شركاء في معركة كبيرة واحدة؛ كان هدفها الأساس المُعلن هو الحفاظ على الأراضي السورية من سيطرة تنظيم (داعش) والفصائل المسلحة التي ثارت على الرئيس السوري، “بشار الأسد” منذ العام 2011.. لكن بدا مؤخرًا، ومنذ أعلنت أميركا رفع يدها عن “إيران” والإستعداد بكل قسوة لمعاقبة طهران، أن ثمة من سيخذل الآخر.
وها هي “روسيا” تعلنها بشكل غير مباشر؛ بأنه حان وقت التخلي عن “إيران” وذبحها.. فقد إنفض ما كان يجمعهما ولا حاجة للتواجد الإيراني على الأراضي السورية، ويكفي “روسيا” ما حققته من تواجد مكنها من الحصول على حصة أكبر من “الغاز السوري والفوسفات” !
الخلاف بلغ ذروته..
فيبدو أن الملف السوري مقبل على محطات مهمة؛ سيكون أبرزها “إيران” ومستقبل وجودها، خاصة مع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن خلاف بين “موسكو” و”طهران” في “سوريا”، اشتدت ذروته بعد تغاضي روسيا عن عمليات تركيا في “عفرين”، ومن ثم تراجعها عن تزويد “نظام الأسد” بمنظومة صواريخ (إس 300)، عقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، إلى موسكو !
إعلان
وسائل إعلام فرنسية وقفت بالتفصيل على هذه التطورات، بربطها بين إنسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني والوجود الإيراني في سوريا، وإتخذت من تداعيات الإنسحاب زاوية لرؤية مستقبلية تفضي إلى لي ذراع طهران في الشرق الأوسط..
واشنطن وموسكو يتفقان الآن ضد طهران..
حتى إن خلاف “أميركا” و”روسيا” بخصوص “سوريا” ربما يشهد اتفاقًا في الحالة الإيرانية، فما لم يُكشف عنه في آخر زيارة أجراها “بشار الأسد” إلى مدينة “سوتشي” الروسية فيه أهم سيناريوهات المرحلة المقبلة.
إعلان
محللون وقفوا عند تصريح الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، المتعلق بإنسحاب القوات الأجنبية من سوريا مع بدء العملية السياسية، ليضعوا الفصائل الإيرانية المسلحة ضمن دائرة حديث “بوتين”.
نحن فقط من يتواجد بصفة شرعية !
إعلان
فقد قال “بوتين”، مباشرة، إن قوات بلاده فقط من توجد بشكل شرعي في “سوريا”، الأمر الذي أثار حفيظة مسؤولين إيرانيين رأوا في تصريحات الرئيس الروسي تقليلاً من شأن “طهران”، التي قتل من فصائلها وعناصرها في سوريا أضعاف ما قتل من القوات الروسية المتواجدة في سوريا.
قنبلة روسية في وجه إيران.. إسرائيل أهم عندنا..
هي قنبلة دبلوماسية روسية من العيار الثقيل تنتظر طهران، هكذا وصف سياسيون المشهد الحالي بين طهران وموسكو، رغم الغموض الذي يكتنف البيت الروسي السياسي تجاه دور إيران في مستقبل سوريا..
وعلى ذات الخط تسير واشنطن، التي حدد وزير خارجيتها 12 شرطًا، “مستحيلاً”، لحل الخلاف مع إيران؛ من بينها إنسحاب فصائلها المسلحة وجنودها من “سوريا” وعدم تهديد أمن “إسرائيل”، وعلى ذكر إسرائيل فإنها تعني لموسكو حليفًا إستراتيجيًا أكثر مما تعنيه طهران، فضلاً عن أنها تود أن تبقى القوة الوحيدة الفاعلة في سوريا ضمن أي تسوية مقبلة !
وفي ظل تلك الأوضاع؛ بدأت تتشكل ملامح “محور ثلاثي” يضم “موسكو والأسد وتل أبيب”، لكل منهم أسبابه لدفع الإيرانيين وفصائلهم إلى مغادرة سوريا.
لا أحد يستطيع إخراجنا من هناك !
