يبدو أن “ملف التهريب” بين سوريا والأراضي التركية لا يقل أهمية عن أي ملف آخر يخص الشأن السوري على طاولات الساسة وغيرهم، فمسألة التهريب أصبحت أخطر من ذي قبل مع توجه تركيا لأخذ كافة الاحتياطات والتدابير التي من شأنها منع دخول السوريين المتدفقين منذ عام 2011 إليها عبر الشريط الحدودي وغيره، إلا أن جميع التدابير لم توقف قط عمليات تهريب البشر من سوريا إلى الداخل التركي بعد أن حول عشرات الأشخاص (تهريب البشر) إلى مهنة رابحة بدأت تدر عليهم في السنوات الأخيرة آلاف الدولارات شهرياً.
مصطلح “التهريب” دخل مرحلة جديدة ولم يعد يقتصر على عملية تسلل اللاجئين ودخولهم إلى الأراضي التركية بطريقة غير نظامية، بل أصبح يشمل (التهريب الداخلي) بين المحافظات، وذلك بعد نشر للجيش التركي على الطرقات العامة الواصلة بين المحافظات وخاصة في المدن الحدودية كولايات (هاتاي وكلس وأورفة) الواقعة على الحدود مباشرة مع سوريا، وقد ارتبط هذا المصطلح تماماً بمصطلح آخر جديد هو (التزوير للتيسير)، فيما التقت جميع المصطلحات السابقة ضمن مربع واحد وهو (الحصول على الدولار).
(علي شيخ موس) شاب سوري تم تهجيره من منزله في مدينة “الزبداني” قبل عام تقريباً، روى في حديث لـ “أورينت نت” قصة تهريبه إلى مدينة اسطنبول التركية بعد دخوله إلى تركيا عبر الشريط الحدودي الواصل بين مدينة أنطاكية ومناطق ريف إدلب الشمالي حيث قال: “بعد ثلاثة أيام من دخولي الأراضي التركي متخفياً وفاراً من الشرطة وحواجز الجيش، وخلال تلك المدة التي أمضيتها في منزل ناءٍ في مدينة الريحانية الحدودية بريف أنطاكيا، التقيت بعشرات الأشخاص ممن هم بمثل حالتي، الجميع يرغب بالمغادرة إلى المحافظات الواقعة شمال تركيا، حيث تتواجد فرص للعمل، ولكن طريقة الوصول إلى هناك أصبحت صعبة جداً لمن هم في مثل وضعنا وتتطلب مالاً ووقتاً كثيراً ولن تكون أقل من الرحلة التي أمضيناها على أعتاب الجدار التركي الإسمنتي الممتد على الحدود”.
وأضاف (شيخ موس) “عرض علينا أحد المهربين الداخليين عرضان، أولهما استخراج بطاقة هوية كمليك، والخروج إلى الطريق بشكل نظامي مقابل مبلغ 150 دولار أمريكي، وفي هذه الحال نحن أمام احتمال التفييش وقد يتم كشفنا، أما العرض الثاني فهي الخروج في سيارات خاصة تسلك الطرق الجبلية والفرعية عبر القرى والمدن الصغيرة بعيداً عن الحواجز التي نشرها الجيش، وستكون هذه الرحلة أكثر أماناً إلا أنها ستكلف المزيد من المال والوقت حيث تبلغ تكلفة مثل هذه الرحلة نحو 250 – 300 دولار أمريكي، وذلك يتعلق بعدد الركاب مع المهرب”، مشيراً إلى أنه “اختار العرض الثاني وبالفعل تم ذلك وانتقل بهم المهرب عبر الطرق الجبلية في رحلة استمرت لنحو 20 ساعة تقريباً حتى وصلوا إلى إسطنبول”.
ومنذ أشهر أعلنت الحكومة التركية رسمياً عبر دوائرها الأمنية، أنها أوقفت استصدار الهويات التركية (الكمليك) لجميع السوريين وفي غالبية المحافظات، في حين أبقت عليها في بعض المحافظات الأخرى، ليتوجه كل من يعمل في مجال (السمسرة) إلى تلك المحافظات، حيث بات هؤلاء يضعون إعلاناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بذات العبارات (مستعدون لاستخراج كمليك.. لمن يرغب الاتصال على الرقم التالي)، وتكون مهمة السمسار في هذه الحالة هو فقط حجز موعد قريب بطريقة أو بأخرى هذا في حال إن كان صادقاً.
فيما عمد سماسرة آخرون لطرق أسهل وأقل جهداً بالنسبة إليهم وتجلب مالاً وفيراً، حيث توجه هؤلاء إلى (التزوير) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فأصبحوا يطبعون (إيصالات تسجيل) على الكمليك وهي ورقة تمنحها مديريات الأمن للمتقدمين الجدد تتيح لهم التنقل بها والاستفادة من كافة مزايا اللاجئ ريثما يتم تسليمهم الكمليك، وقد اعتمد هؤلاء على وضع أرقام شخصية لأشخاص آخرين أو وضع أرقام وهمية على الأوراق ومن ثم بيعها على أنها نظامية ومستخرجة للشخص بعينه الذي دفع النقود، وقد تسبب ذلك بترحيل العشرات من السوريين إلى سوريا بتهمة التزوير أو عدم حيازة الكمليك، وهو محظور وفقاً للقوانين التركية والعقوبة تتراوح بين السجن والترحيل أو الترحيل فقط.
وقال “ألباي ناز” موظف في دائرة الهجرة بولاية أنطاكيا لـ “أورينت نت”، إنه ورغم التحذيرات والمناشدات والقرارات الداعية للسوريين لعدم الانجرار وراء العروض الكاذبة أو الإجراءات المزيفة، ما زال هناك العشرات بل المئات من السوريين يقعون فريسة لعصابات التزوير المنتشرة بكثرة في الولايات التركية والمشتركة بين سوريين وأتراك في بعض الأحيان، هناك قوانين وتشريعات يتم الإعلان عنها ومسألة استصدار الكمليك للسوريين متوقفة الآن ولا يمكن استصدار كمليك نظامي تحت أي ظرف باستثناء الأطفال الجدد (حديثي الولادة في المشافي التركية)، وهذا ينطبق على جميع المحافظات تقريباً”، مشيراً إلى أنه وفي الوقت الحالي في هاتاي لايمكن استصدار كمليك حتى لو دفع الشخص 100 ألف ليرة تركية، وفق تعبيره.
وعن السبب، أوضح “ناز” أن “الوضع في تركيا وبخاصة في محافظات الحدود مرتبط بما ستؤول إليه الأمور مستقبلاً في الداخل السوري، وعليه فإنه يتوجب علينا الحذر وأخذ جميع الاحتياطات ومعرفة من دخل إلى تركيا بصفة لاجئ من غيرها”.
المصدر: أورينت
Source : https://arab-turkey.net/?p=65807