في ذكرى وفاة حافظ الأسد .. كيف استلم آل الأسد، الليرة؟، وإلى أين أوصلوها؟

Amani Kellawi
أخبار العرب والعالم
Amani Kellawi14 يونيو 2018آخر تحديث : الخميس 14 يونيو 2018 - 10:48 صباحًا
في ذكرى وفاة حافظ الأسد .. كيف استلم آل الأسد، الليرة؟، وإلى أين أوصلوها؟

أحمد الراغب / اقتصاد

كثير من الناس قد يظنّ أنّ مرحلة نظام الأسد كانت جيدة أو مقبولة من النّاحية الاقتصادية؛ وذلك لكثرة الترويج، وقلب الحقائق من قبل النظام في عهد حافظ الأسد، وتابعه في ذلك وريثه بشار الأسد، حيث لم يكن بالإمكان بيان متاهات عصر أبيه الاقتصادية وغير الاقتصادية.

ونحن في هذا المقال سنتناول باختصار واقع الليرة السورية في عهد حافظ الأسد ووريثه بشار؛ لنشاهد كيف كانت تسير بشكل مستمر نحو التدهور الشديد.

ولنبدأ بالمقصود:

إعلان

أولاً ـ ظهور الليرة السورية:

في عهد الدولة العثمانية كان المتداول في سوريا، الليرة الذهبية العثمانية والنقود الورقية العثمانية، وانتهى التعامل بالعملة العثمانية رسمياً عام 1918م، ثم حلّ الجنيه المصري المطبوع في بريطانيا محل العملة التركية وبقي في التداول حتى عام 1923م، ومن هنا أتت التسمية للنقد في سوريا بـ “المصاري” أي نسبة للجنيه المصري. وفي ظل الانتداب الفرنسي ولدت الليرة السورية واللبنانية، حيث صدرت الليرة السورية من المصرف السوري بتسهيلات ووصاية فرنسية، وكان ذلك عام 1919م، وكانت الليرة السورية الواحدة تساوي 20 فرنكاً فرنسياً، وكانت الليرة تتبع الفرنك الفرنسي في حركتها، وفي عام 1939م انفصلت الليرة السورية عن الليرة اللبنانية وبقيت قابلة للتبادل في البلدين، واستقلت الليرة السورية عن الفرنك الفرنسي عام 1948م.

وفي عام 1953م تمّ إصدار أوّل ليرة سورية مستقلة، فصدرت عملات معدنية من فئات القروش: (2.5 , 5, 10, 25, 50) بالإضافة إلى العملة الورقية من فئات الليرات: (1، 5، 10، 25، 50، 100، 500).

إعلان

وكانت الليرة منذ عام 1947 مرتبطة بالدولار، حيث كان الدولار الواحد يساوي 2.19 ليرة سورية.

ثانياً ـ قيمة الليرة السورية حتى عام 1970م:

إعلان

عندما صدرت الليرة السورية في عهد الانتداب الفرنسي كانت الليرة تساوي 20 فرنكاً فرنسياً، لكن بسبب تدهور قيمة الفرنك الفرنسي أصبحت الليرة الواحدة تساوي 54.35 فرنكاً فرنسياً عام 1946م، ولذلك تمّ ربط الليرة السورية بالدولار عام 1947م، وأصبح الدولار الواحد يساوي 2.19 ليرة سورية، وبقي هذا سعر الصرف إلى عام 1961م، لكنه بعد عام 1961م بدأ التراجع الواضح أمام الدولار حيث أصبح الدولار الواحد يساوي 3.65 ليرة سورية عام 1970م؛ أي كان معدّل التراجع خلال 9سنين هو 166% من قيمة الليرة السورية، ويعود السبب الرئيسي إلى السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة التي بدأت في الستينات، وتوّجت بانقلاب آذار 1963م، فكان التأميم هو عنوان هذه المرحلة، ومنه تأميم جميع المصارف في سوريا وجعلها ملكاً للدولة، وبات القطاع الخاص يُحارب وفق منهج حزب البعث الذي استلم جميع السلطات في سوريا.

