نشرت صحيفة الحياة اللندنية، تقريراً للكاتب السوري “عمر كوش” تناول فيه الهجمات الإرهابية التي استهدفت تركيا، وتداعيات ذلك على اللاجئين السوريين داخل الأراضي التركية.
ويشير الكاتب إلى أن تركيا دخلت دائرة الاستهداف من جهات عدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث طاولت العمليات الإرهابية، من هجمات وتفجيرات، معظم المدن والبلدات القريبة من الحدود السورية والعراقية، وضربت قلب عاصمتيها، السياسية أنقرة، والاقتصادية والسياحية إسطنبول.
ومع كل عملية إرهابية انتقامية تطاول تركيا، يضع السوري الموجود فيها، سواء كان لاجئاً أم طالباً أم مقيماً، يده على قلبه، متمنياً ألا يحمل منفذها الإرهابي جواز سفر سورياً، وأن لا تؤثر تبعاتها في وضعه في هذا البلد الذي قدم له ممكنات عيش أفضل مما قدمته بلدان تدعى “شقيقة”.
ويلفت الكاتب إلى أن تزايد العمليات الإرهابية، التي استهدف آخرها محكمة في مدينة إزمير، وقبلها الهجوم الدامي على ملهى “رينا” في منطقة أورتاكوي بإسطنبول، أثارت اهتمام السوريين في تركيا، وباتوا يتناقلون المواقف والأخبار على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، واستنكرتها غالبيتهم، خصوصاً أن من يقف وراء هذه العمليات، سواء كان تنظيم “الدولة” “داعش”، أم حزب العمال الكردستاني “بي كا كا”، أم حزب جبهة التحرير الشعبي وسواها، يعتبره السوريون نظيراً لنظام الأسد أو نتاجاً له، على خلفية الشراكة في الكارثة التي ألمت بهم منذ أكثر من خمس سنوات، وتسببت في معاناتهم وتشريدهم من بلادهم.
وينقل الكاتب عن سمير نشار، العضو السابق في “الائتلاف الوطني السوري”، قوله، أن “تركيا محاصرة ومستهدفة، لأنها قوة استراتيجية إقليمية، دعمت السوريين والثورة السورية منذ البداية، وحفظت كرامتهم أكثر من غيرها، وأن جزءاً مما يحدث من استهداف وتفجيرات يعود إلى موقفها من الوضع في سورية، والمهم بالنسبة إلى الأتراك والسوريين أن تكون مستقرة وآمنة، وأن لا تكون ساحة صراع جديدة، سواء من طرف تنظيمات إرهابية أو قوى إقليمية ودولية تدعمها، ذلك أن المنظمات الإرهابية ليست وليدة أفكار متطرفة فقط، بل وراءها استخبارات”.
وبحسب التقرير فإن العمليات الإرهابية التي تطاول تركيا تؤثر في حياة السوريين فيها، وتولد لديهم أحاسيس وانفعالات كثيرة، خصوصاً أن “من بقي فيها من السوريين بمعظمهم هم من الذين فضّلوا الحياة في هذا البلد على اللجوء إلى الدول الأوروبية”، وفق رأي الصحافي السوري مصعب حمادي، الذي يضيف أن من السوريين أيضاً “من آثر الرباط في هذا البلد الجار على أمل العودة للوطن عندما تهدأ الأحوال. وفي كل الأحوال يشعر السوري المقيم في تركيا بلمسة الحنوّ التي يتركها هذا البلد لدى اللائذين به، سواء أتت من الحكومة أم من الشعب الودود القريب للسوريين في عاداتهم وقيمهم وأخلاقهم”.
غير أن أيمن محمد، وهو صحافي يقيم في غازي عينتاب، يعتبر أن “كل سوري لا يريد لأي مدني في أي بقعة من الأرض أن يتأذى جراء تفجير أو عملية إرهابية، فالإنسان السوري عانى الظلم والتفجيرات التي حصدت آلاف المدنيين الأبرياء ولهذا يستنكر على الدوام الهجمات والتفجيرات التي تستهدف المدنيين”، ويستدرك بالقول “ومع ربط تهمة الإرهاب بما يجرى في سورية، بات اللاجئون السوريون يتخوفون من أي تفجير إرهابي يستهدف أي بقعة جغرافية في العالم، خشية أن يتم إلصاق التهمة بهم، فتراهم يتعاطفون مع ضحايا التفجير ويتخوفون من أي رد فعل تجاههم في بلدان اللجوء”.
