بعد سنوات من الحرب في سوريا وفقدان الآلاف في المعتقلات، اعترف النظام بأن المئات من المعتقلين ماتوا في سجونه. أحد الناجين من الموت يتحدث لـ DW عن تعذيبه ومعاناته وكيفية معاملة المعتقلين في السجون السورية.
عندما يخيم الظلام، يبدأ باستعادة ذكرياته المؤلمة والوضع بالسجن في الليل، كيف كان السجان يبدأ بضرب الباب الحديدي بهراوة، وكيف كان يتقاسم الزنزانة مع 30 معتقلا آخرين. وزعوا بطانية لكل معتقل. مصدر الضوء الوحيد والوسيلة الوحيدة لمعرفة الوقت ما إذا كان ليلا أم نهارا، كان ثقبا وحيدا صغيرا في جدار الزنزانة.
كان يسلي نفسه في السجن بتذكر المساءات مع أصدقائه واللحظات المبهجة وحفلات الشواء، ولحظة ولادة ابنه البكر ياسين. كان يذهب في نزهة عبر شوارع حيّه في حمص، بابا عمرو، يسير تارة في البساتين ويتذوق المشمش. خلال نوبات الهذيان كان يأمل أن يكون واقعه في المعتقل مجرد حلم سيء، وعندما يستيقظ أن نفسه في منزله.
كانت ذكرياته غير كافية للتغلب على ألم وجحيم المعتقل، والبطانية التي حصل عليها، كانت قصيرة لا تكفي لتغطية قدميه أيضا.
شعر بعودة الألم، كانت جروحه طازجة جراء التعذيب الذي تعرض له قبل ساعات قليلة، بينما تنز الجروح القديمة قيحا، وأشد مخاوفه كانت عائلته، هل يسيئون معاملة زوجته وأمه كما هددوه مراراً؟ حتى بعد أن وقّع على اعترافات لم يقرأها؟ كان يتساءل هل دفنت عائلته تحت أنقاضِ منزل ما؟ كان يبكي واضعا راحتيه على وجهه لإخفاء صوته، فقد يتعرض للعقاب فيما لو سمع السجانون صوتا حتى ولو كان همسا.
مزيد خالد الطهاد، المعتقل رقم 72، عانى لأكثر من 365 ليلة من العذاب.
يوم في حياة المعتقل رقم 72
يبدأ اليوم مع صراخ وشتائم السجان الذي يدخل الزنزانة ويطلب من المعتقلين أن يقفوا مقابل الحائط ويغطوا وجوههم بقمصانهم، فلا يرون سوى بعض الظلال على الأرض. يصرخ السجان “تكلموا أيها الأوغاد! من هو رئيس سوريا، من هو إلهكم؟”، يرد عليه المعتقلون بصوت عال “بشار الأسد سيدي، الله يطول بعمرو..يعيش رئيسنا”.
كان السجانون يرمون بالخبز على الأرض وعلى المساجين الاستدارة والقرفصاء لالتقاط الخبز، رغيفٌ واحدٌ لكل ثلاثة أشخاص وبعض الملاعق من اللبن، يقول المعتقل رقم 72.
كانت هناك حياة روتينية في زنزانات التعذيب الأكثر سوءا في سجون الأسد، فالضرب المبرح يترافق مع وجبات الطعام وكان يتم عصب العينين، وتعليق المعتقل من المعصمين لساعات، أو طي جسم المعتقل وتمريره ضمن إطار ومن ثم جلده، كانت هذه أكثر أساليب التعذيب شيوعا.
والتعذيب في سوريا له تاريخ طويل، فحسب منظمة العفو الدولية “أمنستي” استخدم الأسد الأب 35 أسلوباً مختلفاً من التعذيب، يقال إن بعض هذه الأساليب تعلمها من مجرم الحرب النازي ألويس برونر، الذي نجا من المحاكمة عن طريق الاختباء في سوريا.
بشار الأسد وتراث والده
مزيد “المعتقل رقم 72” كان واحدا من المحظوظين، هو وعائلته لأنهم تمكنوا من الفرار بعد خروجه من السجن، والآن يحاولون التأقلم مع الحياة في مخيم للاجئين في لبنان.
