معتز علي محمد – ترك برس
بعد فشل وصول التيار الإسلامية لسدة الحكم في عدة دول عربية وإسلامية لعدة مرات، ابتداءً من الضغوط الغربية علي حكومات السودان لمنع الإسلاميين من المشاركة في الحكم في السبعينيات والثمانيينات، مرورا بالانقلاب العسكري في الجزائر 1992 وتجميد نتائج الانتخابات التي أتت بالإسلاميين، وانتهاء بالانقلاب الأبيض الذي حدث علي أربكان في تركيا عام 1997 بعد تبنيه للسوق الإسلامية الكبرى، بات واضحا أن الغرب لن يسمح لأصحاب الدعوات الإسلامية بالوصول للحكم، خشية خروج تلك الدول عن الخط الوظيفي المرسوم لها في الغرب.
سلطات قمعية ومحاولات بائسة
عمد الغرب علي تمكين أنظمة وظيفية من الوصول لسدة الحكم بعد انتهاء الاستعمار المباشر للدول الإسلامية لضمان تبعية تلك الدول للمحتل السابق، فضلا عن السيطرة علي الجيوش في البلاد الكبرى مثل مصر وتركيا والجزائر وباكستان، لضمان عدم خروج الحاكم عن السيطرة.
حيث قامت تلك الجيوش بدور فعال في إبطال أي محاولة للاستقلال والخروج من التبعية للغرب، ومنعت كل محاولات التيار الإسلامي من الوصول للحكم عن طريق الصناديق، أو حتى المشاركة في الحكم، مما دفع ببعض التيارات الفكرية الإسلامية المتشددة، إلي اعتناق العمل المسلح وحمل السلاح ضد حكام البلاد العربية، كما قامت الجماعات الجهادية بتوجيه مجهودها إلى العدو الأكبر في الخارج، بصفته الداعم الأكبر للأنظمة المستبدة، أملا في إقامة دولتهم الإسلامية بالقوة وتكوين نواه للجماعة المؤمنة وقامت بكثير من أعمال العنف في الغرب، مما أتي بنتائج عكسية وساهم في تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب.
نشأة زعيم جديد
ووسط تلك الأمواج المتلاطمة والمحاولات المستميتة للخروج من تحت عباءة الغرب، نجح واحد من أفراد الحركة الإسلامية في تركيا، من الوصول لسدة الحكم في بلاده بعد خطة خداع كبيرة نجح خلالها في إقناع الغرب بتطوره الفكري، وأفكاره المحافظة والمتوافقة مع العلمانية التركية.
أردوغان والتجربة الأولى
بعد انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول عام 1994 نجح أردوغان في إحداث طفرة في الخدمات، ونجح في استكمال البنية التحتية للمدينة فضلا عن حل مشكلات القمامة والمواصلات، وساعدت تلك الطفرة على زيادة شعبية أردوغان في عموم تركيا، إلا أن بضع أبيات من الشعر الإسلامي ألقاهم أردوغان عام 1998، أدت لمحاكمته وعزله.
أدرك أردوغان أن النجاح الكبير في بلدية إسطنبول وما صاحبه من شعبيه كبيرة لا يمنع الدولة العميقة في تركيا، من وأد أي نجاح يحققه طالما يظهر هويته الإسلامية.
قام أردوغان خلال فترة سجنه بعمل مراجعة شامله للمنهج السياسي الذي يسير عليه التيار الإسلامي بقيادة أربكان، حيث تم حل عدة أحزاب لأربكان انتهت بالإطاحة بأربكان نفسه من قمة السلطة عام 1997، بعد بروز هويته الإسلامية للعلن.
وبعد حل حزب الرفاه عام 1998، وقيام أربكان بتأسيس حزب الفضيلة، فشل أردوغان في إقناع أربكان والحرس القديم بتغيير المنهج السياسي المحافظ للحزب، وتأجيل معركة الهوية لحين التمكن من مقاليد الحكم، وهو ما دفع أردوغان لتشكيل حزب جديد في آب/ أغسطس 2001، ونجح حزب أردوغان في الحصول علي الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2002.
