باتت تحركات الجانب الروسى الأخيرة تشير إلى أن هناك تخوفا حقيقيا من الكتائب التى شكلتها إيران عبر السنوات الأخيرة فى سوريا، بدعم من خبرات الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله.
اقترحت موسكو ضم تلك الكتائب إلى القوات المسلحة السورية النظامية على اعتبار أن روسيا تحظى بعلاقات ممتدة منذ منتصف القرن العشرين مع النظام السورى، كما يعد التدريب والتسليح السورى روسيًا خالصًا.
وكانت تلك الخطوات الروسية سببًا لامتعاض إيرانى، حيث استشعرت إيران أن روسيا تسعى لحرمانها من ظهيرها العسكرى، ذلك الذى شكلته على غرار الحرس الثورى، عقب الثورة الإسلامية عام 1979، ومن ثم انفراد روسيا بالقوى العسكرية المتخندقة فى معسكر بشار الأسد، ولولا تلك الشكوك الإيرانية تجاه روسيا، لكانت الفكرة راقت لنظام الملالى وضم فرقه وكتائبه إلى الجيش النظامى فور تشكيلها.
سوتشى فبراير.. تصور جديد للتحجيم الإيرانى
إعلان
وكان مؤتمر الحوار الوطنى السورى الذى دعت إليه الحكومة السورية والذى انعقد فى مدينة سوتشى الروسية فبراير الماضى قد أسفر عن عددٍ من النتائج المباشرة على علاقات روسيا بإيران، فقد كانت فى مجملها تصورا روسيا جديدا لتحجيم الدور الإيرانى فى الأزمة، ومحاولة إبعاد الرئيس السورى بشار الأسد عن استراتيجية الجمهورية الإيرانية فى المسألة المشتعلة منذ نحو 7 سنوات.
والمحصلة النهائية أن تحركات روسيا فى سوريا على هذا النحو تستهدف إبعاد دمشق قدر المستطاع عن إيران، حيث تعتقد روسيا أن تأثير إيران على نظام الأسد مفرط، وأن عليها الحد من هذا التأثير، وفصل الأسد عن تأثير طهران.
مخاوف الحرس الثورى
إعلان
بينما تخشى المجموعات الشيعية وقيادة الحرس الثورى الايرانى من أن الجانب الروسى سيحاول إزاحة ايران بطريقة أو بأخرى، ويمكن أن يتعاون فى ذلك مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو خصم أعظم من رأس المال السياسى والعسكرى الذى أنفقته طهران على دمشق فى السنوات السبع الأخيرة.
تصريحات المسؤولين تكشف خلافات خفية
إعلان
وكانت تصريحات الخارجية الإيرانية بشأن قواتها في سوريا تجليًا للخلافات غير المعلنة بين طهران وموسكو على الساحة السورية، التى شهدت فى الأيام الماضية “تفجيرات غامضة”، استهدفت قواعد ميليشيات إيران بعد أكثر من أسبوع على ضربات إسرائيلية مماثلة كانت روسيا على علم بها.
وفى رد غير مباشر على إعلان الرئيس الروسى، فلاديمير بوتن، ضرورة سحب “جميع القوات الأجنبية” من سوريا، فرد المتحدث باسم الخارجية قائلاً إن الوجود الإيرانى “هناك فى سوريا هو بناء على طلب من حكومة ذلك البلد”، وذلك وفق ما نقلت وكالة “إيرنا” الإيرانية.
وكانت تصريحات بوتين الجديدة آنذاك جاءت عقب لقاء مفاجئ مع الرئيس السورى بشار الأسد، فى سوتشى جنوب روسيا، وقد قال فى وقت لاحق مسؤولون روس إن المقصود من هذه التصريحات القوات الإيرانية وميليشياتها، بالإضافة إلى غيرها من القوات الأجنبية.
وتعقيبًا على تصريحات بوتين، قال مبعوث الرئيس الروسى الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، إن “الحديث يجرى عن جميع الوحدات العسكرية الأجنبية المتواجدة فى سوريا بما فى ذلك الأمريكان والأتراك وحزب الله، وبالطبع الإيرانيين”.
وكان هذا التوضيح والتصريح بداية ظهور الخلافات بين البلدين إلى السطح، لتأتى تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمى، لتؤكد ذلك، فقد قالت “إيرنا” إنه رد “على سؤال حول ما نقل عن مسؤولين روس بشأن انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، فضلاً عن التكذيب اللاحق للخبر”.
ولم يقنع تكذيب الخبر الخارجية الإيرانية، فقد وجهت على لسان قاسمى رسالة مباشرة لروسيا، مفادها أنها لن تنسحب إلا وفقًا لإراداتها، وقال حرفيًا: “لا يمكن لأحد أن يجبر إيران على القيام بذلك، لأن لدينا سياسات مستقلة خاصة بنا”.