طهران من جانبها؛ وتعليقًا على مثل هكذا أنباء، قالت إنه لا أحد يستطيع إخراجها من سوريا !
وهو الأمر الذي إستدعى تأكيد الرئيس السوري نفسه من أن أحدًا لن يفرض أوامره على العناصر الإيرانية المتواجدة في سوريا، وأن إنسحابهم، وعناصر “حزب الله” اللبناني، من سوريا أصلاً أمر غير مطروح.
الموقف الروسي أربك “الأسد”..
لقد تفاجأ “الأسد” نفسه من أن قضية المقاتلين الأجانب في سوريا أصبحت محط اهتمام روسيا، الدولة الحليفة له، وسط تبادل التصريحات بين روسيا ونظام الرئيس السوري دون الوصول إلى صيغة مشتركة !
فالرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، كان قد طلب من “الأسد” إخراج القوات الأجنبية من سوريا، الأمر الذي أغضب دمشق، وجاء الرد على لسان نائب وزير الخارجية السوري، “فيصل المقداد”، بأن إنسحاب “إيران” و”حزب الله” من سوريا موضوع غير مطروح للنقاش؛ ويأتي في سياق سيادة الدولة، مضيفًا بأن حكومته لن تسمح لأحد بطرح هذا الموضوع.
لكن تصريحات “المقداد” تبعتها تصريحات أخرى؛ بأن زيارة “الأسد” الأخيرة إلى روسيا ستكون قاعدة جيدة لإجراء مشاورات حول أهم الجوانب لبدء نقاش حول الدستور !
إعلان
روسيا تتحكم من على أرض سوريا..
إعلان
إعلان
بدورها؛ جددت “قاعدة حميميم” العسكرية الروسية، المتواجدة في سوريا، مطالب بلادها بضرورة خروج القوى الأجنبية من الأراضي السورية، بما فيها العناصر الإيرانية، وقالت إن خروج تلك القوات أمر ضروري لإنهاء الصراع بشكل كامل.. !
إعلان
لكن على الأرض تبدو الأمور مخالفة للتصريحات، إذ بدأت عناصر “حزب الله” اللبناني وإيران بالإنسحاب بشكل فعلي من محافظة “درعا”، جنوبي سوريا، على أن تحل مكانها قوات تابعة للنظام السوري بقيادة، “سهيل الحسن”، الملقب بـ”النمر”، الأمر الذي أكده “الجيش السوري الحر”، حيث أكد أن مراصده العسكرية رصدت إنسحاب عناصر عسكرية تابعة لفصائل إيرانية و”حزب الله” من مدينة “درعا”، لكنها توجهت نحو العاصمة “دمشق”.
بالتزامن مع تلك الإنسحابات، نفى السفير الإيراني لدى “الأردن”؛ وجود قوات إيرانية في الجنوب السوري، كما أكد على أن بلاده لم تشارك في “معركة الغوطة”، ولم يستبعد قيام قوات “الأسد” بدعم من روسيا بعملية عسكرية في جنوب سوريا في حال فشلت المفاوضات مع الفصائل العسكرية.
“بوتين” أعطى إشارة بدء إستهداف القوات الإيرانية..
إن أكثر ما يؤكد تخلي موسكو عن طهران، وأنها أعطت إشارة بدء معاقبتها من قبل أميركا، أو على الأقل أظهرت بوضوح أنها لن تتدخل إذا ما كان هناك إجراءات رادعة ضد إيران، هو ما ذكره “بوتين” صراحة بضرورة سحب جميع القوات الأجنبية من سوريا مع بداية العملية العسكرية، وكأنها إشارة للغرب وإسرائيل بأنه رفع يده عن إيران؛ ولا مانع من إستهداف أي قوات إيرانية وفصائلها في سوريا.
إعلان
وهي رسالة كانت شديدة اللهجة خلال لقائه “بشار الأسد” في روسيا، وأثارت جدلاً داخل “سوريا”، والتي ردت على لسان نائب وزير خارجيتها، “فيصل المقداد”، والذي قال إن إنسحاب قوات حليفة لدمشق شأن يخص الحكومة السورية وحدها.
