً تم حسابه أو تعريفه على جهة محددة، وعند العودة ستقوم الجهات المغايرة بتصفية الحسابات معه، وسواء بقي رئيس النظام السوري بشار الأسد أو ذهب وبقي النظام، أو ذهب كلاهما فالعودة خطرة لما هو منتشر حالياً، بما يسمى بـ’الثأر’ بين الجهات المتحاربة.
حق العودة
وزير الإعلام الأردني د.محمد المومني في رده على معرض تساؤلات ‘البيان’ قال إن الأردن يتطلع لعودة الاستقرار في سوريا، ليتمكن اللاجئون من العودة إلى بلادهم، وأضاف ‘الأردن قدمت منذ بداية الأزمة السورية الدعم والعون للاجئين السوريين، من خلال فتح المدارس أمام أطفالهم وفتح باب العمل أمامهم.
إضافة للعلاج في المستشفيات الحكومية وهو ما أثر على الأردنيين وأدى إلى ارتفاع أجور المساكن، وخاصة في المناطق الفقيرة والأشد فقراً، إضافة إلى الضغط الكبير على موازنة الدولة نتيجة لكلفة توفير الخدمات والإجراءات الأمنية.
إضافة إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والبيئية ولكن الدولة تعاملت مع ذلك، وارتقت لتوفير أقصى درجات الدعم لهم، والأردن قدم، وسيقدم للاجئ السوري كل ما يمكن تقديمه حتى يعود الاستقرار هناك، وحينها يترك الخيار لهم في تقرير مصيرهم بالعودة’.
مراهنة
من جانبه قال وزير التخطيط والتعاون الدولي عماد الفاخوري لـ’البيان’، إن الأردن يواجه تحديات صعبة بأنواعها المتعددة، سواء على الصعيد المالي والاجتماعي والاقتصادي، وعودة الاستقرار إلى الأراضي السورية سيخفف من دون شك من عبء اللجوء على الدولة الأردنية، التي تحملت تبعات اللجوء، وبسبب اضطراب الأوضاع الإقليمية التي زادت من تكلفة هذا اللجوء.
‘فتكلفة استضافة اللاجئين في الأردن خلال الفترة ما بين 2011-2015 بنحو 6 مليارات و700 مليون دولار أميركي، في حين تبلغ التكلفة التقديرية لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للأعوام 2016 – 2018 بنحو 7.9 مليارات دولار’.
ويضيف الفاخوري، ‘من خلال مؤتمر لندن تم الإعلان عن خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية، التي من خلالها حصل الأردن على تمويل ميسر تم تقديمه من قبل المانحين والبنوك والمؤسسات التنموية متعددة الأطراف، حيث بلغت القروض الميسرة التي تم التعاقد عليها في العام 2016 ما قيمته 923.6 مليون دولار أميركي، منها 834.6 مليون دولار موجهة لدعم الموازنة و89 مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية.
تشكيك
على صعيد آخر شكك مراقب مختص فضل عدم ذكر اسمه في عملية توثيق بيانات المواليد الجدد للاجئين السوريين في الأردن وإمكانية إدخالهم سوريا في حال رغبة العائلات العودة لبلادهم باعتبارها لا تملك بيانات، ما يعني قسراً عدم عودة هذه العائلات وبقائها في البلدان، التي لجأت إليها حفاظاً على أطفالها، مقللاً من أهمية ما تم التصريح عنه بوجود تعديلات على قانون الأحوال المدنية في سوريا، الذي يسهل عملية تسجيل المواليد النازحين واللاجئين ومنهم من يولد في الأردن خصوصاً أن أعداداً كبيرة تقدر بنسبة 80 في المئة من المواليد لم تسجل رسمياً بوثائق.
وتؤكد كل التحليلات في الأردن أن ثلث السوريين سيعود فقط إلى سوريا، إذا توقفت الحرب، لاعتبارات كثيرة، أبرزها أن هناك أجيالاً جديدة اشتبكت إيجابياً مع الواقع الأردني، وصارت جزءاً من النسيج الاجتماعي، كما أن بيئة ما بعد الحرب، بحاجة إلى سنوات حتى تستقر سياسياً وأمنياً واقتصادياً، ما سيجعل كل سوري ينأى بنفسه عن المخاطر، إضافة إلى طموح اغلب اللاجئين بالهجرة إلى بلد ثالث، بدلاً من البقاء في المنطقة.
بند الأسرة
يشير رئيس مجلس القبائل والعشائر السورية في الأردن، علي الجاسم إلى أن معظم عمليات اللجوء التي حدثت، هي عمليات جماعية أي تحت بند الأسرة، وليس الأفراد. وهنا تكون العودة بعد الاستقرار ودمج الأطفال في الثقافة والتعليم والحياة أصعب من أن يكون اللاجئ فرداً لا تدخل في حساباته المعادلات الأسرية.
بحسب دراسة تحليلية حملت عنوان ‘الهجرة الداخلية والدولية’، صادرة عام 2016 تبين أن نسبة الإناث تبلغ ما يقارب النصف من عدد اللاجئين الكلي.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=6282