نشرت صحيفة “جورنال دي ديمونش” الفرنسية تقريرا؛ سلطت من خلاله الضوء على وضع الأطفال الذين ولدوا في سجون نظام بشار الأسد، وما تعرضوا له من تعذيب جسدي ومعنوي.
وقد استند التقرير إلى روايات بعض الفارين من هذا الجحيم، الذين وجدوا صعوبة كبيرة في الشفاء من هذه الصدمة والعودة إلى الاندماج في المجتمع من جديد.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير إن طفلتي رشا شربجي، إحدى ضحايا سجون النظام السوري، لا تستطيعان اللعب دون أن تبديا خشونة وعنفا تجاه أصدقائهما. ويعزى ذلك إلى أن ابنتيها التوأم قد ولدتا وكبرتا في أحد السجون السورية التي تعتبر من أبشع الأماكن في العالم وأكثرها وحشية. وبالتالي، تضررت نفسية الطفلتين كثيرا، ما ولّد لديهما سلوكا عنيفا يمنعهما من التعامل مع المحيطين بهما برفق.
وذكرت الصحيفة أن والدتهما، البالغة من العمر 35 عاما، تعاني من صعوبة في النطق، وذلك من شدة خوفها من أن تلقى رجال المخابرات السورية مرة أخرى.
وقالت رشا إنها اعتقلت بتاريخ 22 أيار/ مايو 2014، من قبل رجال الاستخبارات العسكرية السورية، مع اثنتين من أخوات زوجها، أثناء محاولتهن تجديد جوازات سفرهن في دمشق، وكان معها أطفالها الثلاثة.
خلال التحقيق معها، كانت تقريبا كل الأسئلة الموجهة لها حول زوجها الناشط الحقوقي. وعندما علم عناصر الاستخبارات أنها حامل بتوأم في الشهر الثامن، حاولوا تهديدها بالضغط على بطنها لإجهاض الجنينين أو قتل أبنائها الآخرين. وعند استجوابها، روّعها أحد المحققين قائلا: “ستنسين كل شيء اسمك، وزوجك، ونفسك، ستتذكرين فقط هذا الرقم 714 وهو رقم هويتك منذ الآن”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم نقل رشا إلى مركز الاعتقال في المطار العسكري في المزة، أحد أشد المعتقلات تحصينا والذي يشرف على مكتب بشار الأسد. وقبل أن يفرقوا بينها وبين إخوتها، وجدت رشا نفسها برفقة أبنائها الثلاثة في زنزانة تحت الأرض؛ مساحتها 9 أمتارا مربعة، وكانت مليئة بالأوراق المبعثرة والقمل. وكانوا لا يذهبون للحمام لقضاء الحاجة إلا ثلاث مرات في اليوم.
وخلال المدة التي قضتها في ذلك المكان، أفادت رشا أنها كانت تصاب بالحمى بسبب الحمل، فضلا عن قلة الطعام الذي كان يقدم لهم. وبينت رشا أنها حاولت مساعدة أطفالها على التأقلم مع هذا الوضع، لكنها فشلت في ذلك. ولكن، سرعان ما فهم المحققون أن أبناءها هم نقطة ضعفها، فكانوا يهددونها قائلين: “سنرميك من النافذة إن لم تطلعينا على الحقيقة”.
وأوردت الصحيفة أن رشا نقلت إلى المستشفى العسكري ومكثت فيه 45 يوما حتى ولادتها القيصرية بابنتيها التوأم، وقد كانت مربوطة إلى السرير بالأغلال، وقابعة في بحر من الدماء. وفي هذا السياق، قالت رشا: “استيقظت فوجدت طفلتي ملفوفتين في القطن ودون ملابس، فأردت تغطيتهما بما عليّ من ثياب ولكن كان القمل يملأ ملابسي”.
مع قدوم فصل الخريف، كانت جل السجينات يتجولن في الزنزانة بملابسهن الداخلية لأن ملابسهن قد بلت واهترأت. كما عانى الأطفال من نقص الحليب لدى أمهاتهم. ثم جاء ذلك اليوم، الذي اعتبرته رشا أسوأ أيام حياتها، عندما أخبرها الطبيب أنه جاء ليأخذ أبناءها للتلقيح، وكانت تعلم أنه يكذب وأنه ذاهب بهم إلى ملجأ للأيتام.
وقد أشارت الصحيفة إلى أن رشا قد أخلي سبيلها ضمن تبادل بين النظام السوري والمعارضة. ويوم إطلاق سراحها، في 8 شباط/ فبراير 2017، توجهت رشا إلى حماة، حيث وجدت أبناءها الصغار في انتظارها خارج دار الأيتام.
كما روت رشا قصة تلك الفتاة التي تبلغ من العمر 15 عاما، والتي كان جلاّدو النظام يسكبون عليها الماء الساخن ثم البارد، قبل أن تترك عارية في البرد. وقالت إنهم كانوا يأمرونهن بنزع قمصانهن وتنظيف الحمامات بها، ثم إعادة ارتدائها من جديد.
ونوهت الصحيفة إلى أن حالة رشا ليست استثنائية في سوريا الأسد، فهناك العشرات من النساء اللاتي وَلدن في المعتقلات العسكرية للنظام منذ اندلاع الثورة. وهذا ما أكدته باحثة في شبكة يوروماد الحقوقية، سيما نصار، حيث قالت: “سجلنا في سجن عدرا فقط، الذي يبعد 30 كيلومترا عن دمشق، 31 حالة ولادة في الفترة الفاصلة بين سنة 2011 و2015”. وأشارت سيما إلى أن عناصر النظام يستهدفون النساء الحوامل والمثقلات بالأبناء لأنهن الأضعف.
وحسب أرقام نشرت في نيسان/ أبريل من قبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن هناك 6177 معتقلة حتى الآن في ظروف قاسية، من بينهن 107 معتقلات برفقة أبنائهن، و319 قاصرا.
كما نقلت الصحيفة عن سيما نصار، قولها إن إحدى النساء المنتميات إلى إحدى المدن الثائرة قد وضعت ابنها في سجن عدرا، ولكن ولد ميتا بسبب التعذيب الذي تعرضت له. وذكرت نصار أن النساء في بعض المراكز المعروفة بعنفها الشديد تجاه النساء الحوامل، يؤدي بهن التعذيب إلى خسارة حياتهن وأجنتهن عند الولادة.
وروت الصحيفة، نقلا عن سيما نصار، قصة فتاة دمشقية تبلغ من العمر 26 عاما، والتي أجهضت ابنها قبل أن تخرج من مركز الاعتقال العسكري التابع للفرقة الرابعة، التي يديرها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، وقد غادرت تلك الفتاة نحو الإمارات العربية المتحدة هربا من العار الذي قد يلحق بها.
وذكرت نصار أن 25 في المئة من هؤلاء النسوة قد تعرضن للاعتقال لأنهن ناشطات، بينما اعتقل 75 في المئة لأن أحد أقاربهن من المعارضين، أو بسبب المناطق التي ينتمين إليها، حيث استخدم اعتقال النساء من أجل إخماد للثورة.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=21293