ثالثاً ـ عهد حافظ الأسد والبداية الحقيقية لتدهور العملة السورية:

في عهد حكم حافظ الأسد تعرّضت الليرة السورية إلى تدهور جسيم من حيث الشكل ومن حيث المضمون:

أ ـ من حيث الشكل:

تاريخياً استمدّ النّقد الورقي السّوري أشكاله المختلفة من واقعنا التاريخي ومن مشاهد حياتنا ومن صور بلادنا وفق التسلسل الزمني لأبرز الصروح وأقدم الأوابد، مثل قلعة حلب الشامخة، وصور لرأس شمرا، ومملكة أوغاريت موطن الأبجدية الأولى في التاريخ، وربّة الينبوع في مملكة ماري، وآثار تدمر، ومرفأ راميتا الفينيقي، ونواعير حماه، وصلاح الدين الأيوبي، وفيليب الثاني.

لكن في العقد الأخير من حكم الأسد بدأ التحوّل في هذه السياسة، وأصبح هناك سابقة جديدة في تاريخ العملة السورية، وهذه السابقة هي إضافة صورة حافظ الأسد على فئة 1000 ليرة، ففي تاريخ سوريا لم يقم أي رئيس بهذه الخطوة، وبذلك فتح حافظ الأسد الطريق العريض لوريثه بشار ليقوم بتغيير هذا الإرث التاريخي على شكل الليرة السورية…!!

ب ـ من حيث المضمون:

وهذا هو جوهر الموضوع؛ لأنّه يرتبط بقيمة الليرة السورية، فنستطيع أن نقول بأنّ مرحلة حافظ الأسد في الحكم هي مرحلة حرجة وخطيرة في مسيرة قيمة الليرة السورية، حيث اتجهت فيه قيمة الليرة السورية من القوة إلى الانهيار، بشكل يفوق كثيراً مرحلة التراجع في الستينات.

ولنستعرض الجدول الآتي الذي يظهر تدهور الليرة السورية أمام الدولار خلال حكم حافظ الأسد:

السنة سعر صرف الليرة أمام الدولار
1970 3.65 ليرة
1976 3.90 ليرة
1981 5.56 ليرة
1986 11.25 ليرة
1990 42.5 ليرة
2000 46.5 ليرة

من خلال الجدول نلاحظ أن سعر صرف الليرة انتقل من 3.65 ليرة للدولار الواحد عام 1970م إلى 46.5 ليرة عام 2000م، وبذلك تكون العملة السورية تراجعت بمقدار 12.7 ضعفاً خلال ثلاثين عاماً من حكم الأسد، حيث بلغت النسبة المئوية لهذا التراجع 1273.7% مقارنة مع سنة 1970م؛ أي بمعنى آخر أنّ الليرة السورية كانت تفقد كل سنة ما يقارب 42% من قيمتها؛ أي أنّ التضخم قد عبث في جوهر الاقتصاد وبشكل مخيف.

وهذه الأرقام نذير شؤم في الحياة الاقتصادية لأي مجتمع، وآثارها السلبية كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وهي تعني بكل بساطة أنّ السياسة الاقتصادية في مرحلة الأسد كانت كارثية بالنسبة للاقتصاد السوري، على الرغم من الأموال الكثيرة التي تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات التي حصل عليها الأسد من دول الخليج بعد حرب 1973م وبعد حرب الخليج في التسعينات، والتي من المفترض أن ترفع من قيمة الليرة السورية، لكن ما حصل هو العكس…!!!

إعلان

وهذه الأرقام في مرحلة الأسد من أسوأ الأرقام في الدول المتخلّفة، وبذلك يكون الأسد قد أدخل سوريا عالم المشاكل الاقتصادية من الباب العريض، باعتبار أن تدهور سعر الصرف يضرب بثقله السلبي على جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

إعلان

إعلان

وباعتبار أنّ هدف التنمية في كل البلدان العالمية هو تحقيق الرفاهية للإنسان، فإننا نجد أنّ الإنسان السوري كان ضحيّة لسياسات حافظ الأسد الاقتصادية، فبعد تراجع نسبته 1273.7% من قيمة الليرة قياساً على عام 1970م، فمن الطبيعي أن يصبح دخل الموطن السوري لا يفي بحاجاته الأساسية، فكيف بشراء منزل أو سيارة أو الزواج.

