كثر في الآونة الأخيرة عدد اللاجئين السوريين، بشكل خاص في لبنان والأردن.
في لبنان كان الحديث عنهم وكأنهم طاعون يجب القضاء عليه بشتى الطرق، فهم يهددون النسيج الاجتماعي اللبناني، والتوازن الديمغرافي، ويأكلون خبز اللبنانيين لأنهم يستولون على سوق العمل كونهم أيادي عاملة رخيصة، ويكلفون لبنان مبالغ طائلة لتأمين تعليم أطفالهم، وعلاجهم، وتوفيير السكن لهم، حتى بات اللاجئ السوري مكروها وينظر إليه كما كان ينظر للجنود السوريين في لبنان في زمن «قوات الردع العربية».
ولم يتوان الجيش اللبناني عن الهجوم على مخيم عرسال، واعتقال عدد من اللاجئين وقتل بعضهم تحت التعذيب، وإهانة الجميع، وإحراق بعض خيامهم، حتى أن كبار الساسة اللبنانيين هددوا بإرسالهم في بواخر إلى الأمم المتحدة، وحسن نصر الله يريد أن يعيدهم إلى الاراضي السورية عنوة، بل إن البعض راح يقدم إحصائيات الولادات ويقدرها بثلاثمائة مولود سنويا، التي ستكون وبالا على استقرار لبنان، بل ورفعت لافتات تهدد السوري من الاقتراب من سوق عمالة بعض المدن والقرى، بعد أن بات السوري مطلوبا ليس فقط لأنه أرخص أجرا من اللبناني ولكن لاحترافه وتفانيه في عمله.
وفي آخر زيارة لي لاسطنبول استقبلت في المطار من قبل موفد من مضيفي، اكتشفت فورا أنه سوري من لهجته الحلبية المحببة، واسمه سمير، من حديث لحديث، والطريق طويلة، وخاصة عند عبور جسر البوسفور بسبب الاختناقات المرورية وصلنا إلى وضع اللاجئين السوريين في تركيا، ذكر لي أنه وأخوته أنشأوا شركة سياحية لنقل الركاب العرب من المطارات إلى أماكن إقاماتهم، ووضعهم المادي بات مريحا جدا بعد أن وصلوا إلى اسطنبول منذ ثلاثة أعوام لا يملكون شروى نقير، سوى أحزان ثقيلة على قلوبهم بعد أن هدمت طائرات بشار ببرميل متفجر منزلهم الكائن في حي الصاخور وقتل أباهم وأختهم. وتفاجأت عندما وصلنا الفندق الذي أقيم فيه أنه على علاقة جيدة بعامليه ويتكلم معهم التركية بطلاقة، فطلبت منه ان يرافقني في بعض تنقلاتي الكثيرة هناك داخل المدينة المترامية الأطراف وأن يعرفني على سوريين آخرين في البلد، كي ألمس أحوالهم وكيف يعاملون في دولة «ليست عربية « كي أقف على حقيقة الوضع. قادني سمير إلى صديق تركي له يعمل في دائرة انشاء الشركات واسمه ناظم أوغلو، الذي أكد لي أن السوريين كانوا من أنشط اللاجئين الذين عرفتهم تركيا التي تدفق إليها اللاجئون الأفغان والايرانيون والأزاريون والطاجيك.. بأعداد كبيرة، فكثير منهم أسسوا شركات سياحية، ومطاعم ومقاه وورشات بناء وعيادات طبية، وصيدليات.. حتى بات التركي زبونا مداوما لديهم عدا عن السوري والعربي إجمالا. وقال بأن الحكومة التركية أعفت السوري من قانون العمل والاستثمار الذي يرغم المستثمر ان يخلق خمس فرص عمل لعمال أتراك، وسهل له رخص العمل والإقامة. في شارع تقسيم ( شانزليزيه اسطنبول) ترى فرقا موسيقية تعزف إغان لفيروز، والسيد درويش، والقدود الحلبية العريقة، امام فرقة تعزف أغنية «موطني» بكيت وحاولت أن أستر بكائي أمام سمير، لكنه ربت على كتفي وقال: «لقد بكيت قبلك ايضا». في غازي عنتاب «عاصمـــــة اللاجئين السوريين» لم يختلف الوضع كثيرا، بل إن السوري بات منخرطا في المجتمع التركي وأبناء السوريين يدرسون في مدارس تركية، كما ظهروا في بلدان أخرى كألمانيا وهولندا والسويد وفرنسا، حيث حققوا إبداعات وتفوقا كبيرا في أكثر من مجال، وهذا يدل على أن الشعب السوري، الذي كان تحت سيطرة الأجهزة الأمنية والمخابرات سجينا في بلده، أثبت انه شعب خلاق عندما يمتلك حريته التي انتفض من أجلها في ثورته المباركة.
إعلان
لنعد إلى سمير المدخن، الذي دعاني، بعد أن عرفني جيدا «وقد أسر لي بأنه «غوغلني» على الانترنت، إلى مقهى عثماني قديم ليس بعيدا عن مسجد السلطان أحمد، أجمل ما هندس معمار سنان من مساجد في اسطنبول، المقابل لأياصوفيا أكبر كنيسة شرقية تحولت إلى مسجد لندخن « نرجيله» عثمانية، المكان يوحي بأنك في القرن السابع عشر والرواد الاتراك، تراهم في حديث مستمر وعال لا يختلفون كثيرا في هذه الناحية عن العرب. على باب المقهى عندما خرجنا متأخرين ليلا اعترضنا شحاذ تركي، طلب لفافة تبغ من سمير فاعطاه علبة كاملة، ثم طلب مني ليرة تركية فأعطيته ليرتين، سأل سمير من أين نحن، قال: نحن لاجئون سوريون. فما كان من الشحاذ التركي إلا أن أعاد علبة الدخان لصديقي، والليرتين لي وقال انتما أحق بهما مني، وبات يصرخ في الشارع، عاشت سورية، عاشت سورية، يسقط بشار الاسد، تركيا معكم، الله يحميكم. كان سمير يترجم لي وأنا أقف مشدوها أمام شحاذ تركي يعطف عليّ وعلى سمير ولم يكن يظهر علينا اننا بحاجة لعطف، فقط لأننا «لاجئون سوريون».
رياض معسعس – كاتب سوري – القدس العربي