عنب بلدي – نور دالاتي
“أجهزة، صيانة، سوفت وير”، هي كلمات دلالية تُطبع غالبًا على واجهات محال بيع وتصليح الهواتف المحمولة في سوريا، أما بالنسبة للسوريين الذين نقلوا مهنتهم إلى المدن التركية فأضافوا إليها كلمة “تتريك”.
ورغم أن هذه المفردة ارتبطت لعقود طويلة بمفاهيم ثقافية، لكنها باتت تقتصر اليوم لدى السوريين في تركيا على عملية تقنية تختبئ خلفها سلسلة من العمليات التي تشكل تجارتهم للهواتف المحمولة في تركيا.
تنتشر محال بيع الأجهزة الخلوية السورية في أغلب الولايات التركية، وتحديدًا في الولايات التي يكثر فيها السوريون، كهاتاي وغازي عنتاب وأورفا في الجنوب، وولاية اسطنبول في الشمال الغربي، وتشكل مقصدًا أساسيًا للعرب والأتراك الراغبين بالحصول على أجهزة بسعر أخفض من سعر السوق.
أغلب الأجهزة التي تباع في هذه المحال دخلت البلاد بطريقة غير شرعية في محاولة من تجارها للتهرب من الجمارك التي تفرضها تركيا على استيراد الهواتف المحمولة، ما وفرّ لديهم بضائع بأسعار أخفض مقارنة بما تعرضه المتاجر التركية.
إدلب.. “سوق هال” لتجارة الهواتف في تركيا
“تأتي طلبية الهاتف المحمول من أحد التجار السوريين في تركيا، وتقوم شبكة من وسطاء وتجار ومهربين في الشمال السوري بتأمينها”، بهذه الكلمات يلخّص أحمد، وهو تاجر يقيم في محافظة إدلب، عملية تزويد أسواق السوريين في تركيا بالهواتف الحمولة.
يدير عملية التوريد هذه، في إدلب والشمال السوري عمومًا، مجموعة من التجار الذين يستقدمون شحنات كبيرة من الهواتف المحمولة من الإمارات العربية المتحدة والصين، وتمر من تركيا عبر طرق “ترانزيت” لتعود إليها مرة تانية بطريقة غير شرعية.
يضيف أحمد، الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بطبيعة عمله، “يكسب التجار أرباحًا تتراوح بين 20 و50 دولارًا أمريكي للجهاز الواحد، وقد ترتفع هذه الأرباح في حال كان الجهاز أغلى ثمنًا”، لافتًا إلى أن الطلبية الواحدة قد تصل إلى 200 جهاز، ما يعني أن المرابح قد تصل إلى نحو 10 آلاف دولار للشحنة الواحدة في أفضل الأحوال.
ولا يصل هذا الربح كاملًا إلى يد التجار في الشمال السوري، بل يتم توزيعه على المشاركين في العملية من مهربين ووسطاء.
العملية ذاتها كانت تتم باتجاه أسواق الهواتف المحمولة في المناطق التي يسيطر عليها النظام، لكنها توقفت بعد أن أصدرت وزارة الاتصالات والتقانة في حكومة النظام عام 2016 قرارًا يقضي بضرورة التصريح عن أجهزة الهاتف المحمول التي يتم شراؤها من خارج سوريا، ودفع مبلغ مالي لقاء فك تقييدها.
أما بالنسبة لسوق التهريب إلى تركيا، فتراجع أيضًا خلال العام الحالي بعد أن توسعت تركيا ببناء الجدار العازل على حدودها الجنوبية منعًا لعمليات التهريب.
السوريون يبيعون و”يترّكون”
تفرض تركيا رسومًا جمركية مرتفعة على استيراد الهواتف المحمولة، تبلغ 18% من قيمة الجهاز المستورد من بلدان الاتحاد الاوروبي، وتصل إلى 20% من أسعار الأجهزة القادمة من باقي دول العالم.
وتقابل تلك الرسوم المرتفعة، تجارة هواتف محمولة نشطة للغاية، إذ يشير تقرير صادر عن هيئة الإحصاء التركية، أن قيمة الهواتف المحمولة التي استوردتها تركيا من خارج البلد بين عامي 2007 و2017 بلغت أكثر من 23 مليار دولار أمريكي.
لكن الهواتف التي يبيعها ويشتريها السوريون في تركيا لا تدخل في هذه العملية، كونها تقتصر على الأجهزة المهربة.
ولم يتأثر سوق الهواتف المحمولة كثيرًا بتقلص عدد شبكات التهريب التي تأتي بالأجهزة من إدلب، بل باتت تعتمد بشكل أكبر على شحنات التهريب من العراق.
ووفق ما أوضحه أحد تجار الهواتف المحمولة في مدينة أنطاكيا، جنوب غربي تركيا، لعنب بلدي، فإن قسمًا كبيرًا من الأجهزة التي يبيعها السوريون اليوم تأتي من العراق بوساطة مهربين سوريين وأتراك.
ولفت التاجر، الذي رفض ذكر اسمه الصريح في التقرير لمخاوف أمنية، إلى أن المصدر الأساسي لتلك الأجهزة هو فيتنام والهند والصين.
وتشهد هذه الأجهزة طلبًا كبيرًا من السوريين والعرب عمومًا، كما أوضح التاجر أن الأتراك بدؤوا أيضًا يعتمدون على شراء هواتفهم المحمولة من متاجر السوريين نظرًا لسعرها المنخفض.
سعر “التتريك” يتحكم بالطلب على الجهاز
تعد هواتف “Samsung” أكثر أنواع الهواتف المحمولة طلبًا من قبل السوريين في تركيا، كونها تعمل دون فك تقييد لمدة من الزمن قبل قفلها، أما الأجهزة التي تتيح إدخال شريحتين فهي تمنح لمشتريها فرصة استخدامها لوقت أطول قبل “التتريك”.
الأجهزة الأخرى من أنواع “Sony” و”HTC” و”LG” و”Hawaui” تأتي في مرتبة ثانية من حيث الإقبال، كونها تحتاج إلى “تتريك” إما عن طريق دوائر الضرائب في تركيا التي تفرض رسومًا بقيمة 19% من سعر الجهاز على مستخدمه، أو عبر برامج احتيالية يستخدمها مبرمجو الهواتف المحمولة.
وتأتي هواتف “Iphone” كأقل الأجهزة إقبالًا من قبل السوريين، نتيجة الضريبة المرتفعة المفروضة على فك تقييدها من قبل دوائر الضرائب، إضافة إلى صعوبة “تتريكها” بوساطة البرامج الاحتيالية.
تاجر الهواتف المحمولة في مدينة أنطاكيا أوضح لعنب بلدي أن سلسلة “Samsung J” لا تزال الأكثر طلبًا من قبل زبائنه، موضحًا أن أسعارها تتراوح بين 155 و250 دولارًا أمريكيًا (1 دولار= 6.5 ليرة تركية).
أما أسعار هذه السلسلة في المتاجر التركية فيتراوح بين 180و400 دولار أمريكي.
هواتف “Huawei” أيضًا بدأت تشهد إقبالًا كبيرًا من قبل السوريين، وتتراوح أسعارها بين 200 و300 دولار أمريكي.
ويترواح سعر هواتف ” Huawei” في المتاجر التركية بين 250 و600 دولار أمريكي.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=67718