المصري “محمد حرب”.. رحلة نجاح من النيل إلى البوسفور

زياد شاهين10 أكتوبر 2018آخر تحديث : الأربعاء 10 أكتوبر 2018 - 3:42 مساءً
المصري “محمد حرب”.. رحلة نجاح من النيل إلى البوسفور

صبيحة كل يوم، يجلس المواطن المصري محمد حرب، على ضفاف البوسفور في إسطنبول، يتأمل الشواهد التاريخية الساحرة بالمدينة التركية التي لا يمل الغوص في تفاصيلها.

حرب؛ بروفيسور متخصص في التاريخ العثماني بجامعة “صباح الدين زعيم” (خاصة) بإسطنبول، وتماما كما بصم التاريخ العثماني مسيرته الأكاديمية، شكلت تركيا محطة فاصلة في مساره، بل كانت – ولا تزال – أحد قطبي رحلة نجاحه المتأرجحة بين ضفتي نهر النيل ومضيق البوسفور.

رحلة أكاديمية طويلة تجر وراءها نحو 50 عاما، تنقل فيها حرب بين تركيا وعدد من البلدان العربية، وألف نحو 45 كتابا وثقت التاريخ العثماني، باللغتين العربية والتركية.

لم يقتصر مساره على الكتابة فحسب، وإنما ساهم في إثراء المكتبات العربية بمؤلفات تركية نقلها من لغتها الأم إلى العربية، بعد ترجم العديد منها.

كتب وألف ووثق وألقى محاضرات استعرض خلالها حقائق تاريخية دافعت عن العثمانيين بوجه الافتراءات التي طالتهم من الشرق تارة، ومن قبل كتاب أوروبيين تارة أخرى.

** من النيل إلى البوسفور

ولد حرب عام 1941 في مدينة حلوان جنوبي العاصمة المصرية القاهرة، وتخرج عام 1962، من قسم اللغات الشرقية في جامعة عين شمس بمصر.

حصل على ماجستير بالأدب التركي من جامعة القاهرة، قبل أن يحصل على درجة الدكتوراه في قوانين الدولة العثمانية من جامعة إسطنبول.

ففي العام 1973، قدم حرب إلى تركيا للالتحاق بجامعة إسطنبول، ومن ثم، بدأ بدراسة التاريخ العثماني، وترجمة الكتب الثقافية والأدبية والتاريخية، من اللغة العثمانية والتركية، إلى لغته الأم العربية.

تجول في العديد من الدول مثل النمسا وروسيا وكازاخستان وألمانيا وقيرغستان، بصفته أكاديمي في التاريخ العثماني، مدافعا عن تاريخ الدولة العثمانية التي استمر حكمها نحو 600 عام.

كما جاب عددا من العواصم والمدن العربية ومنها عمان الأردنية، والمنامة البحرينية، والمدينة المنورة في السعودية، والرباط المغربية.

مسيرة حافلة وضعته في اتصال مباشر مع المفكرين والسياسيين بمختلف مشاربهم ومرجعياتهم وجنسياتهم.

وعن ذلك يقول في حديثه للأناضول: “علاقتي بجيل المفكرين والسياسيين القدامى يتمثل في الأخوة الروحانيين، والشق الآخر من السياسيين الذين نهضوا بتركيا”.

ويتابع: “الشيخ موسى عثمان طوباش (أحد كبار الشيوخ الصوفيين في تركيا) كان بمثابة والدي، حيث كان يهتم بي بشكل واضح، وهو ما شكل مدعاة لفخري، حتى أنه كان يشجعني على دراسة التاريخ العثماني، وقد زارني في بيتي”.

اهتمام يقول إنه مثل أمرا لافتا في حينه، لأن زيارة شيخ عظيم وجليل بقدر “طوباش” لطالب مصري لتشجيعه على دراسة التاريخ العثماني، كان “حدثا كبيرا”.

وفي ذلك الوقت، يردف بالقول: “قررت أن أكون عثماني الدراسة، وقد أصبحت”.

وعلاوة على ما تقدم، يزيد حرب: “تعرفت أيضا على شيخ الأستاذ الراحل نجم الدين أربكان، وهو محمد زاهد كوتكو الذي يمثل أحد أقطاب الصوفية في تركيا”.

ويمضى: “تعرفت على الشيخ كوتكو، الذي اعتاد دائماً أن يناديني “يا مصري”، وكنت دائم الذهاب إليه أيضا، حيث كان إمام مسجد إسكندر باشا بمنطقة الفاتح بإسطنبول (..)، لكي أحضر حلقة الذكر التي تنعقد مرة في الأسبوع”.

وفي معرض حديثه عن لقاءاته بالرئيس رجب طيب أردوغان، يبين حرب: “لقائي الأول بأردوغان جرى حين كان رئيسا لبلدية إسطنبول (فاز برئاستها عام 1994)، عن طريق أحد أعضاء مجلس الأمة في الحزب الحاكم حينذاك”.

وعن تفاصيل اللقاء، يسرد: “قال لي عضو (لم يسمه) بمجلس الأمة بالحزب الحاكم وقتها، تعال لأعرفك على رئيس البلدية (أردوغان)، لأنه رجل طيب ويحب الناس”.

وأثناء اللقاء، عرف أردوغان أن حرب هو مترجم مسرحية “خلق إنسان” للكاتب والمفكر التركي الراحل نجيب فاضل، ففرح كثيرا وازداد ترحيبه بالرجل.

