إذا سُئلت سيدة في أغلب المجتمعات العربية عن إقدام زوجها على الزواج عليها من أخرى، فالرد غالبًا ما يكون واحدًا، يقوم على مبدأ واحد، وهو الرفض القاطع، وفي أحيانٍ أخرى تتقبل نساء هذا الوضع كما المضطر ليأكل ما لا يطيق في صحراء بائسة.
ولأنّ الوضع في سوريا بلغ منذ سنوات حدًا لا يُطاق، ظهرت حملة جديدة، غريبة في مضمونها، متوقعة في سياق إطلاقها، بعنوان “زوجيني زوجك”.
تقوم هذه الحملة على أساس تزويج الرجل المتزوج في الأساس من سيدة أخرى، إلا أنّ اللافت أكثر أنّ سيدات هنّ وراء إطلاقها، وذلك بسبب تناقص أعداد الرجال في سوريا جرّاء الحرب الأهلية المشتعلة في البلاد، والتي قتلت مئات آلاف من الشعب، وهجّرت وشرّدت الملايين.
استطلاع لآراء بعض السوريين والسوريات ممن يقمن في البلاد التي هدمتها الحرب، عن هذه الحملة، وتبين من ذلك تباينًا في الآراء حول القبول بالفكرة من عدمه.
إعلان
يقول حسام، بائع (32 عامًا): “لا مشكلة في ذلك.. الحملة أطلقت لسبب إنساني على الصعيد الأول، وعلى النساء تقدير ذلك جيدًا”.
ويضيف: “الحرب في بلادنا تضرّر منها الجميع، وعلينا التكاتف فيما بيننا، من أجل المساعدة على وضع حد أدنى للاستقرار المعيشي على الأقل داخل الأسرة، حتى وإن كان الاستقرار الأمني غائب تمامًا”.
ويضع “حسام” شرطًا لذلك، وهو أن يتحلى الزوجان بقدر مناسب من التفاهم فيما بينهما من أجل تقبل هذا الوضع الجديد.
إعلان
بينما يرفض “محمد” (41 سنة) الفكرة، فيقول: “هذا أمر مرفوض تمامًا.. طالما أنّ الزوجة تقوم بكل واجباتها وتعطي حقوق الزوج وتقوم برعاية الأبناء، بالتالي يجب تقديس المرأة وعدم التفريط به”.
وتعلق سيدة تدعى “صفاء”، عن تجربتها بعد زواج زوجها عليها: “أخبرته أن يتركني ويستقر مع زوجته الأخرى”.
إعلان
هذه الحملة “الدمشقية” تعتبر فريدة من نوعها في المجتمع السوري، خلافًا لبعض المجتمعات العربية التي شهدت في السابق دعوات للزواج الثاني والثالث.
وبالنظر إلى الحملة، فيمكن إدراجها ضمن الآثار الاجتماعية التي طالت سوريا جرّاء الحرب الأهلية الدائرة في البلاد منذ 2011، منذ أن قرر رئيس النظام بشار الأسد مواجهة الثورة بالعنف، فحافظ على كرسيه لوطن قُتل منه أكثر من 400 ألف إنسان ونحو عشرة ملايين لاجئ ومشرد ومُهجّر.
آثار كثيرة تراكمت على السوريين كان السبب فيها الحرب المستعرة في البلاد، وبحسب دراسة للبنك الدولي، أفادت التقديرات أنّ الحرب الدائرة في سوريا تسببت في وفاة أكثر من 400 ألف شخص وأجبرت أكثر من نصف السكان على الفرار من ديارهم بحثًا عن الأمان سواء داخل البلاد أو خارج حدودها.
وقد أدّى ذلك إلى حدوث تدهور كبير في نوعية الحياة للمدنيين السوريين، حيث تشير التقديرات إلى أنّ 6 من بين كل 10 سوريين يعيشون في فقر مدقع بسبب الحرب.
وحسب الدراسة الصادرة نهاية العام الماضي، ففي السنوات الأربع الأولى بعد اندلاع الصراع، تمّ فقدان حوالي 538 ألف وظيفة سنويًّا مما نتج عنه وصول عدد السوريين الذين لا يعملون، أو غير المنخرطين في أي شكل من أشكال الدراسة أو التدريب، إلى 6.1 مليون شخص.
أيضًا، بلغ معدل البطالة بين الشباب 78% عام 2015، وعلى المدى الطويل، يترتب على هذا الخمول في النشاط خسارة جماعية لرأس المال البشري مما يؤدي إلى نقص في المهارات في سوريا. وأما على المدى القصير، ينضم الكثيرون، لا سيّما من الشباب، إلى المجموعات المقاتلة في الحرب لمجرد البقاء على قيد الحياة.
كما أنّ الخسائر التراكمية في إجمالي الناتج المحلي من جراء تعطل النظام الاقتصادي تزيد بواقع 20 ضعفًا عن تلك الناجمة عن الدمار المادي خلال السنوات الست الأولى للصراع.
وتثني هذه الاضطرابات عن الانخراط في الأنشطة الإنتاجية وتعيق عمل الشبكات الاقتصادية وسلاسل التوريد، ولقياس خطورتها، عقد التقرير مقارنةً بين آثار الاضطرابات الاقتصادية وسيناريو “يقتصر على وقوع دمار مادي فقط” مثل ما يحدث جراء بعض الكوارث الطبيعية.
ففي ظل اقتصاد جيد الأداء، تكون آثار الدمار المادي على الاستثمارات محدودة، حيث تتنبأ النماذج الاقتصادية بانخفاض الاستثمارات بنسبة لا تتجاوز 22% خلال سنوات الصراع.
ويُعاد بناء الممتلكات المادية بشكل جزئي في ظل هذا السيناريو ويتم احتواء التداعيات الاقتصادية، وأمّا حين يترافق الدمار المادي مع تدمير الأنظمة الاقتصادية والربحية أيضًا، فإنّ الاضطرابات الاقتصادية تؤدي على النقيض إلى تقليل الاستثمارات بدرجة كبيرة، حيث تُظهر النماذج الاقتصادية انخفاضها بنسبة 80% خلال سنوات الصراع، وتزداد الآثار الأولية للاضطرابات الاقتصادية رسوخًا مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى تواصل الضرر.