تحت شعار “حماية أهداف ثورة الحرية والكرامة، ورفض مؤتمر سوتشي”، عَقد “الملتقى الوطني الثوري السوري” اجتماعاته في 32 مدينة من بينها 11 مدينة سورية، وذلك بناء على دعوة اللجنة التحضيرية للمؤتمر، والتي طرحت “تشكيل جبهة ثورية وطنية ضد مؤتمر سوتشي، وضد أي مؤتمر آخر يحاول إعادة تأهيل وتعويم نظام الأسد، أو التنصل من القرارات الدولية أو تشريع وجود قوى محتلة على الأراضي السورية، وإسقاط الشرعية الثورية عن الأفراد والمنظمات التي تشارك فيه”.
وأصدر المجتمعون بياناً في ختام اجتماعاتهم، جاء فيه: “بعد سبع سنوات من التضحيات الهائلة للشعب السوري، من أجل نيل حقوقه المشروعة بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة، تسعى روسيا لعقد مؤتمرٍ في منتجع سوتشي في نهاية شهر كانون الثاني 2018، مُدّعية بأنه (مؤتمر لحوار وطني سوري)، بينما هدفُه الحقيقي هو إعادة تأهيل نظام الأسد، وإجراء إصلاحات دستورية شكلية، في ظل نظام لم يلتزم بالدستور طيلة عهده، وفرض انتخابات تتيح لبشار الاسد ترشيح نفسه لفترتين رئاسيتين جديدتين”.
وحذّر البيان من أن مؤتمر سوتشي يهدف “إلى نقل الملف السوري من مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، إلى مؤتمر ترعاه روسيا وحلفاؤها، بغرض الاستفراد بهذا الملف، والتحكم بمصير البلاد، وتقويض الشرعية الدولية المتمثلة بشكل أساسي ببيان جنيف1 والقرار الأممي 2254، والتي تقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، تقود عملية الانتقال السياسي في البلاد”.
وخرج البيان الختامي للملتقى نقاط عديدة ومبادئ للعمل على “ضرورة تشكيل جبهة ثورية عريضة ضد مؤتمر سوتشي.. والرفض القاطع لأي عملية سياسية لا تؤدي إلى إسقاط النظام الأسدي برأسه ومرتكزاته الأمنية والعسكرية، ومساعدة السوريين على نيل حريتهم وإقامة نظامهم الوطني الذي يطمحون إليه… ومطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري، والضغط على كافة أطراف الصراع في سورية، لوقف استهداف المدنيين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، وفتح الممرات الإنسانية، وإدخال المساعدات، والافراج عن المعتقلين، والكشف عن المغيبين”. كما توافق المجتمعون على “تشكيل هيئة متابعة لمتابعة مخرجات الملتقى الوطني الثوري السوري، والإعداد للقاء تمهيدي لقوى الثورة والمعارضة، والتحضير لمؤتمر حوار وطني سوري، إعداداً وتنظيماً ومخرجات، وفق مرجعية جنيف1 والقرارات الدولية ذات الصلة، هدفه السعي لتحقيق طموحات الشعب السوري في الخلاص من الاستبداد، وبناء الدولة الوطنية الحديثة، بالتعاون مع كافة القوى والمنظمات والشخصيات السورية الملتزمة بهذا المسار، وتحت إشراف الأمم المتحدة”.
إعلان
اللافت في هذا المؤتمر، وبخلاف الكثير من اللقاءات التي نظمتها المعارضة السورية خلال أوقات سابقة في أكثر من مكان في العالم، هو التركيز على التواصل مع الداخل السوري والتنسيق معه لعقد هذا الملتقى في نفس اليوم بالتزامن بين مدن ومناطق داخل سوريا وخارجها. وقد عُقد المؤتمر في مدينة إدلب وريف اللاذقية، منبج، الغوطة الشرقية، وشمال حمص، وفي بلدة الريحانية على الحدود السورية التركية، كما عقد اللقاء في باريس وفيينا وإسطنبول وعدد مدن العواصم الأخرى.
المعارض السوري مازن عدي، وهو عضو اللجنة التحضيرية للملتقى، قال لـ “المدن”، إن “اللجنة التحضيرية هي تجمع مجموعة أعضاء مستقلين وغير مستقلين في حراك الداخل والتنسيقيات سابقاً، وحركة (ضمير) و(حزب الشعب الديمقراطي السوري)، وتجمعات وتيارات سياسية غيرها، وكان الغرض من هذا الملتقى توجيه رسالة للعالم والشعب السوري برفض مؤتمر سوتشي، والتأكيد على ضرورة استقلال القرار الوطني بعد تحول سوريا إلى ساحة لتقاسم نفوذ القوى الدولية”، مضيفاً أن أهمية الملتقى تأتي أيضاً “من خلال التنسيق الذي تم وفي وقت واحد بين داخل سوريا وخارجها، بما يؤسس للإجماع على ضرورة استقلال الورقة السورية عن أطراف الصراع الخارجية”.