قام أردوغان بتعريف جديد للعلمانية لا يتصادم مع التدين الشخصي للمواطن، وهو مايشبه المفهوم الغربي للعلمانية، حيث توجد علمانية متوافقة مع الدين كما هو في الغرب، وعلمانية معادية للدين كما في تونس وفرنسا وتركيا (ما قبل أردوغان)، ونجح أردوغان في إقناع الغرب بدعم وصول أول قائد إسلامي للحكم، بعد إعلان احترامه لمبادئ العلمانية، بعد قيامه بعدة زيارات تطمينية لأوروبا وأمريكا قبل تسلمه لرئاسة الوزراء.
كما طلب أردوغان من الاتحاد الأوروبي تسريع الطلب التركي للانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو ما رد عليه الإتحاد بطلب تعديلات علي القوانين التركية بما يضمن عدم تدخل الجيش في الحياة السياسية، وهو ما كان يريده أردوغان.
تأجيل معركة الهوية
قام أردوغان بتأجيل معركة الهوية لحين إعادة تأهيل الجبهة الداخلية ومحاولة إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، واستجاب أردوغان لضغوط الإتحاد الأوروبي، ومنعه من محاولته لتجريم الزنا في البلاد عام 2004، مقابل استمرار الدعم السياسي للغرب في تعديل القوانين الداخلية تحت مسمي (حزمة تعديلات كوبنهاغن) اللازمة لدخول الاتحاد الأوروبي، والتي تضمن عدم تدخل الجيش في الحياة السياسية، وقام أردوغان بتقليل صلاحية مجلس الأمن القومي ومن ثم تحويله لمجلس استشاري حيث يعتبر ذلك المجلس هو المحرك الرئيسي لكل الانقلابات العسكرية.
تأجيل معركة الحجاب
كما قام أردوغان بتأجيل معركة الحجاب، وقام بإرسال بناته للتعليم خارج البلاد تجنبا لإفتعال أزمة مع الدولة العميقة في تركيا، خصوصا بعد الأزمة الشهيرة التي حدثت عام 1999 مع عضوة مجلس الشعب التركي مروة قاوقجي، والتي تحدت النظام العلماني ودخلت بالحجاب إلى البرلمان، وهو ما أدي لسحب الجنسية عنها ومطاردتها حتي هاجرت لأمريكا.
سياسة صفر مشاكل
نجحت سياسة صفر مشاكل مع جيران تركيا في بسط مزيد من الإستقرار السياسي في تركيا، كما رفض أردوغان استخدام بلاده كقاعدة لغزو العراق، واقتصرت مشاركة أردوغان في السماح للطائرات الأمريكية بإستخدام المجال الجوي التركي لضرب العراق، مقابل السماح بدخول 1500 جندي تركي لشمال العراق، لمنع تنظيم “بي كي كي” من استغلال الفوضي الأمنية الناتجة عن الحرب، والتمركز بشمال العراق.
كما قام أردوغان بزيارة للقدس في أيار/ مايو 2005، وقام خلالها بدعم عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل مقابل بعض التعاون العسكري مع إسرائيل، وهو ما أدى لانسحاب إسرائيل من قطاع غزة وتفكيك عدة مستوطنات في الضفة والقطاع، مع السماح لحماس بدخول الإنتخابات الفلسطينية والتي فازت بها لاحقا.
تحركات سياسية لا تثير الغرب
تميزت تحركات أردوغان السياسية في فترة حكمه الاولي بالمهادنة للعلمانية وعدم إظهار العداوة لإسرائيل، مما تسبب في الترويج لمشروعه السياسي في الغرب، وأنه النموذج الإسلامي المعتدل، لدرجة أن بوش الابن أبدى في إحدي المرات إعجابه لأردوغان بالتطور الفكري له ورفاقه، مما دفع أمريكا لمحاولة تكرار التجربة التركية مع التيارات الإسلامية المتشددة في فلسطين ومصر، عن طريق إدماجهم في العملية السياسية.
التدرج في معركة الهوية
وبعد كبح جماح التضخم وتحسن الاقتصاد، وسط تأييد شعبي كبير، نجح أردوغان للمرة الثانية في انتخابات 2007، وقام بإصدار قانون يرفع الحظر المفروض علي الحجاب في الجامعات التركية عام 2008، إلا أن المحكمة الدستورية أبطلت القرار، مع تحذير للحزب وخصم نصف الدعم الحكومي له، فقام أردوغان بتعديلات دستورية عام 2010 للسماح بإرتداء الحجاب.
