فتح تصريح تركي هام لوزير الخارجية التركي (مولود تشاووش أوغلو) الباب واسعا أمام تصورات جديدة للمشهد في مناطق شمال سوريا وشمالها الشرقي، عندما قال لوسائل إعلام تركية “إنّ فرقًا تركية -أمريكية ستجتمع خلال الأيام المقبلة من أجل تطبيق خارطة طريق منبج في مناطق أخرى في سوريا”، لم يحددها.
وتأتي أهمية هذا التصريح أنّه جاء عقب عدة لقاءات أجراها (أوغلو) مؤخرا في مقر إقامة السفير التركي بالعاصمة واشنطن مع مسؤولين أمريكيين، على رأسهم نظيره الأميركي (ماك بومبيو).
جدّية تركية ومماطلة أميركية
ويعتقد الكاتب والباحث التركي (فراس رضوان) أن تركيا جادة في تطوير صيغة خارطة طريق منبج وتنفيذها في معظم مناطق شرقي الفرات على المدى الطويل، لكنها ستركز في المدى القريب على المناطق المتاخمة لحدود منطقة منبج.
إعلان
وقال الباحث التركي “لأورينت”، ” إن مطلب تركيا بتطبيق صيغة منبج – وهو الحد الأدنى المقبول لديها- يصطدم بالإرادة الأميركية الساعية لإيجاد صيغة مشتركة بين ميليشيا قسد (تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري) وتركيا، قد تكون قوة أمنية مشتركة ثلاثية شرقي الفرات”.
وأضاف” بالطبع ذلك مستبعد جدا فتركيا تتعامل مع دول ولا يمكن أن تتعامل مع ميليشيا تعتبرها منظمة إرهابية”.
وتوقع (رضوان) أن تنجح تركيا في مسعاها بتطبيق خارطة منبج شرقي الفرات على المدى الطويل نسبيا عبر ضغطها المستمر على الإدارة الأمريكية.
إعلان
واستند في تعزيز توقعه إلى الضغط التركي الذي أثمر مؤخرا بدفع الإدارة الأميركية إلى فرض جوائز مالية كبيرة لقاء القبض على قيادات عالية في حزب العمال الكردستاني، مشيرا إلى أن ذلك يعطي تركيا بشكل غير مباشر أحقية التدخل شمال العراق لمطاردة هذه الشخصيات.
الدور الروسي
إعلان
وعن دور روسيا في عرقلة المسعى التركي استبعد (رضوان) أن يكون هناك أي تأثير لها في هذا المجال فهي لا تملك أوراق ضغط حقيقية في منطقة شرقي الفرات، كما أنّ لديها مصالح كبيرة مع تركيا والملف السوري جزء صغير من تلك المصالح.
وتنص خارطة منبج المتفق عليها في مطلع شهر حزيران من العام الجاري بين تركيا وأميركا على تسليم إدارة المنطقة لأهلها بإشراف الجانبين، وذلك بعد خروج ميليشيا قسد منها على مراحل خلال ستة شهور.
وفي هذا الإطار يسيّر الجيشان التركي والأمريكي منذ مطلع الشهر الجاري دوريات مشتركة في محيط مدينة منبج، كمرحلة أخيرة من الاتفاق، تمهيدا لإخراج ميليشيا قسد منها.
ومن جهة ثانية، يرى الباحث السوري في مركز طوران للدراسات الاستراتيجية (محمد الطمصطفى) أنّ التصريحات الإعلامية والتصعيد السياسي التركي حول مناطق شرقي الفرات يمكن قراءتها على أنّ ملف منبج أصبح في حكم المنجز سياسيا ولم يتبق سوى إعلان ذلك ضمن مشهد عسكري يُسدل الستار عن تلك المنطقة.
ورجّح أنّ إنجاز ذلك لن يتم بسرعة وسهولة لتصلب الموقف الأمريكي بحثا عن أوراق ضغط للمساومة بما يخص ملف العقوبات على إيران ومجموعة قضايا أخرى منها التعاون العسكري التركي الروسي.
وأما فيما يتعلق بمستقبل مناطق شرقي الفرات التي تسيطر عليها “قسد” قال الباحث السوري “لأورينت” إن السياسية التركية واضحة جدا في هذه النقطة فهي أعلنت منذ اللحظات الأولى عن رغبتها في إخراج “قسد” المرتبطة بحزب (pkk) المصنف إرهابيا على قوائمها من شمال سوريا وعلى طول الحدود معها”.
ولكن تركيا كما يعتقد (المصطفى) تتعامل مع ملف إبعاد “قسد” عن حدودها بشكل تدريجي وبسياسة “خذ وطالب”، ورغم أن ملف منبج تحديدا أخذ وقتا طويلا ومماطلة من الأمريكيين، وجعل الأمر يتطور إلى عملية ابتزاز من قبلهم، وخصوصا في الفترة التي تفجّر فيها ملف القس الأمريكي(برونسون)، لكن كل ذلك يقع ضمن تكتيك المماطلة في الزمن وليس في المصير بالنسبة لتركيا.
ونوه إلى أنّ صانع السياسية الأمريكي في النهاية لا يمكنه تفضيل “ميليشيات عسكرية” مهما كانت على دولة بحجم تركيا تعد صديقا تاريخيا وتقع ضمن حلفه العسكري ولها وزنها السياسي والاقتصادي في المنطقة.
وتمكنت القوات التركية والجيش السوري الحر خلال عمليتي “درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، في أعوام 2016 و2018 على التوالي من السيطرة على مناطق واسعة من ريف محافظة حلب الشمالي المتاخمة لتركيا، أهمها (الباب وجرابلس والراعي وعفرين) بعد طرد تنظيم داعش وميليشيا قسد من تلك المناطق التي تبلغ مساحتها حوالي 5000 كم2.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=77236