ظروف عقد الاجتماع في الداخل والتنسيق معه كانت بالغة الصعوبة، حيث “قام النظام بقصف مقر الاجتماع في الغوطة الشرقية قبل انتهاء اللقاء، وبعد كلمة الناشط نزار صمادي في الغوطة وكلمة سيدات الغوطة الشرقية” بحسب عدي، و”انقطع التواصل معهم مباشرة بعد ذلك”.
إعلان
وعن تصوره لمستقبل هذا الملتقى وآليات العمل على بيانه الختامي وفق النقاط التي أكد عليها البيان، قال عدي: “لقد أقرت بيانات الأمم المتحدة ونقاط كوفي عنان حقوق الشعب السوري، وتم الالتفاف عليها عبر لقاءات آستانة واجتماع سوتشي القادم بهدف إفشال أي مستقبل للسوريين في الخلاص من نظام الأسد وبناء دولتهم الديمقراطية. يأتي ذلك بعد 11 فيتو روسي لصالح النظام. هذا عار بحق شعوب العالم وليس بحق الشعب السوري فقط، وهو يذكرنا بالمرحلة السوداء التي سبقت صعود الفاشية والنازية في القرن الماضي. الملتقى هو رسالة منا كسوريين إلى كل أحرار العالم”.
في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المعارضة السورية، يبدو هذا الملتقى “خطوة في الطريق الصعب والطويل، لكن هذا قدرنا، والذي يجب ان يترافق مع مراجعة جدية ونقدية لأخطاء السنوات السبع الماضية”. يختم مازن عدي كلامه، مشدداً على أن “استقلال الورقة السورية فكرة صعبة في ظل التعقيدات والظروف التي وصل إليها الصراع السوري”، إلا أن “الملتقى بحد ذاته لم يعتمد على أي تمويل من جهة رسمية او غير رسمية لانعقاده، حيث كانت قاعة الاجتماع في باريس مجانية ومقدمة من بلدية باريس، وبلغت تكلفة اللقاء هناك 2000 يورو بالاعتماد على تمويل ذاتي من الحضور السوريين”.
إعلان
“رفض مؤتمر سوتشي والتركيز على ثوابت الثورة السورية” بحسب الملتقى، كان فرصةً أيضاً لتحوله إلى منبر يجمع السوريين بكافة اطيافهم ومنابتهم وتوجهاتهم وثقافاتهم على هدف واحد هو عدم التخلي عن مطلب إزاحة بشار الأسد من السلطة، برغم التحولات الحاصلة على الساحة السورية، وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي يتلقاه النظام السوري من حلفاءه وخصوصاً من روسيا، والتي تستعجل عقد مؤتمر سوتشي في 30 من الشهر الحالي، وسط غياب أي دعم للمعارضة السورية، وغياب الدعم الإنساني عن السوريين في المناطق المحاصرة والتي تتعرض إلى القصف بشكل شبه يومي، وهو ما جاء في كلمة الفنان السوري المعارض سميح شقير من مكان عقد المؤتمر في باريس.
وقال شقير “سأتوجه بالشكر للسيد بوتين، والذي بِفَضلِ عَجرَفَتِهِ وصفاقَةِ موقِفِهِ يُعطينا الفُرصَةَ لإعادَةِ تجميعِ قِوى الثورةِ الحقيقيةِ حولَ موقِفٍ رافِضٍ لعرضِ الاستسلام المُذِّلِ حينما يَفْتَحُ أبوابَ سوتشي فقط للموافقين على استمرار حكم الديكتاتور. وسأشكر الولايات المتحدة الامريكية على هذا الأداء البراغماتي حتى النخاع، والذي يُسقِطُ أوهام المتوهمين بحرصها على حريات الشعوب أو على الديمقراطية وحقوق الإنسان بخاصةٍ خارج حدودها”.
تمرَ المعارضة السورية اليوم بكافة تنويعاتها وتشكيلاتها وتياراتها بأصعب مراحل عملها ونشاطها، منذ انطلاق الثورة عام 2011، وخصوصاً بعد خسارتها الميدانية للكثير من المناطق والنقاط الاستراتيجية على الأرض، وفي ظل توسع سيطرة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على مساحات واسعة، بقيت لسنوات من عمر الثورة تحت سيطرة المعارضة، قبل ان تتدخل روسيا عسكرياً وبشكل مباشر لدعم وتمكين النظام من إعادة السيطرة عليها، وعقد لقاءات ومؤتمرات لم ينتج عنها إلا المزيد من المماطلة على حساب العملية السياسية؛ ويبدو أن هذه الحال ستلازم المعارضة مع اقتراب موعد مؤتمر سوتشي، خصوصاً مع شحّ الخيارات أمامها، وعدم قدرتها على التحكم بمسار ومجريات الصراع في سوريا.