رغم أن الزواج من أوروبيات ليس جديدًا على المجتمع السوري، إلا أنه كان نادرًا مقارنةً بالسنوات الأخيرة التي شهدت هجرة الكثير من السوريين إلى أوروبا، ويقدر عددهم بـ 550 ألف لاجئ سوري معظمهم استقروا في ألمانيا، حسب إحصائية صادرة عن الحكومة السورية المؤقتة عام 2016.
وفي هذه اسنوات السبع من عمر الثورة السورية فقد أصبح زواج السوريين في أوروبا من “بنت البلد” يواجه عقبات كثيرة، أولها صعوبة إجراءات “لم الشمل” في حال كانت الفتاة خارج أوروبا، و”تعقيدات” تفرضها الفتاة السورية المقيمة في القارة الأوروبية على المتقدم للزواج، كما يروي الشاب عمر شهاب، المقيم في ألمانيا، لموقع عنب بلدي.
عمر قال إن إجراءات لم الشمل أصبحت أكثر تعقيدًا عامي 2016 و2017، خاصة أن الحكومة الألمانية استحدثت للسوريين ما يعرف بـ “الإقامة الثانوية” ومدتها عام واحد قابل للتمديد، ولا تخول حاملها لم شمل عائلته، بالإضافة إلى أنها تشترط عليه العودة إلى بلده في حال انتهى النزاع.
تلك التعقيدات جعلت الشباب المقبلين على الزواج في ألمانيا يبتعدون عن التفكير بالارتباط بفتاة داخل سوريا، واتجه بعضهم إلى الزواج من السوريات المقيمات في أوروبا، إلا أنهم تفاجأوا بـ “عقبات” أخرى، كما وصفها عمر، وهي شروط مادية صعبة تفرضها العوائل السورية على الشباب السوريين، ليتجهوا نحو الارتباط بفتيات ألمانيات.
إعلان
ويقول عمر إن الفتاة السورية “أصبحت تطلب مهرًا يصل إلى 15 ألف يورو وذهب بـ 3000 يورو، بالإضافة إلى شروط أخرى، و”منها ترك بطاقتها البنكية عند أهلها ليستلموا راتبها نيابة عنها”، وتابع “الفتيات الألمانيات غالبًا تكون شروطهن أقل، لأنهن يبحثن عن الاستقرار، كون الشباب الألمان يفضلون الدخول في علاقات متعددة على الارتباط والزواج”.
وأشار عمر إلى أن الألمانيات لا يضعن الزواج من مسلم عائقًا أمامهن بعكس ما هو شائع، وغالبًا ما تتم عقود الزواج عند شيخ في المسجد (كتاب شيخ) لحين إنجاب أطفال، إذ يضطر الزوج لتثبيت زواجه قانونيًا في المحاكم الألمانية لتسجيل طفله في السجل المدني.
إعلان
مزايا مادية وقانونية “مشجعة”
من وجهة نظر خبراء اجتماعيين، فإن لظاهرة زواج السوريين من جنسيات أخرى أسبابًا وآثارًا، ربطها محمود عثمان، خبير اجتماعي في منظمة مستقبل سوريا الزاهر، بشكل أساسي بالظروف الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري سواء في الداخل أو في الخارج.
إعلان
فغالبًا ما يعاني الشباب السوريون في بلدان اللجوء العربية من تضييق مادي نتيجة الأجور المتدنية التي يتقاضونها، بالإضافة إلى إعانات مادية “محدودة” يحصلون عليها في أوروبا، ما يجعلهم يبحثون عن ارتباط يؤمّن لهم استقرارًا على الصعيد المادي.
وينطبق الأمر بنفس الدرجة على السوريات في الخارج، بعد أن سادت فكرة أن الشاب السوري “غير قادر” على تأمين حياة كريمة لها ولأولادها، ما يجعلها تفكر بالارتباط بمواطن من البلد الذي تعيش فيه.
عثمان اعتبر أن الوضع القانوني للاجئين السوريين لا يقل سوءًا عن الوضع المادي في تحليل أسباب الظاهرة، إذ إن الحصول على الإقامة الدائمة و جنسية البلد المستضيف أصبحت هاجسًا للكثير من السوريين والسوريات في الخارج، وحلها “الأمثل” يكون بالزواج من مواطنين ومواطنات بلدان اللجوء، للحصول على مزايا مادية وقانونية تضمن لهم الاستقرار.
وأضاف عثمان أن الدوافع المادية والقانونية للزواج من الأجانب “مشروعة ومبررة، ولا يمكننا إدانة أحد أو اعتبارها ظاهرة سلبية على المجتمع السوري في ظل التضييق الذي يعاني منه اللاجئون”، وتابع “في علم النفس يتبع الاستقرار المادي والقانوني لهرم الاحتياجات النفسية والجسدية الأساسية للإنسان”.
“الانسلاخ عن المجتمع السوري” أبرز الآثار
بالحديث عن آثار زواج السوريين والسوريات من الأجانب، قال الخبير الاجتماعي محمود عثمان إن ارتباط الشاب السوري بفتاة عربية “أفضل” من ارتباطه بأوروبية، نظرًا لاختلاف المجتمع الأوروبي عن العربي، إذا غالبًا ما يضطر الشاب إلى “الانسلاخ” عن مجتمعه وعاداته وثقافته المحلية بعد ارتباطه بفتاة غربية، والعكس ينطبق على الفتاة السورية في حال ارتبطت بغربي.
وأضاف “لا يمكننا أن نكون متشائمين إلى هذا الحد، إذ إن العديد من الشباب السوريين استطاعوا أن يحافظوا على خصوصيتهم بعد زواجهم من أوروبية، ونقلوا جزءًا من الثقافة السورية لزوجاتهم”.