آلاف الإيرانيين يتواجدون في سوريا..
“دمشق” رفضت أيضًا مطالب “واشنطن” بإنسحاب القوات الإيرانية من سوريا، حيث يقدر عدد العسكريين الإيرانيين هناك بالآلاف.
مع ذلك فإن الدعوات لإنسحاب قوات أجنبية من سوريا تثير تساؤلات حول حجم هذه القوات، إذ إن روسيا نفسها لها حضور عسكري في سوريا.
روسيا تحتفظ بعدد كبير من قواتها في سوريا..
ورغم تأكيد موسكو أنها خفضت وجودها العسكري بشكل كبير، منذ تشرين ثان/نوفمبر 2017، إلا أنها لا تزال تحتفظ بوحدات عسكرية عدة، خصوصًا في قاعدتي “طرطوس” البحرية و”حميميم” الجوية، ويقدر عدد العسكريين الروس هناك بنحو 3 آلاف جندي في الوقت الحالي !
الجيش الأميركي في 10 مواقع بسوريا..
الجيش الأميركي ينشط هو أيضًا في حوالي 10 مواقع عسكرية، تتمركز في المناطق “الكردية” شمال سوريا، حيث ينتشر نحو 2000 جندي.
الجارة التركية كذلك، بعثت بوحدات عسكرية إلى شمال سوريا، إذ يقدر خبراء أمنيون أن نحو 2500 جندي تركي، على الأقل، يتمركزن في شمال البلاد..
10 آلاف من عناصر “حزب الله” اللبناني..
هذا بالإضافة إلى ميليشيات وقوات غير نظامية عديدة تقاتل في سوريا، ومن بينها مقاتلو “حزب الله” اللبناني، الذين يقدر عددهم بنحو 10 آلاف ويتمركزون في جنوب البلاد !
لكن يبقى السؤال.. ما الذي إنحرف بالموقف الروسي تجاه الحليف الإيراني للدرجة التي يطالب فيها “بوتين” علنًا بضرورة الخروج الإيراني من سوريا؛ وهي القوات التي لولا تواجدها وقتالها إلى جانب قوات الرئيس السوري ما استطاعت دمشق إستعادة مناطق كثيرة من الأراضي السورية، بل ربما كانت سقطت العاصمة السورية في أيدي المعارضين المسلحين ؟!
المصالح العليا لروسيا أهم.. لا داعي للتورط..
إن أكثر المؤشرات ترجيحًا، تتحدث عن موروث روسي قديم يظل أساسه المصلحة العليا للدولة الروسية، فروسيا أيقنت أن التواجد الإيراني في سوريا سيحجم من مكاسبها الاقتصادية هناك، إذ إنه لا حاجة لوجود إيراني يراقب ويتابع ما حققته روسيا من سيطرة على مواقع للغاز ومناجم للفوسفات السورية بعقود تصل إلى 50 عامًا.. فالثروات هنا لا تقبل القسمة مع الإيرانيين، كما لا ترغب موسكو في جني المتاعب في الوقت الراهن !
إفساد كأس العالم وملاحقة موسكو بـ”غاز الأعصاب”..
إذ إن ضغوطًا كبيرة مورست على موسكو؛ حملت معها رسائل تهديد غربية وخاصة “بريطانية”، إما التخلي عن طهران أو مقاطعة دولية وحصار لروسيا وإفساد تنظيمها لـ”كأس العالم”، الذي تبدأ فعالياته في حزيران/يونيو 2018، فضلاً عن تصعيد اللهجة فيما يتعلق باستخدام الكيماوي، “المحرم”، في واقعة العميل الروسي، سيرغي سكريبال”، وابنته للمرة الأولى في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا على أرض “بريطانيا”.
وهي الواقعة التي تسببت في طرد 23 دبلوماسيًا روسيًا من “بريطانيا” وحدها، مع إجراءات مماثلة من 25 دولة حول العالم دعمًا لبريطانيا، الأمر الذي رأت معه موسكو ضرورة التخلي عن إيران كي لا تزداد أمواج الغضب أمامها وترتفع العقوبات في وجهها !
المصدر: كتابات