“تردّدت كثيرًا على جهاز الأمن العام اللبناني عسى أن يعيدوا إليّ جواز سفري المحتجز منذ سنتين حين تقدمت بطلب الإقامة، إلا أنهم يماطلون ويخيّرونني بورقة ترحيل خارج البلد مقابل استعادته”.
عامر (22 عامًا) طالب سوري من حلب، يدرس في جامعة لبنان، قدم إلى بيروت في بدايات عام 2015 بهدف الدراسة، بعد أن بات ذلك مستحيلًا في سوريا، ولم يحصل على الإقامة اللبنانية حتى لحظة إعداد هذا الملف، رغم استيفائه للشروط.
المثير للتساؤل في حالة الشاب (رفض كشف اسمه الكامل خشية التضييق عليه)، هو الإبقاء على جواز سفره محتجزًا لدى جهاز الأمن العام، ليصبح غير قادر على المغادرة لزيارة عائلته في تركيا، وغير متمتع بوضع قانوني مستقر في لبنان، وكلّما صادفته الشرطة أو حواجز الجيش والأمن اللبناني ينتابه الخوف من الاعتقال، عدا دفع الغرامة المالية التي تعد عناءً بالنسبة إلى أي طالب سوري.
عامر هو واحد من بين آلاف السوريين الذين لم يحصلوا على إقامة في لبنان، ومنهم من احتجزت جوازات سفرهم لدى جهاز الأمن دون مبرر من السلطات، إلى جانب تهديدهم بالترحيل في أي لحظة، لكن إلى أين؟
إعلان
تسعى عنب بلدي من خلال هذا الملف إلى تسليط الضوء على حالة عامر المستعصية، وحالات أخرى مشابهة رصدتها أثناء عملية بحث معمّقة، وإلى معرفة الأسباب وراء سلوك جهاز الأمن اللبناني في التعامل مع السوريين، وما هو المبرر لتسوية أوضاعهم القانونية.
وبهدف الحصول على معلومات دقيقة حول القضية، أجرت عنب بلدي مقابلات مع شرائح سورية مختلفة في لبنان، ممن لم يحصلوا على الإقامة رغم محاولاتهم المتكررة واستيفائهم الشروط، بالإضافة إلى استشارة حقوقيين وسياسيين لبنانيين مهتمين بالوجود السوري وعلى احتكاك مباشر مع قضايا مشابهة.
لا إقامة ولا جواز ولا دفتر عسكرية
إعلان
تحدث عامر إلى عنب بلدي عن “معاناة” الحصول على إقامة في لبنان، و”تعسف السلطات” تجاه الحالات المشابهة، كما لو أنها تتبع سياسة “تطفيش ممنهجة”، دون مبررات.
“لا أعلم لم لا يمنحونني الإقامة، رغم أنني طالب وجميع أوراقي قانونية”، يقول الشاب معتبرًا أن احتجاز جواز سفره عرضه إلى مشكلات عديدة، كما استوقفته الشرطة كونه لا يملك إقامة أو جوازًا، على مدار سنتين، واضطر إلى دفع غرامة مالية في كل مرّة.
إعلان
“المضحك أن جواز سفري محتجز لديهم لسنتين تقريبًا، والآن انتهت صلاحيته، وأنا غير قادر على تجديده حتى، بل لست قادرًا على أن أسجل قنصليًا للمضي في معاملة (دفتر العسكرية) التي تتطلب وجود الجواز أساسًا”، على ما ينقله لنا.
بعد التدقيق في حالة عامر وحالات مشابهة، توجهنا إلى محامين وحقوقيين لشرح الوضع القانوني للسوريين في لبنان، كما حاولنا سؤال جهات مختصة، لم نحصل منها على إجابة.
المحامية والحقوقية اللبنانية ديالا شحادة، أوضحت لعنب بلدي أوضاع السوريين وشروط الإقامة في لبنان بشكل تفصيلي.
