الكاتب محمدعويس / تركيا بالعربي
بدأت تركيا ومنذ فترة بالسعي والتحرك في الكثير من المجالات اقصاديا وسياسيا وعسكريا وحتى تنموياً، كي تكون قطباً مؤثراً في النظام العالمي الجديد،فهل بمقدورها فعل ذلك؟
من خلال هذا الأسطر سوف نحاول معا أن نستعرض الخطوات العملية للدولة التركية،في مواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة والعالم، في ظل التكالب العدائي ضدها خلال الفترة الأخيرة وما تسعى إلى تحقيقه في المستقبل.
تحاول تركيا ومنذ فترة وعلى طريق الاستقلال استرجاع تاريخها الأسطوري، بالسعي والتحرك وبكل جد، في أن تجد لنفسها مكاناً كقطباً بين الأقطاب المؤثرة في النظام العالمي الجديد كما كانت في السابق، ولمعرفة ذلك لابد لنا أن نوضح خريطة القوى العالمية المؤثرة في العالم.
في عام 2015 ذكر موقع ” ذا أميريكان إنتريسيت” تقريراًعن أقوى سبع دول في العالم من حيث قدراتهم العسكرية او التأثير السياسي الدولي،وأطلق عليهم G7 لم يكن من ضمنهم تركيا وبعض الدول دائمي العضوية في مجلس الأمن.
كما نشرت مؤسسة “يو إس نيوز أند وورلد ريبورت” تقريرها السنوي لعام 2017 عن أفضل وأقوى الدول في العالم.
وأشارة صحيفة الإندبندنت” البريطانية في مارس/آذار 2017 أن تقرير هذه المؤسسة شمل نحو 80 دولة وفقا لمعايير قوة الدولة على أساس النفوذ السياسي والاقتصادي وقوة التحالفات الدولية فكانت تركيا في مرتبة أراها متدنية عن وضعها الحقيقي.
على الرغم من أن جميع هذه التقارير،تتفق فيما بينها حول معايير معينة لقوة الدولة،كالقوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والنفوذ والتأثير، إلا إنها لا تسلم من تسييس التقييم ،كـدرج بعض الدول في القائمة وتهميش دول أخرى،او بتقديم دول وجعل أخرى في ذيل القائمة.
وعلى الرغم من أن تصنيف تركيا عسكرياً لم تكن ضمن الدول التي تمتلك سلاحاً نووياً،إلا أن لها أدوات وسياسيات وأدوار مؤثرة على الساحة الإقليمة والدولية.
أين تركيا من خريطة الدول الفاعلة والمؤثرة في الصراع الحالي حول العالم من حيث الثقل السياسي والإقتصادي والعسكري ؟
للإجابة عن هذا الساؤول يجب الوقوف عند محطات هامة مرت بها تركيا خلال العقود السابقة كـ”عصر الخلافة العثمانية وحقبة ما بعد الجمهوية وفترة ما بعد العدالة التنمية الحاكم حتى تاريخنا الحالي”، وسوف اتطرق بالحديث هنا عن اهم المحطات خلال الفترة الأخيرة فقط حتى لا يطول المقام.
محطات في تاريخ تركيا الحديثة
المحطة الاولى: العدالة والتنمية والحيل الذكية
مرة الدولة التركية بفترات عصبية خلال فترة ما بعد إنهاء الخلافة إلى أن جاء حزب العدالة والتنمية الحاكم بسياسات مختلفة عن سابقيه من الأحزاب الأخرى، وصفها الكثيرون بالسياسية الذكية ،حافظ خلالها على وجوده في مواجهة التحديدات الأقليمية والدولية.
اعتمد الحزب في بداية مشواره السياسي على أمرين مهمين:
أولهما: سياسة التصفير في علاقات تركيا مع غيرها من الدول،الأمر الذي أكسبها الدخول في علاقات مفتوحه تلك الدول.
الثانية:مضي الحزب بالنهوض الإقتصادي للدولة التركية الحديثة إلى أوسع نطاق بهدف تأهيلها إلى الاستقلالية في اتخاذ القرارات السياسية بعد ذلك،وقد نجح في تحقيق ذلك على جميع الأصعدة، وما زالت تتولى النجاحات رغم كثرة المكائد.