مزيد كان يعرف أن لا أحد سيرحمه في السجن، وأنه كما باقي المعتقلين مجرد رقم آخر بين آلاف المعتقلين. يقول لـ DW “لا أتذكر مجازر عام 1982 في حماه، لكني شاهدت الفظائع، واختبرت قسوة عائلة الأسد. شاهدت صور مراهقين مشوهين في درعا على التلفزيون، بعد أن عذبوا لأنهم كتبوا شعارات ضد النظام.
يؤكد مزيد أنه لم يقاتل إلى جانب الجيش الحر في حمص، بل كان يساعدهم في نشاطهم المدني والإغاثي، حتى اخترقت عينه شظية قذيفة أثناء قصف حي بابا عمرو في حمص، أثناء توجهه للمشفى أوقفه جنديان تابعان للنظام، وقالوا له “ألا تعرف أن القيادة خطرة في هذه الأيام”، كانا يسخران منه، قبل اعتقاله.
كابوس دائم
تم نقل مزيد إلى سجن صيدنايا سيء السمعة، أحد مراكز الاعتقال التابعة للمخابرات الجوية ورئيسها جميل حسن، الذي كان يأمر بتعذيب المعتقلين يقول مزيد ويصف تعذيبه بالقول “صعقوني بالكهرباء ثلاث مرات في اليوم، وفي مرة سقطت أظافري كلها بسبب الصعق”، في يوم 1 شباط/ فبراير 2013، سُمح لي بالاستحمام واعطوني ملابس نظيفة. كان هذا أول شعور له بالراحة منذ اعتقاله، إذ تخلص من الرائحة المزعجة وأحس أنه إنسان، ولم يكن لديه فرق حتى لو قتلوه.
لم يفهم مزيد لماذا تم الإفراج عنه، لكن كل ذلك انتهى فجأة. وفي وقت لاحق، اكتشف أنه قد تم الإفراج عنه في اتفاق تبادل للأسرى برعاية شيوخ عشائر حمص، حيث كان المقاتلون قد أفرجوا عن موظفين روسيين قبل ذلك بأسابيع، مقابل الإفراج عن بعض المقاتلين والمعارضين الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة في المعتقل. عندها غادر حمص مع عائلته إلى لبنان مثل آلاف السوريين الآخرين الذين يبحثون عن الأمان، وهو يعيش الآن في مخيم للاجئين في وادي البقاع.
الآن وبعد مرور خمس سنوات، التأمت جروح “المعتقل رقم 72” لكن الندوب ما زالت ظاهرة، وهي دليل على الجرائم التي ارتكبت بحقه. وهو حزين لأنه لا سبيل اليوم للاقتصاص من جلاديه الذين عذبون وسلبوه كرامته، ولا يمكن تقديم مرتكبي هذه الجرائم للمحاكمة، فلقد استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد تحرك الأمم المتحدة لإحالة المجرمين من النظام السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
ألمانيا تصدر مذكرة توقيف
وفي خطوة غير متوقعة، أصدرت ألمانيا مذكرة توقيف في حزيران/ يونيو الماضي ضد رئيس المخابرات الجوبة السورية جميل حسن، لاتهامه بارتكات جرائم حرب وعمليات إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، على أن يعتقل في أي مكان خارج سوريا بغض النظر عن مكان ارتكاب هذه الأفعال.
بالنسبة لمزيد، هذه الخطوة لن تحل الأزمة، فألمانيا برأيه لن تصل إلى أي شيء، ويتساءل “هل يمكنهم الذهاب إلى سوريا وإلقاء القبض على حسن أو الأسد؟”، ويتابع بأن “هناك شكوك في أن أياً من الجناة سيدفع ثمن جرائمه، وفرصة حدوث ذلك قد ضاعت نهائيا”. ويختم “المعتقل رقم 72” كلامه بنبرة يأس وهو ينفث دخان سيجارته “لو أراد الغرب التخلص من الأسد لفعل ذلك، لكنهم غير مهتمين”.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=65486