في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، يزحف آلاف من عشاق صحابة النبي محمد خاتم المرسلين من الأتراك والجاليات المسلمة نحو مسجد “السلطان أيوب” في مدينة إسطنبول (شمال غرب)، لأداء صلاتي العشاء والتراويح، في أجواء روحانية فريدة.
يقع المسجد على ساحل “خليج القرن الذهبي” المتفرع من مضيق البسفور خارج أسوار القسطنطينية (إسطنبول)، ويشكل في الليل منظرا خلابا ومنطقة هادئة للزائرين، ما يجلب الروحانية والأصالة في آن واحد.
قبل دخول وقت العشاء بنصف ساعة، يبدأ عشرات آلاف الزائرين التدفق على مسجد “السلطان أيوب”، وقبل رفع الأذان بساعة يعطي إمام المسجد دروسا تربوية دينية تتنوع موضوعاتها من يوم إلى آخر.
بعد انتهاء الدرس، يدعو الإمام ويؤمن خلفه المصلون، ومن الأدعية المشهورة في نهاية الدرس: “اللهم انصر الإسلام والمسلمين”، “اللهم احفظ بلدنا”، “اللهم اغفر لنا وارحمنا” و”اللهم ارزقنا من واسع فضلك”.
** أذكار وصلاة على النبي
ما أن يرتفع أذان العشاء حتى يزدحم المسجد بالمصلين من إسطنبول وخارجها، ويتحول المسجد وساحاته والأسواق المحيطة به إلى خلية نحل تعج بأصوات عذبة تتلو آيات القرآن الكريم وتلهث بالأذكار، في جو إيماني رائع.
وعندما تنتهي الصلاة، يؤدي المصلون سنتها ويصلون على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات متتالية بصوت جهوري.
ومعتاد لدى الأتراك الصلاة على النبي بعد كل ركعتين من ركعات التراويح، وقراءة أذكار جماعية بعد كل أربع ركعات، كقولهم: “حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما في قلبي إلا الله”.
كما جرت العادة أن يعلق الأتراك “المحيا” (عبارات ضوئية) على المساجد، وشرفات البيوت والدكاكين المحيطة به، وأن يكتبوا في النصف الأول من الشهر الفضيل: “مرحبا رمضان”، وفي النصف الثاني: “الوداع”.
وفي ما يتعلق بأدعية التهجد، فهي غير منتشرة في أغلب المساجد التركية، وإن وجدت فتكون مقصورة على الأدعية التي وردت في كتب الفقه الحنفي.
ومن الأذكار التي يتلوها المصلون في مسجد “السلطان أيوب” بين الركعات: “لا إله إلا الله”، و”حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم”، إضافة إلى الصلاة على النبي والترضي عن الصحابة الأطهار.
** الصحابي الجليل
ومسجد “السلطان أيوب” هو أول مسجد بناه العثمانيون في إسطنبول عام 1458 بعد فتح القسطنطينية (الاسم القديم للمدينة).
وتعود تسميته بمسجد “أبي أيوب الأنصاري” إلى وجود قبر هذا الصحابي الجليل في باحة المسجد، إذ توفي ودفن عام 52 للهجرة، خلال محاولة المسلمين عام 52 هـ فتح القسطنطينية، وهي المحاولة التي لم تنجح آنذاك.
وهذا الصحابي شهد بيعة العقبة وغزوتي بدر وأُحد مع النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، وخصه الرسول الكريم بالنزول في بيته عندما هاجر إلى المدينة المنورة، حيث أقام عنده حتى بنى حجرة ومسجدا وانتقل إليهما.
وتقديرا ومحبة له، يسمي الأتراك الصحابي الجليل “أبا أيوب الأنصاري” “السلطان أيوب”.
الأجواء الروحانية في مسجد “السلطان أيوب” ساهم في صناعتها وجود قبر هذا الصحابي.
ولا يقتصر زوار المسجد على الأتراك فقط، حيث يقصده طوال العام، وخاصة في رمضان، سائحون عديدون، لا سيما مسلمون يأتون لقراءة الفاتحة على روح الصحابي الجليل.
** إفطار وعطر
في كل رمضان، تنظم بلدية إسطنبول يوميا إفطارا جماعيا لآلاف الصائمين الذين يزورون مسجد “السلطان أيوب”، وتصطحب العائلات أطفالها إليه.
وتستخدم البلدية خلال رمضان ماء الورد بدلا من الماء العادي، لغسل وتنظيف الساحة الداخلية والخارجية للمسجد التاريخي.
كما يتم طوال أيام الشهر المبارك تعطير المسجد من الداخل بالعطر الذي يفوح في الكعبة.
ويحظى مسجد “السلطان أيوب” الذي يتسع لآلاف المصلين، بمكانة خاصة لدى الأتراك خلال رمضان وغيره من شهور السنة.
وبشكل عام ترتفع مئات المآذن والمنارات في سماء إسطنبول، في منظر يشكل تحفة فنية روحانية.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=56828