وقالت شحادة إنه فيما يخص موضوع الإقامات للسوريين، فبعد الشهر الأول من العام 2015، طبقت المديرية العامة للأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، والتي لديها صلاحيات متابعة وتولي أمور إقامات السوريين، شروطًا جديدة يصعب توفرها عند معظم السوريين.
وتُعزى صعوبة الحصول على إقامة في لبنان لسببين رئيسيين، وفقًا لشحادة، أولها يتعلق بالجانب المالي لرسوم الإقامة، البالغ حوالي 200 دولار أمريكي سنويًا، عن كل فرد من الأسرة يزيد عمره عن 15 عامًا.
ثانيها يتعلق بالشروط نفسها، والتي كانت تتحلى بقليل من المرونة في بادئ الأمر، بالنسبة للذين لديهم استمارة تسجيل لدى الأمم المتحدة، والتي كانت تعد بمثابة كفيل لهم، بموجب ما يسمى “نظام كفالة”، أو كفيل شخصي يمكنه كفالة سوري، لكنّ الأمن العام بدأ لاحقًا يطلب من السوريين كفالة من صاحب العمل حصرًا، الأمر الذي لا يمكن تأمينه من قبل جميع السوريين.
وفي حال كان الكفيل وهميًا واكتشفته شعبة الاستقصاء في الأمن العام، فهناك خطر تسفير صاحب العلاقة، مردفةً أن “ذلك لن يحصل أساسًا، إذ لا يوجد ترحيل للاجئين في لبنان”، ولكنه “كفيل بأن يجعل السوري لا يشعر بالاستقرار النفسي أو الأمني، كونه لا يملك بطاقة تخوله القدرة على التنقل ليلًا أو عبر الحواجز دون التعرض لخطر التوقيف والاعتقال”.
لكن بحسب حالات عاينتها عنب بلدي، فإن حالة عدم الاستقرار هذه دفعت بعض اللاجئين لطلب جوازهم حتى لو كلفهم ذلك مغادرة البلد، بموجب ورقة ترحيل يوقعون عليها مقابل استعادة الجواز.
وأشارت شحادة إلى انخفاض حالات التوقيف لمن خالفوا مدة إقامتهم حاليًا، بسبب عدم اشتراط التحويل إلى المحاكم، وترك البت في وضعهم للأمن العام، باستثناء محاكم منطقة الجنوب.
وتعذر الحصول على أرقام رسمية من قبل الجهات المختصة، والتي تعتبر أن جميع السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية حاصلون على إقامة نظامية.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتحصل على أرقام في هذا الخصوص، لكنها لم تتلقّ ردًا.
إعلان
وهنا أفادت المحامية شحادة أنه “لا يوجد رقم دقيق”، مشيرًة إلى أنها في إحدى المرات سألت الأمن العام عن الأرقام، وأخبروها أن جميع السوريين المقيمين في لبنان لديهم إقامات نظامية، وقالت “إن هذا غريب، لأني من خلال موكليّ فقط، أعلم أن معظمهم إما لم يحصل على الإقامة أو لا يحقق الشروط المطلوبة”.
إعلان
إعلان
وتابعت أنه نظرًا إلى عدد السوريين في لبنان، والبالغ نحو مليون ونصف، بحسب الأرقام الرسمية، فيمكن القول “إن نصفهم أو حتى مليون منهم لا يملكون إقامة، وحتى لا نتبنى أرقامًا غير دقيقة، يمكن افتراض أن مئات الآلاف منهم لا يمكلون إقامة في لبنان”.
إعلان
عامر، لا يستطيع الحصول على إقامة نظامية، ولا تسوية وضعه قانونيًا، ويتعرض لمضايقات دائمة، ما يدفعه إلى التساؤل: هل توجد سياسية “تطفيش” ممنهجة تجاه السوريين أم ماذا؟ وما المبررات القانونية لذلك؟ وإن كانت الحكومة تريد تسفيرهم فلماذا تحتجز جوازات سفرهم؟
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=10435