تساؤلات مشروعة حول قرار (mbc) بإيقاف عرض المسلسلات التركية .. بقلم قصي صبحي القيسي / تركيا بالعربي
تعددت تفسيرات المفسرين وتحليلات المحللين لقرار مجموعة قنوات (mbc) بإيقاف عرض المسلسلات التركية، بين مَن يبرر القرار بأن هذه المسلسلات تروج للحلم التركي باستعادة أمجاد الدولة العثمانية التي كانت رقعتها الجغرافية تمتد لتشمل دولاً عربية عدة (هذا إذا كان هناك حقاً حلم تركي من هذا النوع) ، ومن يبرره بأن المسلسلات التركية تعيد برمجة عقولنا (نحن العرب) على العادات الاجتماعية التركية التي هي – بحسب اعتقاد هذا الفريق وغالبيته من السعوديين – تختلف عن عادات العرب، أما البعض فقد برر القرار بأنه جاء في سياق الخلاف السياسي (التركي – السعودي) ليغدو كضربة اقتصادية موجعة لقطاع الانتاج التلفزيوني التركي، ناهيك عن خسارة تركيا للدعاية السياحية غير المباشرة التي تتضمنها معظم مسلسلاتها، وباختصار، إن صمت إدارة مجموعة قنوات (mbc) ترك الباب مفتوحاً للعديد من التفسيرات والتبريرات التي باتت مادة دسمة يتداولها المغردون في تويتر تحت عدة هاشتاغات .
هنا لابد أن نطرح التساؤل التالي : هل حاول الأتراك حقاً استغلال مسلسلاتهم في الترويج للحلم المزعوم باستعادة أمجاد الدولة العثمانية (المَلكيّة الإسلامية) في حين يضعون اليوم صور الزعيم مصطفى كمال أتاتورك (مؤسس الجمهورية) على عملاتهم الورقية بجميع فئاتها وعلى الصفحة الاولى من كل كتاب في المنهج الدراسي ويعبروه رمزاً وطنياً؟
لماذا لاننظر الى الموضوع من زاوية أن الأتراك يصنعون مسلسلات تروي تفاصيل تاريخهم ومخصصة للعرض على جمهورهم (التركي) ، وإذا باعت شركاتهم بعض هذه المسلسلات لدول عربية لغرض دبلجتها وعرضها على فضائيات عربية فهذا لايعني بالضرورة أن الحكومة التركية تحاول الترويج لتاريخ الدولة العثمانية، فعلى سبيل المثال، عندما قام المخرج الراحل مصطفى العقاد بعمل نسخة انجليزية من فيلم (الرسالة) الشهير، هل كان هدفه هو إدخال كافة مسيحيي أوربا وأمريكا الى الإسلام؟ ثم إن تركيا (باعت) هذه المسلسلات مقابل مبالغ مالية ولم توزعها مجاناً! ولو كانت هناك نوايا اخرى وراء الكواليس لكانت تكفلت بتحمل جميع تكاليف الانتاج والدوبلاج وتوزيع مسلسلاتها مجاناً على غرار ما تفعله الجارة إيران في جميع أعمالها الفنية التي تهدف من خلالها الى تصدير ثورتها الى دول المنطقة .
إعلان
إن المسلسلات التركية، وخصوصاً التاريخية، على غرار (قيامة أرطغرل، أنتِ وطني، القرن العظيم المعروف عندنا بإسم حريم السلطان…) جميعها موجهة الى الجمهور التركي وليس العربي، لكن حاجة الجمهور العربي الى مسلسلات ذات موضوع شيق وإخراج يضاهي المدارس العالمية وأداء مقنع يرتقي الى مصاف العالمية، كلها أسباب دفعت العرب الى دبلجة المسلسلات التركية وعرضها في الفضائيات، فضلاً عن المسلسلات الاجتماعية (التي سأتطرق إليها في مقال قادم) والتي أشبعت فضول الجمهور العربي لمعرفة طبيعة حياة الأتراك وعاداتهم وتقاليدهم وأنماط حياتهم…
الخلاصة، ان وجود نوايا تركية للترويج لمفاهيم (عثمانية) داخل المجتمعات العربية من خلال مسلسلات تتم دبلجتها الى اللغة العربية هو أمر مستبعد وغير واقعي وغير منطقي، ويكفي القول ان المستفيد الأكبر من استيراد هذه المسلسلات هي الشركات المستوردة والقائمة بالدبلجة، لأنها تبيعها للعديد من الفضائيات وبأسعار تختلف بين (العرض الحصري) و (العرض المحصور بين فضائيات تعرضه في ذات التوقيت) و (النسخة المعروضة سابقاً ذات السعر المخفض) وغيرها.. فالمسألة بالنسبة للشركات التركية والعربية، ومن بينها مجموعة قنوات (mbc) لاتتعدى كونها مسألة تجارية، وقد تشاء الصدفة أن يكون المسلسل المباع تاريخياً كمسلسل (أنتِ وطني/ Vatanım Sensin) أو اجتماعياً كمسلسل (العروس الصغيرة/ Küçük Gelin) المسمى بعد الدبلجة بـ (زهرة القصر)، أو عاطفياً كمسلسل (تحت أشجار الزيزفون/Ihlamurlar Altında ) الذي سمي بعد دبلجته بـ (سنوات الضياع) أو كوميدياً كمسلسل (شارع السلام/ Huzur Sokağı) ، وإذا كان تجار المسلسلات قد تعرضوا للخسارة بسبب قرار المنع، فالمشاهد العربي أيضاً خسر وجبة دسمة من المسلسلات التي كانت تشكل جزءً مهماً من حياته اليومية .