تركيا بالعربي / محمد عويس
تحاول تركيا وعلى طريقة “النهضة” ومنذ زمن بمحاولات مضنية لأخذ شرف الانضمام للاتحاد الاوربي،أو حسب ما يراه بعض اعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم والذي يتبنى بدوره هذه الفكرة ويسعى لتحقيقها كخطة استراتيجية ونقلة نوعيه على طريق النهضة،وكان الحزب في السابق يدلل علي فكرة “الإندماج” وأن لها ايجابيات لاحصر لها تعود على تركيا،وأظن أن هذه الفكرة اصبحت الآن مبتذلة، وقد انطفئ بريقها،سواء داخل أروقة الحزب الحاكم اوفي نظر الشعب داخل تركيا.
ما دعاني أن أكتب هذه السطور،هو تسلسل الأحداث والممارسات الغربية المستمرة تجاه تركيا منذ فترة،ولعل أبرز هذه الأحداث التي سوف اتناول الحديث عنها،هي الفترة الأخيرة قبيل استقالة ما أسميه بـ”عرّاب” الانضمام الى الاتحاد الأوروبي “أحمد دوود أوغلو”رئيس وزراء تركيا آنذاك،وما بعدها وحتى الآن.
لقد قطعت تركيا شوطا كبيرا في وقت ليس بالقليل،لفتح بعض الملفات الخاصة بطلب الانضمام للاتحاد،والذي كانت على حساب مبادئها كدولة مسلمة،أملاً في تحقيق سراب الانضمام،ولكن قوبلت”بالمتوقع”بعكس ما ترغب فيه “الادارة التركية”من الجانب الاوروبي.
إعلان
الجميع يعلم أن أوروبا لها أهدافها الخاصة “من تركيا” وأن ألاعيبها باتت مكشوفة للعيان،و أن أمل استرجاع العاصمة البيزانطية “القسطنطينة” كما نجحوا في استرجاع “الأندلس” مازال يراوض فكر الكنيسة الغربية،ولم ولن يهدء بالهم إلا بتحقيق ذلك حتى وإن طال الزمن.
رفض الانضمام أزلي
رفض الغرب لتركيا كدولة أن تكون عضو في الاتحاد ليس حديث العهد ولكنه أزلي،ومنذ زمن طويل تسعى تركيا للإنضمام ولكن وضعوا أمامها العراقيل مكونه من35 ملفا لابد من مطابقته وتكييفة حسب المزاج الأوروبي،وقد كشفت وثائق ويكليكس عام 2010 عن برقيات دبلوماسية أميركية سرية ونشرتها صحيفة “ديرتاجسشبيغيل” الألمانية، وسلطت الأضواء على حقائق جديدة تتعلق برفض الاتحاد الأوروبي لقبول تركيا في عضويته، وحالة الامتعاض المتصاعدة بين الأتراك تجاه أوروبا.
إعلان
ومنذ ان ظهر التوتر في العلاقات مع دول الاتحاد على السطح في الآونة الخيرةعقب اندلاع الأزمة السورية،مما تسبب في تضفق”اللاجئين”على دول أوروبا،تم على اثرها سماع بعض التصريحات الحاد بنبرة تهديد،وتكرارا للمشهد البائس،من بعض زعمائهم والتي كشفت عن ما بداخلهم تجاه تركيا،وأنها لن تستطيع الانضمام للاتحاد،وهذا ما يعتبروه أنه حلم صعب المنال.
العدول عن فكرة الأندماج أمراً واداً
إعلان
لقد أصبح ما كان يحلم بتحقيقة بعض رجالات الدولة التركية في يوماً ما،”الانضمام لإتحاد الأوروبي” أصبح الآن صعب المنال،وفكرة حسب ما يراه البعض،بعيدة التحقيق،في ظل تصاعد العداء المستمر ،الذي ظهر جلياً في الآونة الأخيرة،على لسان كثيرين من صناع القرار الغربي في كثير من المواقف ضد تركيا حكومة وشعبا،وامتعاضهم لسياسة “أردوغان”الحالية في المنطقة.
ومع تسارع الاحداث في المنطقة ووضوح ازدواجية الغرب في التعامل مع المستجدات،هنا أدركت تركيا أن عليها وحدها أن تتحمل عبء افشال مخططات تحاك بها،وبدول المنطقة ككل والتي على رأسها مخطط” التقسيم”.
تعاملت تركيا ومنذ البداية مع الأحداث،بشيء من المرونة تارة والجمود تارة،والشدة تارة واللين تارة أخرى، حتى تستطيع ان تتخلّص وتفشل بعض المؤامرات والتي كانت أخطرها محاولة “الانقلاب الفاشلة” تموز/يوليو 2016.
