استطاع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من خلال تصريحاته النارية ضد إيران، ومن خلال مواقفه إزاء الاتفاق النووي الإيراني، أن يقنع بعض القيادات الخليجية أن المواقف الأمريكية في عهده متباينة عن تلك التي كانت في عهد سلفه “أوباما” .. ثم إنه كان مما زاد من ثقة القيادات الخليجية بسياسة “ترامب” تجاه إيران ومحورها في المنطقة وخاصة ذراعها في سوريا والمتمثل برأس النظام السوري، أن قام “ترامب” بتوجيه ضربة مطار الشعيرات ردًّا على مجزرة خان شيخون ،وهذا ماجعل الخليجيون مقتنعين بأن “ترامب” يقرن أقواله بالأفعال، فها هو يوجه ضربة طالما كان الكثيرون يحلمون بها لبشار الأسد، عميل إيران في عمق هذه الأمة .. وإذا أردت أن أُسيء الظن قليلًا لاأستبعد ابدًا أن تكون مجزرة خان شيخون وما تلاها من الضربة الأمريكية لنظام دمشق هي مجرد مسرحية قد تم لعبها بدقة ؟! وذلك لتتحقق رغبة “ترامب” التجارية بسرقة أموال الخليج وخاصة السعودية .. وهذا ما تحقق فعلًا ، إذ أنه وبعد شهر ونصف تقريبا من ضربة مطار الشعيرات (7/4/2017) تم التوقيع على شراء كمية من السلاح الأمريكي بقيمة 400 مليار دولار(21/4/2017) ويمثل هذا الاتفاق الصفقة الأكبر في تاريخ العالم ،وذلك على هامش مؤتمر القمة الإسلامي الأمريكي هذا المؤتمر الذي استطاع من خلاله الطرف الأمريكي أن يجعل من معظم قادة العالم الإسلامي مجرد شرطة في مخفر “ترامب” يُنفِّذون خطط الإدارة الأمريكية في محاربة التيارات الإسلامية المعتدلة تحت شعار محاربة الإرهاب .. ولست في وارد مناقشة هذا الموضوع الآن .. وأعود مع القارئ الكريم إلى تصريحاتٍ أدلى بها “ترامب” إبان ترشحه للرئاسة الأمريكية ، حيث وصف “ترامب” السعودية بالبقرة الحلوب التي تدر ذهبًا ودولارات وطالب النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لـ(آل سعود) داخليًّا وخارجيًّا ، واعتبر “ترامب” أن (آل سعود) يشكلون البقرة الحلوب لبلاده وأنه متى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعطِ الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا القيام بهذه المهمة ..
وإذا تابعنا المواقف الأمريكية تجاه إيران فإننا لا نجد أي تحول ملموس تجاه هذه الدولة إلا الحرب الإعلامية والتراشق اللفظي بين قادة البلدين ، وبالمقابل نجد أن “ترامب” قد استطاع أن يقنع ولي العهد السعودي أثناء زيارته الأولى للولايات المتحدة أن عملية التدخل في الشأن السوري هي ( صفقة خاسرة ) ثم تطور الموقف السعودي بعد الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي إلى درجة التسليم بل والقبول ببقاء “بشار” في الحكم مع الرجاء الحار بألاّ يسمح للإيرانيين بالهيمنة على سوريا وكأن سمو الأمير يرى أن “بشار” هو اليوم حرٌّ في قراره !!
وهكذا نجد الثبات في الموقف الإيراني من مختلف قضايا المنطقة وخاصة القضية السورية ، ونرى في الوقت ذاته تراجعًا في الموقف العربي والسعودي خاصةً تجاه الأزمة السورية .. أضف إلى ذلك انحراف بوصلة السياسة العربية عن الإهتمام بمعاناة السوريين ومأساتهم وانصراف القيادات العربية إلى ماتريده الإدارة الأمريكية في موضوع مكافحة الإرهاب والذي يعني بشكل أو بآخر محاربة التوجهات الإسلامية في المنطقة وعلمنة بعض الدول التي تراها أمريكا أنها كانت في يوم من الأيام حاضنةً لأهل العلم والشرع من خلال المنظمات والهيئات الإسلامية والشرعية .. !
