كان جورج بوش، يقول إن العالم سيكون أكثر أمنًا من دون صدّام حسين. كان يقول محقّا إن شعب العراق يتطلع إلى التخلص من نظام هذا الديكتاتور، فأنجزت إدارتُه تحالفًا دوليًّا من أجل اقتلاع هذا النظام، ثم تتابعت الوقائع المشهورة، بعد أن تذرّع “بوش” بحقائق معلومة، وأخرى اصطنعها، وثالثةً بيْن بيْن، منها احتفاظ “صدّامط بسلاحٍ كيميائي، واستخدامه شيئًا منه ضد عراقيين.
وهذا بشّار الأسد، يراه دونالد ترامب، يحتفظ بسلاحٍ كيميائي، واستخدم شيئًا منه ضد سوريين، ويقول مسؤولون في إدارة هذا الرئيس الأمريكي الجمهوري، كما قال مسؤولون في إدارة سلفه الديمقراطي، باراك أوباما، إن الشعب السوري يتطلع إلى التخلّص من نظام الديكتاتور. وزِيْدَ في مواسم كلامية أمريكية، في غضون الإدارتين، كلامٌ آخر عن هذا النظام نصيرًا للإرهاب وصانعًا له. وفي الوسع أن يقع واحدُنا على مفرداتٍ متشابهاتٍ في ما كان يقوله بوش الابن وجماعته عن “صدّام” ونظامه الآفل وما ظلت تقوله إدارتا ترامب وأوباما عن “الأسد” ونظامه الراهن، غير أن الأخير محظوظٌ بحرصٍ شديدٍ من الإدارتين على عدم تغييره، لا بالسياسة كما ينطق بذلك بيان “جنيف 1″، ولا بالصواريخ، كما عوين قبل عام على مطار الشعيرات، وقبل أيامٍ على عدة مطارح في سوريا. يحدث هذا فيما كان صدّام على هوى إدارة بوش الابن، خصمًا لإيران، فيما بشّار الأسد على غير هوى إدارة ترامب، حليفٌ عضودٌ لإيران.
ما القصة إذن؟ لماذا تقتلع أمريكا نظام صدّام حسين في العراق، وتترك بشّار الأسد في سوريا يدخل إلى مكتبه بعد قصفٍ ثلاثي، آمنًا، موفور الثقة، ليبدأ دوامَه في يوم عملٍ بالغ العادية؟ أين هي بالضبط القطبة المخفيّة في هذا؟ ما السر في قلة الحماسة الأمريكية لتغيير نظام الأسد، وهو الذي جاء إلى سوريا بإيران، عسكرًا ومليشياتٍ ومجاميع بشرية، وجاء بروسيا قوةً عسكرية ظاهرة؟ يتوفر هذا النظام على كثيرٍ مما كان عليه نظيره نظام صدّام حسين، بل تجاوز الأخير في غير شأن. ولكن، تخسر الولايات المتحدة آلافًا من جنودها، وتنفق مليارات الدولارات في غزو العراق واحتلاله، ثم تقدّم هذا البلد إلى طواقم موالية لإيران، فيما تعلن وزارة الدفاع الأمريكية أن الولايات المتحدة معنيةٌ في سوريا بأمرين، عدم حيازة “نظام الأسد” سلاحًا كيميائيًّا، وإنهاء “تنظيم الدولة” ، أما إسقاط “الأسد” فليس من مشاغلها.
أُنفق كلامٌ كثير في تفسيراتٍ غزيرةٍ، كثيرها مضجرٌ وقليلها مفيد، عن الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، أو على الأصح عن انعدامها. وقصة ازورار الولايات المتحدة عن التورّط في حروبٍ في الخارج ليست مقنعةً بالقدر الكافي، فثمّة خياراتٌ عديدةٌ أمام الولايات المتحدة لتزاول دورًا في إنقاذ سوريا من “نظام الأسد”، من دون حاجةٍ إلى أي حربٍ، من الحماقة أصلًا أن يُطالَب بها. ثمّة الفاعلية السياسية الضاغطة من أجل إنفاذ البنود الستة في بيان “جنيف 1” الذي وقّعت عليه واشنطن وموسكو، قبل أن تنشط الأخيرة في إزاحته عن أي تداول، الأمر الذي لم تقصّر فيه أيضا واشنطن، زمنيْ أوباما وترامب، وقد قالت تلك البنود بالوصول إلى هيئة حكم انتقالي في سورية.
هل من عاملٍ إسرائيليٍّ جعل نظام صدّام حسين محرومًا مما ينعم به بشار الأسد، منذ سبع سنواتٍ، من لينٍ أمريكي؟ الجواب: ربما. كان نظام صدّام ممانعًا، ضَرَبَ مواقع في إسرائيل في أثناء العملية العسكرية الدولية التي أجبرته على الخروج من الكويت في 1991. ارتكب الفعل الحرام، لم يردّ على اعتداء من إسرائيل، بل هو الذي ضربها، وإنْ لم تُحدِث ضرباتُه تلك شيئًا غير مشاهدة فلسطينيين في مخيم البقعة في الأردن وجهَه في القمر. لم يقتُل نظامُه فلسطينيين في لبنان، ولم يعمل على هدم منظمة التحرير، بل ضرب إسرائيل.
أما بشّار الأسد، فكما والدُه، لم يُقدم، ولو مرة، على شيءٍ من هذا، ولو استعراضًا. أنجز الأب حروبًا ضد فلسطينيين كثيرين في عدة جولات، في غير مخيم وموضع في لبنان. كان عدوًا نشطًا ضد أي كيانيةٍ فلسطينية. وهذا ابنه الوريث، مخلصٌ في ائتمانه عقيدة عدم خدش إسرائيل بحجر.. ألا يكفي هذا الأمر ليكون سببًا لحصانة “الأسد” من السقوط، سيّما وأنه أهدى إسرائيل هديةً ليس ثمّة ما هو أثمن منها: إسقاط سوريا وتحطيمها، دولةً ومجتمعًا وجيشًا؟ الجواب: ربما.
بقلم: معن البياري / الدرر الشامية
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=50242