نعيم مصطفى / خاص تركيا بالعربي
لكل دولة رؤية ومشروع تسعى لتحقيقه بما يرضي شعبها ويحقق نجاحها وأمنها واستقرارها.
فأمريكا تقول على لسان رئيسها أن مشروعها يحمل “أمريكا أولاً” فهي تسلك نظرية البراغماتية الصرفّة في سياستها.
وإيران تسعى لنشر فكرها الشيعي في كل مكان تستطيع الوصول إليه أذرعتها وهذا ما نراه على أرض الواقع في اليمن وإيران والبحرين وسورية…
إعلان
فهي تجنح إلى اعتناق إيديولوجية دينية وتسعى لتصديرها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وتركية تحاول المواءمة بين النظريتين البراغماتية والإيديولوجية فهي تقف مع المظلومين والمستضعفين في العالم وتدافع عن حقوق المسلمين حسب قدراتها ولا تنسى نصيبها من الذود عن حياض مصالحها وأمنها وحدودها وعلى هذا المنوال تسير معظم دول العالم…لكن اللافت للانتباه منهج السياسة السعودية وأهدافها والمشروع الذي أزمعت تبنيه فهي تكاد تكون – كما أرى – رؤيتها غامضة حتى على أصحاب القرار.
فمنذ أن وصل ولي العهد محمد بن سلمان إلى ما وصل إليه وأصبح الآمر والناهي والقائد الحقيقي للسعودية فقد سلك مسلكاً يأتي بالعجائب فهو تارة يحاول التخلي عن المبادئ الدينية الوهابية التي قامت عليها المملكة على يد المؤسس، ويغازل العلمانية والعلمانيين، والليبرالية والليبراليين ويعبّد الطريق أمامهم لينشروا أفكارهم عبر الإعلام وعبر مؤسسات الدولة، ومن ناحية أخرى يصب جام اهتماماته وغضبه على دولة إيران لأنها شيعية وتسعى لنشر التشيع وزعزعة الاستقرار في المنطقة، ويوحي بذلك أنه زعيم السنة وأن السعودية هي عاصمة السنة في العالم ويحاول جمع الدول الإسلامية في أحلاف وأجسام ومعاهدات، للتصدي للمشروع الشيعي ولمن أراد النيل من الدول الإسلامية السنية.
وإذا ما نظرنا من زاوية ثالثة فنرى أن تصرفاته وأسلحته وأمواله هي خنجر في ظهر السنة.
إعلان
فقد وجه خصومته اتجاه قطر الجارة الخليجية السنية من دون إظهار الأسباب الحقيقية المقنعة لعداوتها، ومن ثم وجه سهامه السامة إلى أقوى دولة مسلمة سنية غيورة على الإسلام والسنة وهي تركية، ثم دفع الأموال الطائلة لإحباط أي حزب سني يصل إلى سدة الحكم في أي دولة إسلامية (مصر وليبيا واليمن الخ …)
وفي الآونة الأخيرة وجّه كتابه وصحفييه لمدح وإطراء الكيان الإسرائيلي تمهيداً لعقد صلح معه، وتبادل السفارات، ونذكر من أولئك الصحفيين وأقوالهم: أحمد بن سعد القرني: “اليهود يكنون لنا الاحترام ولم يعتدوا علينا أو يفجروا في بلدنا، وأدعو الملك إلى فتح سفارة وتمثيل دبلوماسي عالي.
سعود الفوزان: لست محامياً لليهود ولكن الحق يقول أعطوني يهودياً واحداً قتل سعودياً أعطيكم ألف سعودي قتل أبناء جلدته بالحزام الناسف.
إعلان
أحمد العرفج: أنا لا أحمل لليهود أي كره، ولا أشعر بأي تعاطف مع الفلسطينيين.
حمزة السالم: إذا عقد السلام مع إسرائيل فتصبح المحطة الأولى للسياحة السعودية.
وآخر وأحدث نسخة تستجدي الصلح مع إسرائيل وتشيد بمناقبها هو تصريح الصحفي السعودي المعروف دحّام العنزي: ” أقترح افتتاح سفارة إسرائيلية في الرياض وأخرى سعودية في القدس الغربية”
وأضاف قائلاً: ” المصلحة أيضاً تقول إننا نحتاج لحلفاء لإسرائيل لمواجهة العدو الحقيقي (المشروع الفارسي) إضافة إلى (المشروع العثماني) في المنطقة، فرق كبير بين صراع الوجود مع إيران والعثمانيين وبين خلاف حدود مع إسرائيل”.
ولا شك أن هذه التصريحات لا تمثل أصحابها – كما يزعم بعض المدافعين عن السياسة السعودية – وإنما تمثل توجهات السياسة السعودية الحقيقية لأن النظام السعودي معروف باستبداده وكمه للأفواه وبطشه لمعارضيه ولا يمكن لأحد أن ينبس ببنت شفة دون إخطار السلطات بما عزم عليه إن لم تكن السلطة قد أعطته الضوء الأخضر ودفعته لتلك الأقوال.
ولو وقفنا عند تلك التصريحات وتلك التوجهات لوجدنا التهور والتخبط والرعونة والتناقض يرخي بظلاله عليها.
صحيح أن المشروع الفارسي هو مشروع تصدير للثورة الشيعية والهيمنة على أراضي الغير ومنها السعودية؛ ولكن إسرائيل لا تقل خباثة وأطماعاً ومحاولة للهيمنة على المنطقة من خلال مشروعها الاحتلالي الذي بدأته بفلسطين ثم اقتطعت جزءاً من سورية…وقد أجاب بعض المسؤولين عندما سئل عن حدود إسرائيل بأنها حيث وصلت دبابتها.
وأما المشروع العثماني الذي يخشاه بعض السعوديين ويحذرون منه فما هو؟
هو الدفاع – كما أسلفنا – عن المسلمين ومناصرتهم ودعوتهم للتضامن والتعاضد والوحدة ضد أعدائهم الذين يمكرون بهم، هذه هي رؤية الأتراك الاستعمارية (على رأي من يمثل القيادة السعودية).
وبناء على ما تقدم يمكننا الاستنتاج بأن المشروع السعودي هو مشروع ضبابي وغائم ولا يمكن تفسيره إلا بشيء واحد وهو ضمان تمكين محمد بن سلمان من الكرسي ولو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ والأخلاق والثوابت والمتغيرات وكل شيء وذلك بخطب ود أمريكا وربيبتها إسرائيل.