بعد غيابها تسعة عقود، عادت اللغة العربية إلى صدارة المشهد في تركيا، وتشكلت في عدة صور ومجالات لتعكس أهميتها في المجتمع التركي، الذي يحتضن أكثر من 4 ملايين عربي من المقيمين واللاجئين.
أُلغيت اللغة العربية في تركيا منذ تولي مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1923، بعد إعلانه إلغاء الخلافة وولادة الجمهورية التركية، وجعله من أنقرة عاصمةً للدولة التركية بدلاً من إسطنبول التي كانت عاصمة الخلافة العثمانية.
إذ بدأ أتاتورك عهداً من التغريب وتكريس العلمانية؛ وذلك بمنعه المدارس الدينية وإلغائه المحاكمات الشرعية، واستبدال الحروف اللاتينية بدلاً من الحروف العربية في الكتابة.
وتحتوي اللغة التركية على 6459 مفردة عربية، وفي عهد الإسلام كتب الأتراك لغتهم بالعربية وسُميت آنذاك “العثمانية” واعتُبرت اللغة العربية حينها بالروح لتركيا.
وظلت التغيرات التي أدخلها أتاتورك على الحياة التركية موضع جدل حتى اليوم، وفي ظل حكم الرئيس التركي رجب طيب آردوغان، وتوسيع صلاحياته بعد التعديلات الدستورية التي جرت في أبريل/نيسان الماضي، وتغييره العديد من القوانين في الدولة، أضحت هناك مؤشرات لإعادة تركيا لعهدها المسلوب.
-أهمية اللغة العربية
وفي الآونة الأخيرة، بات من الضروري في هذا المجتمع أن يلتفت إلى العربية، لغايات لا تتعلق بالعلوم الإسلامية فقط، كما هو سائد تاريخياً؛ بل لأهداف مرتبطة في سوق العمل المشترك، لا سيما في قطاعات الترجمة والسياحة والعقارات والتصدير والاستيراد والبيع بالأسواق التي يرتادها السائحون العرب.
اللغة العربية موجودة تاريخياً في نسيج المجتمع التركي ولها مكانة هامة في الوجدان الجماعي لأبناء الأناضول، نتيجة عوامل مختلفة، أبرزها الدين الإسلامي.
معلمة اللغة العربية، عائشة ناصر، في مدرسة “ابن خلدون السورية المؤقتة” بإسطنبول، والتي تأخذ دورة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، تقول: إن “هناك إقبالاً كبيراً من الأتراك على تعلُّم اللغة لأسباب دينية؛ إذ إنهم يقرأون القرآن ولا يفهمون معناه، كما أن وجود عدد كبير من السوريين في مجتمعهم دفعهم لذلك؛ للاندماج معهم”.
وتضيف المعلمة لـ”الخليج أونلاين”، أن “(أكاديمية إسطنبول) طرحت العديد من الدورات لتعليم وتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وسجل بها عرب من جنسيات مختلفة، ومنها: السورية والعراقية واللبنانية والمصرية، ويسعى هؤلاء للعمل في مجال تدريس العربية للأتراك”.
– تدريسها رسمياً
العربية أصبحت الآن متاحة في كل مراحل التدريس بتركيا؛ فمنذ عام 2015 وُضعت لغة اختيارية في المدارس الابتدائية والمتوسطة، وهي إجبارية في الثانويات الشرعية وفي كليات الإلهيات.
ودوافع تعلّم اللغة العربية مختلفة من شخص لآخر، وهذا ما أكده أحمد خليل، أستاذ اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة سلجوق في مدينة قونية التركية؛ إذ قال: “ثمة تغير في دوافع تعلُّم العربية، تاريخياً كان السائد تعلُّم العربية من أجل الانتفاع بها في مجالات العلوم الشرعية، غير أن السنوات الأخيرة شهدت اتجاهاً متزايداً من الطلاب نحو تعلمها للاستفادة منها في منشطَين مغايرين: لتعليم العربية في المدارس بعد التخرج، وللدخول في سوق العمل التجاري”.
ومواكَبةً لهذا الإقبال، قال خليل لـ”الخليج أونلاين”: إن “مناهج الكلية تحاول تهيئة الطلاب من خلال دروس لمواد كلغة التجارة، والمراسلات التجارية”.
ورغم أنه تلقى مبادئ اللغة العربية في مدارس الإمام الخطيب، فإن انفتاح تركيا على الشرق الأوسط والعالم العربي وازدياد الشركات التركية العاملة في الدول العربية، بالإضافة إلى وفود أعداد ضخمة من السائحين العرب إلى تركيا، كل هذه كانت دوافع حفزت نور الدين جيلان، كما صرح لـ”الخليج أونلاين”، على تطوير لغته العربية ومحاولة الارتقاء بها؛ للمنافسة في سوق العمل “رغم صعوبتها الشديدة، واستحالة إتقانها بشكل كامل”.
– لافتات إرشادية
من جهة أخرى، عززت تركيا وجود اللغة العربية في العديد من الأماكن، ومنها السياحية والحكومية؛ نظراً لأهمية وجودها لإرشاد العرب.
فحين تتجوّل في المطاعم والشوارع والدوائر الحكومية، ستجد لافتات كُتب عليها باللغة العربية والإنجليزية والتركية.
وتهدف هذه اللوحات إلى التعريف بالعناوين في شوارع إسطنبول، كالمتاحف الأثرية ومحطات النقل البري والبحري، إضافة إلى المساجد والميادين والحدائق، وغيرها.
وتنتشر هذه اللوحات التعريفية في العديد من مناطق إسطنبول، لا سيما “زيتين بورنو”، و”طوب قابي”، إضافة إلى حي الفاتح، وهو مركز المدينة وقِبلة السائحين العرب فيها.
وبدأت اللغة العربية بالانتشار مجدداً في اللوحات الإلكترونية بوسائل المواصلات العامة، مثل “المترو” و”ترام واي”.
وعند دخولك لبعض المطاعم تجد قوائم الطعام فيها اللغة العربية والتركية والإنجليزية.
وسنوياً، يقصد الملايين من السائحين العرب تركيا، وتعد إسطنبول من المدن السياحية المفضلة بالدرجة الأولى لديهم.
– خدمات اتصالات بالعربية
وللتسهيل على العرب أيضاً، أطلقت شركة الاتصالات التركية “ترك تيليكوم”، مشروعاً جديداً باللغة العربية؛ لخدمة زبائنها العرب ولتجذب المزيد منهم.
كما قات مديرية أمن إسطنبول “الأمنيات” بإطلاق خدمة الاستفسار هاتفياً باللغة العربية، كما أطلقت عدة مصارف تركية خدمات ناطقة باللغة العربية إلى جانب تحديث الصرافات الآلية المنتشرة لتخدم اللغة العربية.
المصدر: الخليج أونلاين
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=13593