المحطة الثانية: محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016
ولعل استفذاذات تركيا المتكررة للمشروع الغربي سياسيا واقتصاديا وحتى عسكرياً ،وعدم انصياعها لتحديد مصير بعض الملفات العالقة في المنطقة وخاصة الملف السوري والكردي ،كانت من ضمن الأسباب الجوهيرية في تسريع احداث محاولة انقلابية بها ،على يد تنظيم ” كولن” والتي بآءت بالفشل.
كانت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة من جهة نظري مكسباً محضاً لتركيا،استثمر خلالها الرئيس “أردوغان” تسريع الخطى نحو الاستقلال، بتغييرات طرأت على الجوانب التشريعية والسياسية وحتى العلاقات الدولية، والعمل على تنفيذ مشروع الدولة التركية الجديدة.
فما هي الخطوات والإجراءات التي تتخذها تركيا في مواجهة التحديات الاقليمة والدولية حتى تكون بمثابة قطباً عالميا داخل النظام العالمي الجديد؟ ،إليكم التفصيل:
1-اقتصادياً
-التنمية الاقتصادية المتسارعة بإنشاء المشاريع العملاقة ،منها على سبيل المثال:
مطار اسطنبول الثالث – قناة اسطنبول الجديدة – جسور وأنفاق تربط بين قارتي أوروبا وأسيا- صناعة التسليح الحربي وتطويره وتصديره….إلخ
كل هذه المشاريع وغيرها جعل تركيا الجديدة تنافس الأقطاب العالمية وتحتل مرتبة متقدمة بلا شك دخل النظام العالمي الجديد.
-مواجهة الحصار الاقتصادي عقب المحاولة الانقلابية وحتى الآن، والعمل على دحض أكاذيب بعض الوكالات في التصنيف الائتماني لتركيا على غير حقيقته، كان دليلاً على قوة وصلابة السياسة الاقتصادية التركية.
– ولما للقارة السمراء من أهمية كبيرة وثروة اقتصادية كبيرة، اتجهت انظار تركيا إليها منذ فترة كعمق استراتيجي لها من حيث الجانب الاقتصادي في الوقت الحالي وليس الجانب السياسي بعيدا عن ذلك أيضاً.
وفي هذا الصدد اختتم الرئيس التركي مؤخرا في فبراير/ شباط الماضي زيارة إلى أربعة دول بالقارة السمراء هي: الجزائر وموريتانا والسنغال ومالي ، وفي أواخر عام 2017 زار أردوغان ثلاث دول اخر هي: السودان وتشاد وتونس، وفي كل مرة يرافقه رجال أعمال ووزراء وساسة لعقد الصفقات والاتفاقيات التجارية مع تلك البلدان.
-تحرير القيود الإقتصادية والاتجاه نحو نظام اقتصادي اسلامي عالمي.
– التبادل التجاري بالاشتراك مع بعض الدول بالعملة المحلية وليس بالدولار.
2-عسكرياً
– تركيا القوة الثانية في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
– فرضت بالأمر الواقع تدخلها في شمال سوريا لتأمين حدودها بإنشاء منطقة عازلة من ناحية ومواجة السياسة الأميريكية او الإيرانية هناك من ناحية أخرى.
– دعم وتدريب وتأهيل الجيش الحر في سوريا كان له أثر ملموس خارج حدودها الجغرافية.
– التطوير في الألآت والمعدات العسكرية ولعمل على الإكتفاء المحلي منها وفتح أفق التصدير لها.
– الوجود العسكري وإنشاء القواعد العسكرية ،في أكثر من دولة منها، قبرص وقطر والصومال ،والعمل على افشال المخاطر التى تحدق بها في البحر المتوسط.
– فهل تفكر تركيا جدياً في دخول الساحة النووية حتى تتمكن من فرض نفسها على الساحة الدولة مع الأقطاب الأخرى؟
3- سياسياً
-الحروب في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة،بجميع أشكالها الإقتصادية والسياسية والعسكرية احتلت الجانب الأكبر من الزخم خلال تلك الحقبة التاريخية التي يمر بها العالم ككل،هذا وقد مثلت الحروب الفكرية مدى لا يستهان به ضمن الوسائل والأدوات في تحديات الصراع الحالي لايقل أهمية عن الحرب بالآلة.
