جرت العادة في تركيا خلال شهر رمضان المبارك، أن يختار أهالي إسطنبول وزائروها مكانا روحانيا مميزا، لتتويج نهار صومهم بالإفطار الروحاني في ربوع المدينة الواسعة الزاخرة بتلك الأماكن.
“السلطان أحمد”، إحدى أشهر مناطق إسطنبول، وهي قلب المدينة النابض، إذ تقع داخل الأسوار العتيقة، في أول تلة من تلالها السبع، وتضم معالم روحانية كثيرة.
وأبرز تلك المعالم مسجد “السلطان أحمد”، أحد أكبر المساجد التي بنيت في العصر العثماني، ويسمى أيضا “الجامع الأزرق”، ويقع قبالة متحف “آيا صوفيا” الذي كان كنيسة ثم تحول بعد الفتح العثماني إلى مسجد قبل أن يعود إلى حاله الأول، فضلا عن قصر “توب قابي”.
وهذه المنطقة بما فيها من مراكز تاريخية وروحانية، تذكر بعبق التاريخ، وتتمازج مع التطور الحضاري، والوصول إليها عبر وسائل النقل الحديثة وأبرزها خط الترام.
إعلان
ونظرا للمكانة التاريخية والروحانية لهذه المنطقة، أصبحت قبلة لسكان إسطنبول وزائريها من الأتراك والأجانب، حيث يتدفق يوميا إليها آلاف الزائرين الذين تتضاعف أعدادهم في شهر رمضان.
الصائمون الراغبون بتتويج صيامهم بالإفطار في المكان، يحضرون معهم أطعمتهم المعدة في المنزل، من مختلف المأكولات التركية المميزة، يفترشون الحدائق ويصنعون سفرة طعام مميزة على الأعشاب الخضراء.
ونظرا لهذه الرغبة الشعبية الملحة، وفرت بلدية “الفاتح” طاولات مخصصة لتناول وجبة الإفطار، تتسع لنحو ألف صائم، فضلا عن آلاف آخرين يفترشون الحدائق.
إعلان
ونظمت البلدية في أول أيام رمضان من العام الجاري، إفطارا جماعيا على مائدة اتسعت لـ 30 ألف صائم، أفطروا مع إطلاقة من مدفع الإفطار.
وتشهد المنطقة كذلك فعاليات متعددة، تبعث بروح التاريخ، وتذكر بروحانية رمضان، من أناشيد دينية، وعزف لفرقة “المهتار” العثمانية، وتلاوة للقرآن، في أجواء تميز رمضان في هذه المنطقة عن الأيام العادية.
إعلان
“نزاهت غوك”، سيدة تركية وفدت من أحد أحياء إسطنبول، وهي تنحدر أساسا من ولاية أخرى، تأتي سنويا للإفطار هنا مع صديقاتها، قالت: “كل عام أسعى للقدوم إلى السلطان أحمد من أجل الإفطار مع أصدقائي المقربين”.
وعن سبب هذا الاختيار أضافت في حديث للأناضول: “اخترنا هذا المكان لأنه منعش وجميل ومؤثر معنويا وروحانيا، كما نذهب للمناطق الروحانية الأخرى، وهذا المكان من أهم الأماكن”.
وتابعت: “هنا جو مختلف وشعور جميل يختلف عن البيت، شعور مختلف بالإفطار مع الآخرين، وفيه روحانيات كثيرة، ونتواصل مع أصدقائنا حيث إننا في البيت لا يمكن أن نتواجد، كما أننا نفطر مع أناس لا نعرفهم، فهنا شعور بالطمأنينة”.
ووجهت “غوك” حديثها للصائمين والزائرين قائلة: “أتوجه لكل الزائرين من تركيا وخارجها، بتجربة هذا الشعور الجميل في هذه الأماكن الروحانية”.
أما العم “جميل يلماز”، الذي قدم أيضا من خارج إسطنبول (لم يحدد أين) فقال: “في إسطنبول الشعور مختلف، جئنا من مكان بعيد، هنا أشعر بالجو القديم، الجو العثماني الرائع، إن تفرقنا نختفي، وإن نتحد نشبع جميعا، كما قال الشاعر التركي يونس إمره”.
وأضاف: “قول الشاعر مغروس في جوهرنا، هنا الجو الروحاني مختلف، لا يوجد في البيوت والمطاعم، لذلك فضلنا القدوم إلى هنا مع زوجتي”.
وتحدث عن فرحة الصائم بالإفطار الجماعي قائلا: “هذا ما نعجز عن وصفه، ومع الازدحام والجو الروحاني يكون إفطارا مميزا، ونأكل أكثر من الفرحة، يبدو أن النسمات الإيمانية جميلة هنا، حيث نأتي كل عام مرة، والخدمات الموفرة من قبل الجهات الرسمية جيدة وكافية”.