واستدل عثمان بمقاطع فيديو “فكاهية” انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لشبان سوريين ارتبطوا بفتيات أوروبيات، إذ تظهر فتاة في أحد المقاطع وهي تتحدث كلمات باللهجة الشامية أو الحلبية على سبيل الدعابة، بالإضافة إلى مقاطع أخرى تعكس تقبّل الألمان، مثلًا، للعادات السورية، كذلك الذي ظهرت فيه فتيات ألمانيات يرقصن الرقصة الفلكلورية الشامية.
زواج “المهاجرين”
مقاتلون أجانب يبحثون عن “نصيبهم” في سوريا
إلى جانب الفقد والتشرد، كان على المرأة السورية خلال الأعوام الماضية أن تدفع أثمانًا كبيرة لما لم تقترفه، كما كانت مجبرة أن تكون ضحية لجميع تفاصيل الحرب، حتى لـ “جهاد” المقاتلين الأجانب، الذين قدموا للقتال إلى جانب عدد من الفصائل العسكرية في سوريا.
فمع بداية العام 2013، توافد آلاف المقاتلين الأجانب إلى سوريا للقتال مع تنظيمات إسلامية مختلفة، وكان جزء كبير منهم يبحث في سوريا، عن زوجة يمكن أن تخفف عنه جزءًا من “صعوبات الجهاد” و”وحدة الهجرة”.
إعلان
ورغم أنّ مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” شهدت أكبر أعداد من حالات الزواج هذه، إلا أنّ مناطق سيطرة المعارضة شهدت أيضًا حالات كثيرة لزواج المقاتلين الأجانب من الفتيات والنساء السوريات.
إعلان
إعلان
ونتيجة رفض ذوي الفتيات اللاتي تزوجن من أجانب الحديث عن الأمر، يصعب رصد وتوثيق عدد هذه الحالات، إذ يوضح مراسل عنب بلدي أنّ مناطق جسر الشغور وتفتناز في ريف إدلب، شهدت عدة حالات مشابهة، على اعتبارها مناطق جبلية يتركّز فيها وجود المقاتلين الأجانب، فيما انخفضت الحالات في مناطق أخرى مثل جبل الزاوية لمعارضة الأهالي لأصل الفكرة.
إعلان
حسن نيّة أم رغبة في المال؟
يرى الشيخ محمد الخطيب، رئيس الهيئة الشرعية في الجبهة الشامية، أنّ أسباب قبول بعض الأهالي تزويج بناتهم من مقاتلين أجانب تتمحور حول جهل الكثير من الناس، وفي حين يتبعون الحديث النبوي القائل “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه”، إلا أنّهم لا يتحققون من هويّته وأصله.
بينما يؤكّد الشرعي السابق، أحمد أبو عمرو، أن بعض الناس أعجبوا بالمقاتلين و”زهدهم في الدنيا وطيب معاملتهم”، فكان تزويجهم من السوريات يندرج في إطار منحهم الشعور بالراحة وأنهم ليسوا غرباء، على أنّ هذا الزواج لا يتمّ حتى يتحقق والد الفتاة من أخلاق المهاجر.
المال أيضًا يشكّل دافعًا مهمًا بالنسبة للكثير من العائلات التي ترغب بتزويج المقاتلين الأجانب، إذ يشير أبو عمر إلى أنّ قسمًا من هؤلاء المهاجرين “يملكون المال”، وبشكل عام تكون “مهور المهاجرين أعلى من مهور السوريين”.
إعلان
شكوك شرعيّة
في كثير من الأحيان يكون من الصعب التحقق من هوية المهاجرين الذين يأتون إلى سوريا للقتال مع الفصائل المسلحة، بل يلجؤون إلى استخدام الكنى مثل (أبو فلان)، وذلك لـ “دواعٍ أمنية”، كما لا يمكن الاعتماد على وثائق السفر التي توجد بحوزتهم للتأكد من هوياتهم لسهولة تزويرها.
أما آليات التحقق من هويات هؤلاء المقاتلين، فغالبًا ما تكون قاصرة، كما أكّد الشيخ الخطيب، وذلك نتيجة عدم وجود وسائل كافية لذلك، فيما تقتصر آليات التأكد على بعض الاتصالات مع أقاربه أو ذويه.
ومع شخصية يمكن أن تكون “وهمية” لا تصحّ العقود الشرعية، التي يجب أن يكون فيها الطرفان معروفين، ما يجعل أمر صحة هذه العقود مشكوكًا بها، من وجهة نظر الشيخ الخطيب.
أما الشرعي السابق أبو عمرو، فأوضح أنّ المهاجرين غالبًا ما يقومون “باستقدام مشايخ من مقربيهم لعقد القران، وقلما نقوم نحن بكتابة هذه العقود”.
تقوقع المهاجرين
رغم التأكيدات على وجود حالات كثير لزواج المهاجرين من السوريات، إلا أنّ الشيخ الخطيب يرى أنّ الحالات “محدودة”، وليست منتشرة على نطاق واسع.
أما الشرعي السابق، أبو عمرو، فيؤكد أن الحالات كانت “كثيرة” في السابق، ولكنها انحسرت حاليًا نتيجة وجود تجمعات للمهاجرين، “فمثلًا الأوزبك أو التركستان يعيشون مع بعضهم في مكان معين، تعتبر كثافتهم فيه عالية، ما سهل عليهم الزواج من نفس بلدهم بشكل أكبر”.
ويضيف أبو عمر، ” بعض المهاجرين شوهوا سمعة المهاجر بشكل عام، ما جعل السوريين يفكرون مليًا قبل تزويج مهاجر من سورية أو العكس”.