فكان من ضمن هذه التحديات مواجهة الفكر بالفكر،عن طريق استنهاض وتوعية الأمة بنشر أعمال فنية عابرة للحدود، سواء كانت على المستوى الداخلي لتصحيح المفاهيم والمسارات للشعب التركي في تأريخ الدولة التركية إلى ما قبل الجمهورية،بالرجوع إلى حضارة الدولة العثمانية وليس العكس.
أوعلى المستوى الخارجي بالعمل على تصحيح التزييف والمغالطات التاريخية المفتعلة ضد تاريخ الدولة العثمانية أمام الشعوب الإخرى والأمة الإسلامية.
فاتجهت أنظار تركيا إلى هذا النوع من الحروب،واحتل العمل الفني بها على استساغة الوعي الفكري لدى الشعوب بالرجوع إلى التاريخ العثماني المشرف مرتبة متقدمة في تركيا الحديثة بل وفي العالم الإسلامي ككل، الأمر الذي لاقى الكثير من النقد والاستهجان من الحكومات الغربية وحكومات الدول العربية والإسلامية المستبدة.
– كان لتواجد تركيا في إفريقا أهدافاً سياسية اخرى متوازية مع الجوانب الاقتصادية، تمثلت في القضاء على براثين النظام الموازي “غولن” هناك ،ومواجهة انتشار التشيع في بعض البلدان الإفريقية والعمل من خلال دوائر مقربة على مناهضة الاستعمار الغربي.
– التحول التشريعي والدستوري في تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي لتتحرر معه يد الرئيس من القيود خلال هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها تركيا والمنطقة بل والعالم ككل.
-القضاء على الإضطرابات في الداخل بانهاء التنظيمات والجماعات العدائية للدولة التركية كـتنظيم (غولن – حزب العمال الكردستاني – تنظيم الدولة – العلمانيين )
– التحدي للنظام العالمي الغير متوازن (العالم أكبر من خمسة).
-محاولة تقزيم دور الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في سوريا عسكريا وسياسيا، وكذلك تقزيم دور الغرب وخاصة فرنسا في دول شمال إفريقيا ليبيا وتونس الجزائر ومالي وبعض البلدان الافريقية الأخرى.
-سياسية احتواء بعض الدول الاسلامية والعمل على كسب تأييدها أو تحييدها في الصاع الحالي.
-مواجهة الفكر الإستعماري في إفريقيا والشرق الأوسط، بالاحتواء والتنمية والتواصل والدعم لدول أفريقيا.
-العمل على جمع تأييد دولي ضد ما تسمى بـ”صقة القرن ” ومواجهة ابتلاع الاحتلال أرض فلسطين، ومحاولة تقزيم دور الولايات المتحدة ودولة الاحتلال في تلك الصفقة.
– فضح وكشف ازدواجية السياسية الأروبية تجاه قضايا العالم الإسلامي.
-مناصرة الثورات العربية والوقوف بجانب شعوب تلك البلدان في مواجة الأنظمة المستبدة.
-محاولة إفشال مخطط تغيير ديمغرافية الشرق الاوسط وتقسيم المنطقة.
ما يؤكد ذلك قوة الخطاب التركي في مواجهة تلك التحديات،ومنها على سبيل المثال،ما ذكر السيد وزير السياحة والثقافة التركي نعمان قورتولموش خلال وجوده في العاصمة الالمانية برلين، مارس /آذار الجاري ،قائلا “لا أقول إن تركيا تمثل جسرًا بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب، وإنما هي حجر الزاوية في العالم الجديد الذي ما إن وجدت تركيا فيه لن يكون له أي مغزى أو توازن”.
ولفت إلى أن تركيا ستنال من سيناريوهات تمزيق شعوب منطقة الشرق الأوسط، من خلال حروب الوكالة، والقضاء على الاستقرار بالمنطقة.
وفي الأخير ..لا أقلل من شأن كل هذه الاجراءات والخطوات البناءة والتي تواجه بها تركيا تحديات الصراع الحالي، إلا أن هناك تساؤولا يجب طرحه في هذا المقام:
هل هذه الخطوات إن استمرت من شأنها أن تخوّل تركيا بأن تكون قطباُ مؤثراً داخل النظام العالمي الجديد ؟
وهل آن الأوآن أن تفكر تركيا جدياً في دخول “الساحة النووية ” ومنافسة الأقطاب الأخرى في العالم الجديد؟
علماً بأن إمكانياتها أفضل من دول كثيرة خاضت غبار هذا الطريق ونجحت في تحقيق ذلك.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=45590