منوّهاً إلى وجود حوالي 2.7 مليون سوري في تركيا، يطلق عليهم اسم “لاجئين” مجازاً، إذ يعتبرهم المسؤولون الأتراك “ضيوفاً”، لأن قوانين الدولة التركية لا تسمح بتصنيفهم لاجئين، وفق الاتفاقية التي وقعتها مع الأمم المتحدة عام 1951، لذلك استحدثت الحكومة التركية قانون “الحماية الموقتة”، الذي يتضمن الإقامة غير المحدودة في تركيا، والحماية من الإعادة القسرية، وتوفير خدمات الاستقبال، ومعالجة الاحتياجات الأساسية الفورية.
ويذكر التقرير، أن الحكومة التركية تقدّم مساعدات للسوريين في شكل منتظم داخل المخيمات، أما بالنسبة إلى من هم خارجها، فتقدم المساعدة على أسس خاصة، باستثناء الحصول على الرعاية الصحية والطبية العامة، التي فتحت أمام جميع السوريين في تركيا. ومع ذلك يعاني القسم الأعظم منهم، سواء اللاجئون داخل المخيمات أم الذين يمارسون أعمالاً خارجها، من تبعات الهجرة القسرية، ومن صعوبات معيشية، تتصل بالعمل والإقامة والاندماج، على رغم أن أوضاعهم في تركيا أفضل بكثير من أوضاع نظرائهم في البلدان العربية، وخصوصاً لبنان والأردن ومصر.
ويبيّن التقرير أنه ومع كل تفجير إرهابي في تركيا، يطالب الناشطون السوريون بالابتعاد عن التجمعات والساحات العامة والدوائر الحكومية التركية ومخافر الشرطة، تحسباً لوقوع أي حادث جديد قد يؤدي إلى إصابتهم بمكروه، فالأوضاع متوترة للغاية مع انتشار رجال الأمن والشرطة التركية في شكل مكثف في الشوارع والساحات، وتنفيذ مداهمات للأماكن حيث يشتبه بوجود خلايا نائمة تابعة لحزب العمال الكردستاني أو “داعش” أو سواهما.
وعندما أجريت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا توقع ناشطون سوريون أن تشهد تركيا مزيداً من أعمال العنف، خصوصاً أن خصوم حزب العدالة والتنمية وفي مقدمهم حزب الشعب الجمهوري، ينتظرون، وفق ما كتب أحد الناشطين آنذاك “أي فرصة لاستغلالها في الانتخابات، لذلك يجب على جميع السوريين أن يكونوا حذرين في الفترة القادمة وعدم الوقوع في أي مشاكل قد تثير استياء بعض الأتراك”.
ويؤكّد التقرير أن العمليات الإرهابية تولد شعوراً متزايداً بالخوف على تركيا لدى غالبية المقيمين فيها، ويعتبر “مصعب حمادي” أن “ليس أبغض على السوري الذي يعيش في تركيا من سماع خبر تفجير هنا وهجوم مسلح هناك، وكأنما كتب على الذين هربوا من أتون الحرب ومحرقة البراميل المتفجرة أن تلاحقهم اللعنات أينما حلوا. وأول ما يراود السوري عند سماع هكذا أخبار شعور بالضيق وكأنما الدنيا تطبق على أنفاسه”. ثم يتساءل: “أين يذهب لو حلّ مكروه بهذا البلد؟ أبواب التهريب أقفلت أو تكاد، وأوروبا التي اكتوت هي الأخرى بنار العمليات الإرهابية لم تعد مستعدة لاستقبال لاجئ واحد. ومن جهةٍ أخرى ماذا لو أدى اضطراب الأحوال هنا إلى وصول فئات للحكم تعادي اللاجئين السوريين وتتحالف مع النظام السوري لإعادتهم أو تمكينه من النيل منهم، خصوصاً أن أصواتاً في تركيا صارت تجاهر بمشاعرها السلبية تجاه السوريين كتلك الوثيقة التي وقع عليها عشرات آلاف الأتراك والتي تدعو الحكومة لإرسال الشباب السوريين إلى محرقة الحرب في بلادهم والتوقف عن استقبالهم على الأراضي التركية”.
ويصف “حمادي” شعور السوريين حيال أي عمل إرهابي يطاول تركيا، بأنه شعور غير مبرر بالذنب، فالنظام السوري الذي يخترق التنظيمات الإرهابية، لا بد أنه يضحك في سريرته عند كل عمل إرهابي يضرب تركيا، التي تستحق وفق ما يتمنى هذا النظام أكبر العقوبات على تأييدها الشعب السوري الذي رفض حياة الذل تحت حكم آل الأسد، وانتفض ثائراً في وجهه قبل أن يواجه الطرد من وطنه والإقامة في الحضن التركي الذي يبرد يوماً بعد يوم”.
صحيفة الحياة
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=1945