اليوم تأتي الضربة الأمريكية الغربية ردًّا على مجزرة دوما تأتي بعد سيل من التغريدات “الترامبية” والتصريحات الأمريكية والغربية التي تحمل التهديد والوعيد أحيانًا و تحمل في ثناياها نبرة التردد والدلع أحيانًا أخرى ( نضرب أو لانضرب .. يجب التأكد من استخدام السلاح الكيميائي .. ! نحن متأكدون من ذلك وهكذا .. ) وكأن “ترامب” وحلفاءه وضعوا هذه الضربة على مزاد الابتزاز الدولي حيث من خلالها يبتزون جميع الأطراف المهتمة بالشأن السوري بكل صور الابتزاز : الأخلاقية والسياسية والمادية .. وهم في الوقت نفسه قد منحوا النظام الوقت الكافي لنقل معداته وطائراته ومسؤوليه إلى مناطق آمنة .. !! إنهم وبدون أدنى شك يضحكون على كل من يثق بهم ، يوهمونه أنهم ماضون في معاقبة المجرم ! ولكنهم يؤكدون لهؤلاء البُلّه ممن يرون فيهم طوق نجاة لهم ولأنظمتهم أنهم سيعاقبون “بشار” ويؤدبونه كي لايعيد الكرّة وهذا يعني أنهم لايريدون أبدًا إزاحته وتخليص السوريين من ظلمه وإجرامه .. وكذلك يريدون بقاءه كعميل لإيران في عمق العالم العربي فهم من خلال وجوده على هذه الصورة يبتزون من خلاله ومن خلال تواطئهم الخفي مع إيران دول الخليج العربي متاجرين بدم الشعب السوري ولا تهمهم مقتلة السوريين ولاتوقظ فيهم ضمائرهم وإنسانيتهم في شيء .
وإذا نظرنا إلى تقييم العسكريين والسياسيين لهذه الضربة نجد أن نتائجها السلبية على الثورة السورية هي أكبر بكثير من نتائجها الإيجابية والعكس بالعكس بالنسبة لنتائجها على النظام المجرم في دمشق .. والمتابع اليوم يرى حلقات الدبكة في ساحة الأمويين في قلب دمشق حيث يحتفل الشبيحة من أنصار النظام بالأغاني والشعارات التي تعبر عن فرحتهم بهذا النصر الذي تحقق الليلة في التصدي (للعدوان الأمريكي الصهيوني الغربي ) على سوريا بشار الأسد .. !!
وبعد : فإنه علينا اليوم أن ندرك أن ماجرى بالأمس إن هو إلا عملية رخيصة وتجارة قذرة يقوم بها “ترامب” وحلفاؤه ، يتاجرون من خلالها بدمائنا نحن السوريين ، ولا يهدفون من كل ذلك ثأرًا لدماء السوريين وأرواح نسائهم وأطفالهم .. ولايريدون إنهاء مأساتهم بتخليصهم من “نظام الأسد” المجرم ، وإنما يريدون حماية أنفسهم مما يعتقدون أنه خطر عليهم وهو السلاح الكيميائي ، وفوق ذلك يريد “ترامب” ( التاجر ) أن يبتزّ من خلال هذه الضربة العديد من الأطراف الإقليمية والدولية .. علينا ألا نغفل عن هذا ، وعلينا كأمة أن نضع الاستراتيجية المناسبة لمواجهة ما يحدق بنا من أخطار … ومن يدري – إذا بقينا على هذا الحال من الضعف والهبوط والوهن والتردي – من يدري قد يأتي اليوم الذي يجف فيه ضرع البقرة السعودية فلا يدر الدولارات والذهب .. عندها سوف يقوم “ترامب” أو من بعده بذبح هذه البقرة ليس بيده ولكن بيد جهةٍ ما !؟ قد تكون هذه الجهة إيرانية فارسية .. عليكم ألاّ تستغربوا .. .. إلى الله المشتكى.
بقلم: د.عمر ناموس / الدرر الشامية
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=50291