ضربات قوية للميليشيات الإيرانية
وفى ظل تراشق التصريحات الروسية الإيرانية، برز صمت النظام السورى محاولة للوقوف على الحياد بين حليفيه، رغم أن أركان النظام ينحازون لموقف موسكو، نظرا لما بدأت تشكله إيران وميليشياتها من خطر حقيقى على البلاد.
وبالتزامن مع تراشق التصريحات، تعرضت مواقع إيرانية لتفجيرات “مجهولة الهوية”، من بينها انفجارات قوية هزت غرفة عمليات إيرانية فى مقر إدارة الحرب الإلكترونية، جنوبى العاصمة دمشق منتصف مايو الماضى، إضافة إلى مقتل العشرات من القوات الإيرانية داخل سوريا.
كما هزت سلسلة انفجارات ضخمة مطار حماة العسكرى وسط سوريا، إذ استهدفت “مستودعات أسلحة ووقود”، فى حين أشار ناشطون إلى أن الهدف كان صواريخ “أرض جو باور 373″، التابعة للمليشيات الإيرانية.
الضربة الإسرائيلية الأخيرة رسالة روسية خطيرة
وكانت أبرز الإشارات الروسية عن عدم رضا موسكو الأخير حيال الوجود الإيرانى، كانت الضربة الإسرائيلية التى استهدفت عشرات الأهداف “الإيرانية” فجر 10 مايو الجارى، واللافت فى هذه الضربة أنها جاءت بعد مرور وقت وجيز على عودة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، من زيارة لموسكو بحث خلالها المخاوف بشأن سوريا، ولاسيما الوجود الإيرانى.
إعلان
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كان تصريح اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس، المتحدث العسكرى الإسرائيلى لافتًا للنظر، وقال إن إسرائيل أخطرت روسيا مسبقا بضربات 10 مايو التي أسفرت عن تكبد إيران خسائر فادحة فى الأرواح والعتاد، ما يشير إلى أن موسكو لم تبلغ طهران بذلك، فى خطوة اعتبرها مراقبون رسالة قوية للنظام الإيرانى لسحب قواته وميليشياته الطائفية فى محاولة للعودة إلى المسار السياسى لحل النزاع المستمر فى الأراضى السورية منذ 2011.
إعلان
إعلان
الفوسفات.. فتيل الصراع بين موسكو وطهران
إعلان
الأمر لا يتوقف عند مسألة الصراعات السياسية فحسب، بل إن المغزى الرئيسى خلف الصراعات السياسية هو تضارب المصالح الاقتصادية بين إيران وروسيا، وأبرزها الصراع على مناجم الفوسفات.
ففى الوقت الذى تتولى فيه شركات روسية تطوير مناجم خنيفيس والشرقية بريف تدمر، سعت إيران إلى الاستحواذ عليها وجعلها مصدرا اقتصاديا لها.
وفى مطلع عام 2017، زار رئيس وزراء سوريا عماد خميس طهران، ومنحها الحق فى استثمار مناجم الفوسفات، واتفق الطرفان حينها على تسديد الديون، عبر منح إيران الفوسفات السورى، وتصدير الإنتاج إلى طهران.
في المقابل، أبرم النظام اتفاقيات مع شركات روسية من أجل تطوير مناجم خنيفيس، الأمر الذى يثير عدة شكوك حول الصراع الاقتصادى بين روسيا وإيران على احتكار الفوسفات السورى.
إعلان
دخول روسيا على خط الصراع عبر شركة “ستروى ترانس غاز” التي يملك فيها الميلياردير الروسى جينادى تيموشينكو الحصة الكبرى، أنهى الحلم الإيرانى بعد بدء الشركة فعليا بتنفيذ أعمال الصيانة وتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل إلى المرافئ للتصدير.
«قوات النمر» الروسية تطارد الميليشيات الإيرانية
وكشفت مصادر مطلعة تكشف عن معلومات حول الصراع الروسى الإيرانى على مناجم الفوسفات فى سوريا، وقالت إن إيران دفعت بميليشياتها للاستيلاء على المناجم وحمايتها لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع النظام فى طهران، لكن روسيا زجت بـ”قوات النمر” فى الصراع، التى بدورها هددت ميليشيات إيران بقصف أى حمولة تخرج من المناجم للتصدير.
وأضافت المصادر أن “قوات النمر” نفذت تهديدها وقصفت حمولة خرجت من المناجم، ثم شنت هجوما واستولت على المناجم بالقوة وطردت الميليشيات الإيرانية منها.
وأكدت المصادر أنه وبعد هذا الهجوم والاستيلاء على المناجم، سارعت روسيا لإبرام الاتفاق مع النظام عبر الشركة الروسية.
وتنتج هذه المناجم فى الأوقات العادية أكثر من 800 ألف طن من الفوسفات، فيما يقدر الاحتياطى الموجود بملايين الأطنان من الفوسفات ولم يستهلك الكثير منه خاصة مع تواصل عمليات التنقيب التى ساهمت فى مضاعفة ناتج الاحتياطى.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=58327