كما قام بتعيين هاكان فيدان كاتم أسراره كمدير للمخابرات عام 2010، لتأمين الجبهة الداخلية من أنشطة المخابرات المعادية، وكشف مؤامرات الدولة العميقة، استعدادا للمواجهة معها.
أردوغان ينطلق
بعد نجاحه للمرة الثالثة عام 2011، وتمكنه من إفشال عدة محاولات انقلابية عام 2003 و2007، وقيامه بتعديلات علي قوانين المحكمة الدستورية، لمنعها من ممارستها هوايتها في حل الأحزاب السياسة (حيث تم حل أكثر من 40 حزب سياسي في تاريخ تركيا المعاصرة)، طرح للمرة الأولى فكرة كتابة دستور إسلامي، وبدأ أردوغان بإظهار هويته الإسلامية تدريجيا عبر التوسع في إنشاء مدارس إمام وخطيب، والتي زاد عددها من خمسمئة مدرسة عام 2012، إلي أكثر من أربعة آلاف مدرسة في 2018 والتي تقوم بتخريج ما يزيد عن مليون طالب سنويا مع تخصيص ربع موازنة التعليم لها والبالغة 60 مليار دولار، كما تم التضييق على بيع الخمور في المحلات العامة مع بداية عام 2013.
دعم أردوغان للربيع العربي وصدمة الغرب
بعد قيام ثورات الربيع العربي، وقف أردوغان إلى جانب الشعوب العربية المسلمة الطامحة إلى الخروج من تحت عباءة الأنظمة الديكتاتورية المتسلطة عليها والمدعومة من الغرب، الأمر الذي سبب صدمة كبيرة للغرب بعد أن كشف أردوغان عن وجهه الإسلامي أخيرا، لتبدا المصادمة مع الغرب، لكن بعد أن تمكن أردوغان من تحقيق قدر كبير من الاستقلال الاقتصادي والسياسي لتركيا، كما إستمر أردوغان بتطهير مفاصل الدولة من تنظيم غولن عقب محاولة الانقلاب القضائي عام 2013، كما ساعد الانقلاب العسكري الفاشل في 2016، علي استكمال تطهير مؤسسات الدولة من العناصر المتواطئة مع الإنقلاب.
كيف خدع أردوغان الغرب
مما سبق نستطيع أن نقول إن أردوغان نجح في الوصول للسلطة بالرغم من رفض الغرب لوصول أي فصيل إسلامي للحكم في البلاد الإسلامية، حيث تمكن بفضل سياسته المتدرجة من خداع الغرب، وعقب تمكنه من تثبيت أرجله في الحكم، قام بإزالة العوائق التي منعت من انتشار مراكز تحفيظ القرآن وقام بالتوسع في افتتاح المدارس المهتمة بالتعليم الديني، أملا في محو الأمية الدينية والتجريف الثقافي الذي تعرضت له تركيا علي مدار عقود تجاه كل ما هو إسلامي، والتي منعت جزء كبير من الشعب التركي من التعرف علي دينه، في إطار عمليه التغريب الشديد التي حدثت لتركيا لفصلها عن أصولها الإسلامية.
ولعل التعليمات التي صدرت من أردوغان في 2018، بضرورة تعديل القانون المنظم لعمل بيوت للبغاء في عموم تركيا هو أبلغ دليل علي أن تأجيل أردوغان لذلك النوع من القوانين كان مجرد تأجيل لمعركة الهوية مع الدولة العميقة وليس عن قناعات شخصية، والذي من المتوقع أن يتم مناقشته قريبا، حث صرح أردوغان أنهم ارتكبوا خطا بالرضوخ لضغوط الإتحاد الأوروبي حينها.
وختاما هل تتكرر تلك التجربة مرة أخري في البلاد الإسلامية، أم أن الغرب لن يسمح للإسلاميين بخداعه مرة أخري؟
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=93704
omarmakil67منذ 6 سنوات
لابد ان يكون النصر لقيادة استمرت 500سنة
وانصارها حول العالم
بفارغ الصبرل2023 لنصرتها وينتصرو
لقضايا الامة
بقيادة تاريخية ل 1000سنة قادمة
باذن الله