أدركت تركيا انها تلعب بمفردها في منئ عن باقي الدول،فتحدت وقبلة التحدي وصعدت من اجراءاتها،دبلوماسياً وعسكرياً لكثير من الملفات التي تحتاج لتحديد مصير،فيما يتعلق باللاجئين ،ومصير الأسد،ومصير التنظيمات الإرهابية في المنطقة،والمنطقة العازلة….إلخ وتدخلت في سوريا والعراق عسكريا لتكسر بذلك حواجز كانت في السابق معد لهاتحت مسميات عدة.
حاول “عرّاب” الإنضمام السيد أحمد داوود أوغلو كثيراً، أن تستمر ممرات تواصلمع الغرب،من خلال اقناع رئيس الجمهورية، بالعدول عن بعض السياسات أو تأخير اتخاذ القرار فيها لوقت أخر،ولكن كانت النتيجة ،أن دعاه أردوغان بالاستقالة لما فرضته الظروف عليه من تغير ات جذرية في السياسات الداخلية والخارجية للدولة التركية، ورأى وقتها أن هذا الوقت غير مناسب لما يطرحه السيد “داوود أوغلو” بحسب ما يراه أردوغان فدعاه لتقديم استقالته ففعل وأن يخرج من المشهد الذي لا يروقه،وهنا أصبحت فكرة العدول عن فكرة الانضمام الى الاتحاد الأوروبي ،أمرا وارداً وبقوة.
الأمور واضحة وجلية
أما وقد أصبحت الأمور واضحة وجلية في أن أوروبا تعتبر كـ”داعم” أصيل للتنظيمات الأرهابية ” ب ك ك ” رغم أنف تركيا الحليف،وموقفها السلبي الواضح من المحاولة الانقلابية ،بل ووصفه “أردوغان” بالديكتاتور، ردا على اجراءاته الصّارمة تجاه عناصر تنظيم “غولن”.
كان لهذه الأسباب وغيرها سبباً في تسرع الخطى نحو مزيدا من الإستقلالية والاعلان عن تعديل بعض مواد الدستور،والذي من شأنها تغيير نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي، الامر الذي استشاط معه غضب الغرب،فعمدوا على إفشاله بشتى الطرق الدنيئة والبعيدة كل البعد عن ديمقراطيتهم الزائفة، فتصاعدت التوترات قبيل الاستفتاء على الدستور بما سمى حينها ” بالازمة الدبلوماسية” مع هولاندا،وغيرها من الدول الغربية، ولكن باءت جميع محاولتهم هذه المرة بالفشل،فأصبحت هذا الجولة لصالح تغيير نظام الحكم في تركيا الى نظام رئاسي.
موقف أوروبا يتغير بين عشية وضحاها
أوروبا بعد ان كانت تحارب بجهود مكثفة جبارة ، وداعمة لكل ما يعرقل تمرير التعديلات الدستورية في تركيا في وضح النهار ،جاءت في لحظة تغير موقفها ما بين عشية وضحاها،فاصبحت أوروبا اليوم تختلف عن أوروبا الأمس،وكأن شيئا لم يحدثمن قبل، وأعلنت الاعتراف بنتائج الاستفتاء “زراً للرماد” لتعتيم الرؤيا عن الاحداث, و تزييف الحقائق وحجببها.
وكما ذكرت وكالات الأنباء ،أنه قد جاء الإعتراف على لسان مسؤولة الشؤون الخارجية وسياسة الأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، زاعمة أن “الاتحاد يعترف بنتائج الاستفتاء التركي انطلاقا من اهتمامه باستقرار الجارة تركيا”
وأكدت موغيريني، في ندوة صحفية بالعاصمة البلجيكية بروكسل، قائلة إننا “نحترم ونعترف بالحق السيادي لأي دولة، بتحديد نظام الحكم كما فعلت تركيا عبر الاستفتاء على تعديل الدستور”.
إعلان
وبعد أن تأكد لدى الجميع الوجه الحقيق للغرب، وازدواجية تعامله، فهل من أحد ما زال يصرّ على فكرة الانضمام للإتحاد الأوروبي؟!!
إعلان
إعلان
وهل ستستأنف تركيا فكرة “الانضمام للاتحاد” بعد أخذ رأي الشعب في استفتاء شعبي؟وهل ستشهد الأيام المقبله كسراً أكثر للحواجز والحدود التي وضعهتا الغرب امام تركيا كشرط للإنضمام للإتحاد الاروروبي بتمرير “استفتاء” أخر على تطبيق حكم الإعدام في البلاد بعد أن كان محرما عليها؟
إعلان
أم أن لدى الحزب الحاكم “لوبي” مؤثر معه من الأدلة ما يقنع “أردوغان” بالتسوية السياسية مع الغرب،والمضي في الانضمام دون الحاجة لإستفتاء؟!! أم أن تركيا أخذت على عاتقها تسريع الخطى نحو مزيدا من الاستقلالية وعدم التقييد باتحاد أو غيره؟