سيعاني الاتحاد الأوروبي أكثر خلال المرحلة المقبلة بسبب وصوله إلى المنعطف الأخير من مفاوضات خروج بريطانيا.
لا شك أن هذه المسألة ليست المسألة الوحيدة التي يشعر الاتحاد الأوروبي بالضغط حيالها. فالحرب التجارية التي أعلنتها الولايات المتحدة بقيادة ترامب والأزمات الاقتصادية التي ساهمت هذه الحروب في تصعيد وتيرتها قادرة على تحويل الركود الاقتصادي الموجود بالفعل إلى أزمة حقيقية.
أضف إلى ذلك المشاكل المطروحة من خلال النقاشات حول وضعية الناتو والتي تهدد أمن القارة العجوز. فهناك جهود حثيثة لتشكيل جيش أوروبي مشترك يدافع عن الاتحاد الأوروبي، وفي مقابل ذلك توجد العصا الذي تلوح بها الولايات المتحدة، حيث تمتلك جيشا في ألمانيا، يفوق عدد أفراده الجيش الألماني. كما أن هناك حقيقة مفادها أن هذه العصا عاجزة عن حماية أوروبا في مواجهة الدب الروسي.
ناهيك أصلا عن قضية اللاجئين الذين يحاولون التدفق على القارة الأوروبية من كل مناطق النزاع حول العالم، وفي مقدمتها سوريا، ويرغبون في الحصول على قطعة من كعكة الرفاهية الأوروبية.
والأهم من ذلك كله تكاتف كل هذه المشاكل ورفعها لصوت اليمين المتطرف في كل الدول الأعضاء تقريبا وظهور معارضة داخلية لمشروع الاتحاد الأوروبي.
فكيف يبدو مستقبل الاتحاد الأوروبي من وجهة نظر المعادلة التي شكلتها كل هذه التطورات؟
لو كان اتحاد أوروبي كهذا سيكون له مستقبل، فمن الواضح أنه سيكون بإمكانه الخروج من المعادلة بشكل كبير عن طريق إضافة تركيا إليها بشكل أقوى. ولا ريب أن هناك الكثير من العوامل التي تصعب من مهمة الاتحاد الأوروبي. فمعايير المشاركة الديمقراطية التي وضعها في البداية تسير بمرور الوقت في طريقها نحو شل آليات اتخاذ القرار.
فحتى القرارات المتخذة والتي في مرحلة التنفيذ تبدأ تعمل ضد المشروع، أقصد الاتحاد الأوروبي. وعند استغلال حقوق العضوية المقدمة إلى الدول التي انضمت للاتحاد لاحقا وتدين بوجودها إلى حماية الدول الكبرى بالطريقة التي تحدد مصير الاتحاد بأكمله، فلا يوجد أي تدبير يمكن اتخاذه لمواجهة هذه الوضعية.
بيد أنه لا يمكن لأحد أن ينكر سيطرة الدول الحامية فعليا على الدول الصغيرة، لكن حتى هذه السيطرة يمكن أن يسفر عنها نتائج باهظة للغاية وربما يؤدي هذا الثمن إلى إعاقة استمرارية الاتحاد مستقبلا. ومثال على ذلك وضعية اليونان وقبرص والثمن الباهظ الذي تضطر ألمانيا لدفعه لتتمكن من السيطرة عليهما.
وربما يكون الجانب التركي محقا من الناحية النفسية في “الشماتة” بالاتحاد الأوروبي بسبب الأزمات التي يواجهها، لكن لا يمكن القول إن تصرفا كهذا يعتبر معقولا.
ربما يكون لدى بريطانيا العديد من الأسباب الخاصة بها كي لا ترى في مشروع الاتحاد الأوروبي أي مصلحة لها. أو بالأحرى فإنه يجب عدم النظر إلى هذه الأسباب على أنها أسباب مطلقة. ومن وجهة نظري فإن دوافع بريطانيا للخروج من الاتحاد هي دوافع عاطفية وأيدلوجية أكثر من كونها دوافع عقلانية. فهذا الانفصال سيعود على الطرفين بالخسارة لا محالة.
وأما تركيا فهي ليست بريطانيا، وكذلك فإنها ليست مطالبة أو يمكنها الخروج بحجج وخطابات من أجل نفسها كذلك من وتيرة بريكست.
واليوم يجب أن يرى الجميع أن طرح فكرة بريكست (انسحاب تركيا من مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي) ستكبد الاتحاد تكاليف أكثر بكثير مما يتوقعون. وربما يكون وجود تركيا يكسب الاتحاد قوة وشرعية وقيمة أكثر من وجود بريطانيا. ولا شك أن الفائدة ستعود على الطرفين. فلا داعي حتى لنقول إن تركيا ستستفيد بالقدر نفسه من عضوية الاتحاد.
كما يجب أن يعلم الجميع أن الاتحاد الأوروبي بإمكانه الحصول من تركيا على أكبر وأهم دعم للتغلب على كل القضايا التي يواجهها حاليا.
لا يخفى على أحد أن الاتحاد الأوروبي صار بحاجة إلى تركيا أكثر من أي وقت مضى. فهذا ما يراه كل من يستطيع النظر إلى الأمور بموضوعية من داخل الاتحاد الأوروبي. لكن بطبيعة الحال لا يمكن لتركيا مواصلة هذه العلاقة عن طريق التغاضي عن أصوات الصدع الإقصائية المتعالية من داخل الاتحاد الذي عليه هو الآخر تغيير موقفه من الأحداث. وأما الجانب السيئ في الأمر هو أن الاتحاد الأوروبي لا يمتلك القدرة الكافية للتحرك لتغيير هذا الموقف. ذلك أن لديه حدود تقلل من قدرته على الحركة، وبالتالي تضيق كثير من مساحته السياسية.
وعلى سبيل المثال، كيف سيمكن تلافي التأثير الاستفزازي للتقرير الذي أعدته مقررة البرلمان الأوروبي عن تركيا كاتي بيري والذي يقترح التعليق الكامل لطلب انضمام تركيا للاتحاد؟ أخشى ألا يكون هناك حل لهذا الأمر.
فهي ستعرض هذا التقرير على البرلمان الأوروبي ليناقشه لساعات ويوجد جوا من الاستفزازات بين الجانبين.
وإن الوتيرة التي جعلت بيري تصبح مقررة تركيا تتحدد من خلال طريق مفتوح أمام الجميع داخل البرلمان الأوروبي. أي أنها نتيجة حتمية للعبة الديمقراطية في أوروبا. فحتى المهتمون بمصير الاتحاد الأوروبي بطريقة موضوعية من الذين يرون الاستفزازات التي تتسبب بها بيري عاجزون عن منع تقدم هذه الوتيرة بهذا الشكل.
كما أنه لا توجد قاعدة تمنع الموافقة على طلب تقريرها بالرغم من أن الجميع يعلم أنها – أي بيري – تتعامل مع تركيا بأحكام مسبقة وسوء نية. وهو ما يجعل مستقبل مشروع ضخم كالاتحاد الأوروبي يذهب ضحية نية سيئة.
ولا جدال في أن ما يقع على عاتقنا في هذا المقام هو معرفة هذه التفاصيل وتقرير ماذا نريد واتخاذ التدابير اللازمة.
ياسين اكتاي
يني شفق
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=76815