ومتابعا: “دعاني أردوغان لحضور تجمع فتح إسطنبول (تجمع ينتظم سنويا بمناسبة فتح العثمانيين للمدينة)، وكان يقربني إليه، حتى أنه أخذني مرة في رحلة إلى قصر الخديوي، والأخير هو “عباس حلمي باشا” أحد الحكام المصريين، وأذكر حينها أن أردوغان أخذني فوق القصر وقال لي هذا منكم”، في إشارة إلى الخديوي.

ويضيف: “أشهد بتواضع الرئيس أردوغان، فحين أسس حزبه (“العدالة والتنمية” مع آخرين عام 2001)، التقيته في بيته، وتحدث حينها عن حبه للعرب والإسلام وعن غزة وحبه لفلسطين وشعبها، وعاطفته تجاه الفلسطينيين”.

“كان كلاما مؤثرا”، يقول، “حتى أني أشدت في مقدمة الطبعة الثانية لمسرحية نجيب فاضل، بحماس والعاطفة القوية التي يكنها أردوغان للمسلمين والعرب”.

** مغالطات تاريخية

وحول التاريخ العثماني، يحدث حرب: “كان والدي ريفيا أميا لا يقرأ ولا يكتب لكنه كان مثقفا، كنت أقرأ كتاب التاريخ بصوت عالي، وأذكر حينها أني وصلت إلى فقرة تقول: “عبد الحميد كان رجلا ظالما وضد الإسلام ويحب الدماء”.

“كان والدي يمشي بجانبي”، يضيف، “فقال لي هذا الكلام خطأ، لأن عبد الحميد خليفة المسلمين، فكيف يكون ضد الإسلام ويحب الدماء؟ حينها لم أستمع لكلامه، فطلب لي الهداية من الله، وبالفعل هداني الله ودرست التاريخ العثماني”.

وحين كان جمال عبد الناصر رئيسا لمصر (1956- 1970)، يقول حرب إن الأخير “أصدر قرارا بمنع الحديث عن الخلافة العثمانية، وكتبت مقالا بعنوان “العثمانيون المفترى عليهم” الذي كان ذائع الصيت حينها، فقامت الدنيا ولم تقعد في مصر”.

بعد ذلك، ألّف حرب كتاب “العثمانيون في التاريخ والحضارة”، وهذا الكتاب أيضا جرمه حزب البعث (العربي الاشتراكي/ تأسس في سوريا)، “وكان السوريون يقولون لي أنه يتم تداول الكتاب خلسة فيما بينهم”، بحسب حرب.

ويؤكد حرب، أن “العثمانيين هم أرقى حضارة في التاريخ وأطولها عمرا أيضا، وتعرضوا للافتراء بشكل كبير جدا، حيث تتهم الدولة العثمانية بالجهل”.

ومتسائلا: “كيف يتهمونها بالجهل وبأن السلاطين كانوا جهلاء؟ مع أنه لا يمكن أن تجد سلطانا عثمانيا واحدا جاهلا، فجميعهم كانوا يعرفون اللغة العربية، وجميعهم درسوا الفن والتاريخ والعلوم العسكرية والأدب، وتعاليم الإسلام، وحتى السلطان سليمان القانوني له دواوين شعر، فكيف يكون هؤلاء جهلاء”.

وردا عن مزاعم “استعمار” الدولة العثمانية للعالم العربي، يوضح حرب: “الاستعمار هو أن تدخل دولة ما وتأخذ خيراتها إلى بلدك وتصنعها وتبيعها، وهذا لم يحدث في الدولة العثمانية إطلاقا”.

ويتابع مبينا: “قيل إن العثمانيين أخذوا أموال العالم العربي، وهذا لم يحدث إطلاقا، مع أن أهل مكة والمدينة المنورة كانوا يحصلون على معاشاتهم من إسطنبول، وشيدوا القلاع والحصون والمساجد”.

ويضيف حرب: “حين كبرنا، أدركنا أنه في عهد الدولة العثمانية ازدهر التأليف والكتابة وكل العلوم”، مشيرا أن “الدولة العثمانية كانت آخر الدول الإسلامية، والأوربيون اليوم يخشون انبعاثها من جديد، ويتوقعون قيام دولة إسلامية على هذه الأرض”.

ويلفت الرجل إلى أن “العالم قديما كان مقسوما إلى قسمين متصارعين، إسلامي ونصراني، فقام الفرنسيون والبريطانيون بإقامة كتاتيب لتعليم الأطفال النصرانية، ثم توسعت تلك الكتاتيب حتى تحولت إلى جامعات، بينها جامعة كامبرج (البريطانية) وغيرها”.

ويمضى شارحا: “بداية القرن العشرين، شرع المصريون بإرسال طلابهم إلى أوروبا للنهل من علوم الدين والتاريخ والفنون وغيرها، غير أن هؤلاء الطلاب عادوا مشبعين بأفكار الغرب(..) وفيما بعد أصبح هؤلاء الطلاب أساتذة”.

بعد ذلك، و”بظهور الجامعات بالبلدان العربية، تمت الاستعانة بالأساتذة المصريين الذي نقلوا الفكر الأوربي المعادي للدولة العثمانية إلى جامعات الدول العربية، حتى أنك تجد في الأزهر الشريف من يعتبر أن الدولة العثمانية دولة احتلال، مع أنها كانت دولة إسلامية بحتة”.

و”مع قدوم الاحتلال البريطاني إلى مصر، عمل على تغيير المناهج التعليمية في المدارس، وأدخل الفكر الغربي عليها، ومع الأسف ما زالت نفس المناهج إلى يومنا هذا على ذات الشكل”، وفقا لحرب.

وردا عن سؤال حول إنتمائه السياسي، يقول حاسما: “لم أنتمِ يوما إلى أي حزب سياسي، أو منظمات وجمعيات هنا أو هناك، فأنا أعتبر جميع العرب والمسلمين إخوة لي”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.