أ ف ب: حين قدمت فاطمة (30 عاماً) مع عائلتها الى باريس، انضمت على الفور الى مجموعة مثيرة للجدل، بين أوساط السوريين. هذه المجموعة التي يقف أمامها العاملون في المنظمات الدولية بحيرة، تؤرق اليوم السوريين من مقدمي اللجوء. حيث يتسول افراد هذه المجموعة في محطات “مترو باريس″، ويقولون عن أنفسهم أنهم “عائلات مهاجرة من سوريا”، وهم على الرغم من ترحالهم من سوريا وانتمائهم الى فرع شرق اوسطي من غجر الروما، الا أنهم لا يتقدمون بطلبات لجوء، ويبقون في تسول دائم ويستخدمون صفة “لاجىء” لاستعطاف الشفقة.
تجلس فاطمة، في ممرات محطة “سان لازار” لقطارات الأنفاق الباريسية، على كرسي صغير مع ابنها يوسف ذي الأشهر السبعة. وهي تستجدي المارة منادية باللغة العربية “عائلة سورية يا إخوتي”. لكن كثيراً ما تصادر الشرطة منها لافتات ترفعها لجذب انتباه المارّة وعطفهم، لكنها حفظت كيف تعيد كتابة العبارة التي من شأنها أن تدرّ عليها بعض المال “عائلة سورية”.
تقول فاطمة، أنها أخذت هذه الفكرة من أشخاص سوريين حين وصلت إلى فرنسا قبل ثمانية أشهر، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. ووفق جمعيات فرنسية، فإن هذه العائلات ظهرت في أروقة محطات قطارات الأنفاق وعلى مداخل المدينة في الأشهر الأخيرة. وتثير هذه الفئة، التي لا تستفيد من المساعدات وتعيش على التسول، استياء اللاجئين السوريين.
تقول هيلين بورين، العاملة في جمعية تساعد اللاجئين، في اتصال مع “القدس العربي”، إن هذه الظاهرة، ليست بجديدة، ففرنسا يوجد فيها العديد من الغجر الروم، الذين يرتحلون مراراً”، مشيرة الى ان “وجود هؤلاء في مخيمات في وقت سابق، أثار حفيظة الحكومة وتم اغلاق مخيماتهم فوجدوا انفسهم في الشارع″. موضحة ان هؤلاء لا يتقدمون بطلبات لجوء ولا يريدون الاستفادة من المساعدات. مؤكدة ان بعضهم يستغل معاناة السوريين للتسول باسمهم، لكنها أيضاً قالت، ان بعضهم يعيش في سوريا ويستخدم اسم السوريين، لكنهم ليسوا بلاجئين.
وتقول بانة محمد، وهي فتاة سورية لاجئة، قدمت الى فرنسا منذ 4 سنوات، لـ”القدس العربي”، إن هذه الظاهرة تسيء للسوريين وتدفعنا دوما الى التفسير للآخرين، ان هؤلاء ليسوا لاجئين”.
وتُجمع المنظمات الإنسانية على أن السوريين الذين يتسوّلون في المترو في باريس هم من فرع شرق أوسطي لغجر الروما يعيشون بين سوريا ولبنان وإيران.ويقول مالك سالمكور، رئيس رابطة حقوق الإنسان والمتخصص في شؤون غجر الروما “إنها هجرة عائلية” لأشخاص يحترفون التسوّل لأن معظمهم ليسوا من طالبي اللجوء رسمياً، مؤكداً أن “حضور هذه الجماعة قليل جداً في فرنسا. ففي باريس لا يتجاوز عددهم الـ200، فيما استفاد 10 آلاف سوري من الحماية القانونية أو حصلوا على صفة لاجئين منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011 وما تلاها من نزاع عنيف.
واكتشفت المنظمات المعنية بمساعدة اللاجئين وجود هؤلاء الغجر حين ظهروا بين العامين 2014 و2015. ويستذكر ميشال مورزيير كيف فوجئ بوصول أول مجموعة منهم قوامها 178 شخصا ضمن 39 عائلة. ويقول إن معظمهم لا يتقدمون بالمعاملات اللازمة للحصول على صفة لاجئين، بل يتوارون في الطبيعة.
وهم يتنقلون في جماعات بين بلجيكا وفرنسا ويرفضون أن يفصلوا عن بعضهم. ويقول ديدييه ليشي، المسؤول المحلي في منطقة سان دوني أن “نظام الاستضافة مكتظ بنسبة 95 بالمئة، لذا لا يمكن أن نوفر 25 غرفة في مكان واحد” لهذه الجماعات التي تأبى الانفصال عن بعضها.
ويقول بيار هنري، المدير العام لمنظمة “فرنسا أرض اللجوء” إن هؤلاء الغجر “لا يأتون أبدا إلينا، بل يفلتون منا”. وبحسب المنظمات المعنية باللاجئين، تنفي معظم نساء هذه الجماعات أنهن من الغجر، لتجنّب الصورة السلبية التي قد تنطبع في أذهان الناس.
ويقول سالمكور، إن جماعة الغجر هذه، وعلى غرار غجر الروما، تتعرّض للتمييز الاجتماعي، حتى في بلدانها، رغم أن وضعها في سوريا لم يكن سيئاً، لكن في باريس، لا يحبّذ كثير من السوريين ظهور هذه “العائلات السورية”، بل يرون أن وجودهم في أنفاق المترو وتسوّلهم يعطي صورة سلبية عن اللاجئين السوريين.
وفي محطة شاتليه في باريس، يقترب عامر هدلة، وهو مترجم سوري مقيم في باريس، من إحدى هؤلاء النساء ويتحدث معها، ثم يعرب عن استيائه قائلاً: “أقول لها إنه ينبغي عليها الكف عن رفع لافتة “عائلة سورية” للتسوّل، هذا يضرّ بصورة السوريين”. لكن فاطمة تجيب “فليعطونا راتبا، أنا هنا لأن أطفالي لا يجدون ما يأكلونه”، مضيفة أنها تقدّمت بمعاملات اللجوء، وتقول “حين أحصل على أوراقي لن يراني أحد هنا”.
ويعيش بين 15 إلى 20 ألفاً من الغجر والروم في دول الاتحاد الأوروبي في ظروف صعبة تثير قلق المفوضية الأوروبية.ولا تزال ثماني دول أوروبية منها فرنسا تفرض على رعايا بلغاريا ورومانيا اللتين ينتمي إليهما غالبية الروم، قيوداً للحصول على وظائف تجعل منهم حالة خاصة بين المواطنين الأوروبيين. ولا يمكن توظيفهم إلا في بعض المهن التي تنقص فيها اليد العاملة كالبناء والترميم والصيانة، مع الحصول على إذن مسبق من قسم الشرطة، كما يتعين على صاحب العمل دفع ضريبة لدائرة الهجرة.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=23919