نعيم مصطفى / خاص تركيا بالعربي
السياسة كتاب مفتوح، وحمالة أوجه، لذلك نجد التحليلات التي أعقبت الضربة الأمريكية تدفقت بغزارة على المواقع والصحف والقنوات حتى كادت أن تضيق بها، ومعظم تلك التحليلات تغوص خلف السطور، وما وراء ظاهر الحدث، من تمثيلية إلى ذر الرماد في العيون، إلى عملية ابتزاز لبعض الدول الخليجية إلى…
وكل تلك التحليلات يمكن إدراجها في دائرة الاحتمالات، ولست في صدد تقييمها، ولكنني أريد أن أقف عند الضربة على ضفة أخرى، وهي أبسط النظريات، لأنها قراءة لظاهر الحدث فحسب، وفرضية لقبول كل ما صدر من تصريحات عن الدول ذات الصلة (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانية وروسية …..)، والغاية من وقوفي عند هذه النظرية، هو كشف عورات روسية وإيران والنظام المكشوفة أصلاً، لكنني أريد المقارنة بين الدول التي تتبنى النهج الديمقراطي – على الرغم من تآمرها على الدول العربية والإسلامية والدول الضعيفة – وبين الدول التي تتبنى نهج الاستبداد والديكتاتورية.
ليس دفاعاً عن الولايات المتحدة ومن لف لفها (فرنسا بريطانية…) ولكنها في الحرب السورية ومنذ سبع سنوات لم تتدخل بشكل مباشر ولم تقتل الشعب السوري – ولم تسع في الوقت نفسه لإيقاف النزيف السوري مع أنها تستطيع – وهي حاولت أن تضع لها قدما في زحمة الأقدام فأرسلت مجموعة من الجنود إلى شمال سورية بذريعة مؤازرة الأكراد وعندما حاولت روسية استفزازها وأرسلت مجموعة مقاتلين من مرتزقتها تصدت لهم القوات الأمريكية وأجهزت عليهم، وكانت قد قتلت من قبل طائفة من جنود النظام عندما أراد جس نبضها بإيعاز من سيدته روسية.
إعلان
والحقيقة إن إعلام روسية وإعلام النظام اللذين لا يكادان يصدقان بخبر لم يستطيعا أن يدخلا القوات الأمريكية في قفص الاتهام بتهمة سفك دماء المدنيين لا في العام الفارط الذي وجهت فيه ضربة – أي أمريكة – لمطار الشعيرات ب/59/ صاروخ توماهوك ولا في هذه الضربة التي تجاوز عدد صواريخها ال (100) صاروخاً، فلم يُقتل أي مواطن سوري لا عسكري ولا مدني، بل قال ممثل النظام والمتحدث باسم قواته، إنه جُرح ثلاثة أشخاص.
في حين أن روسية وإيران والنظام يمارسون سياسة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية على كل من يعارض بشار، أو من لا يقف بجانبه، أو من لا يستطيع الوصول إلى الأماكن التي تحت سيطرته، فقد صبوا جام غضبهم على الغوطة، واستخدموا كل أنواع الأسلحة الفتاكة، فقتلوا ما قتلوا من الأطفال والنساء والشيوخ، وقليل من المسلحين بل إن المسلحين قد غادروا الغوطة ولم يُصابوا بأذى، في حين أن الضحايا كلهم كانوا من المدنيين.
إذاً بالموازنة الموضوعية بين الولايات المتحدة وروسية نجد ثمة بوناً شاسعاً.
إعلان
أليس من العجيب أن صاروخ ال توماهوك الذي يحمل /166/ قنبلة عنقودية لا يصيب إلا البناء والمنشآت الكيماوية الموجه إليها(أكثر من 100 صاروخاً) ولا يقتل عسكرياً واحداً فضلاً عن المدني، في حين أن الصاروخ أو القنبلة أو الهاون الذي كان يوجه إلى الغوطة أو الأماكن التي أعاد احتلالها النظام وحلفاؤه، كان يقتل العشرات من الناس ومعظمهم إن لم أقل جميعهم من المدنيين؛ وهذا في نظري يرجع على الفلسفة والأيديولوجية التي ينتميان إليها، فروسية على شاكلة النظام لا تقيم للإنسان والروح البشرية أي وزن بل تتعامل معهم كأرقام، في حين أن الولايات المتحدة تقف على أرض صلبة في احترامها لحقوق الإنسان – على الرغم من كل الممارسات المشينة والمؤامرات التي تحيكها ضد الدول الضعيفة – ولكنني هنا أقارن بين عدوين أيهما أشد حقداً ولؤماً وقتلاً.
يقول ليو تولستوي:
” من حُسن الحظ أنّ هناك يوماً للقيامة، نقف فيه أمام من هو بكل شيءٍ عليم، وهناك ستفهم كل ما حدث “.
إعلان
تنويه: (المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي تركيا بالعربي بل عن رأي كتابها)