إعلان

ويكفي أن نشير هنا إلى خطورة تدهور سعر صرف الليرة السورية على الارتفاع الجنوني للأسعار، أن نذكر مثالاً واحداً يرتبط بسكن المواطن: فكان سعر المنزل في حي متوسط في مدينة حلب 5000 ليرة سورية عام 1970م بينما وصلت قيمة المنزل المشابه له 800000 ليرة سورية عام 2000م؛ أي أنّ الأسعار تضاعفت بمقدار 160 مرة، بنسبة قدرها 1600%…!!!

ولعل هذا الوضع الاقتصادي كان من الأسباب الرئيسية في انتشار الفساد في سوريا، خصوصاً وأنّ النظام كان لا يحاسب على الفساد؛ بل يشجع عليه…!!

والآن لابد لنا أن نجيب عن التساؤل الآتي:

ما هو سبب تدهور العملة السورية في عهد حافظ الأسد؟!!

إعلان

باختصار شديد يمكن أن نحصر ذلك بالأسباب الآتية:

1 ـ الفساد الممنهج: حيث كان النّظام السوري يعلم بتدهور الليرة السورية، وبالتالي الوضع الاقتصادي، ويعلم بالرشاوي والفساد، على مستوى المسؤولين والأفراد العاديين، وفي قطاعات الاقتصاد الوطني كافة، لكنه كان يرى ذلك يساعده على سدّ ثغرة فشله الاقتصادي، وهو بنفس الوقت سيف مسلط على الفاسدين لمحاسبتهم عند الضرورة التي يحددها النظام، فالفاسدون يمشون وفق أجندة النظام؛ بل ويدافعون عنه، كونهم يدافعون عن مصالحهم.

ومعلوم أنّ الفساد إذا دخل الاقتصاد فإنّه يؤثر على الإنتاج والمستوى العام للأسعار بشكل سلبي، مما يقود إلى تدهور بقيمة النّقد.

2 ـ السياسة تحكم الاقتصاد: لم يكن هدف حافظ الأسد الجوهري هو التنمية الاقتصادية؛ بل هدفه سياسي يتمثل بتثبيت نظام الحكم ومن ثمّ توريثه، لذلك كان من الطبيعي محاربة الطبقة البرجوازية القديمة في سوريا، وتشكيل طبقة برجوازية جديدة تجمع ثرواتها من الفساد الاقتصادي، وهي برجوازية عسكرية ومدنية طفيلية، وبهذه الطريقة أصبحت هذه الطبقة رهينة قبضة حافظ الأسد، وأداة يستخدمها لتثبيت دعائم حكمه. أما في القطاع العام الصناعي والخدمي فكانت الكفاءات تستبعد، ويتم التعيين في المراكز القيادية في المؤسسات حسب الولاء السياسي…!!!

ومعروف أن التنمية الاقتصادية لا تتحقق، إلا إذا كانت السياسة خادمة للاقتصاد، وهذا هو الذي كان مفقوداً في عهد الأسد.

3 ـ البعد الطائفي القائم على الفساد: كان حافظ الأسد يحمل البعد الطائفي، وليس فقط في المجالات العسكرية والأمنية كما يظن بعض الناس؛ بل طائفي في الاقتصاد، ففي عهد حافظ الأسد بدأ مشروع الثراء غير المشروع لكثير من أبناء طائفة الأسد، فبدأ قسم من أبناء طائفته باستغلال قبضتهم العسكرية والأمنية والسياسية لكسب الأموال سواء من خلال المشاريع المختلفة أو من خلال التهريب…وهؤلاء كانوا لا يخضعون للضرائب ويخترقون كل القوانين الاقتصادية والرقابية، وما يبيعونه يحولونه إلى دولارات يضعونها في حساباتهم في الخارج…وهذا يحرم البلد من العملة الصعبة ويضرب عجلة الاقتصاد الوطني…وبالنتيجة التأثير على العملة الوطنية.

ولعلّ السوريين يدركون أن رفعت الأسد الذي كان راتبه وهو عريف في الجمارك كان لا يتجاوز 290 ليرة سورية، أصبح مسؤولاً عن سرايا الدفاع، ثم نائباً لرئيس الجمهورية، ليكون مليونيراً يملك مئات الملايين من الدولارات، حيث قام بتعهد مشروع نفق بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا، ومعروف أنّ أمواله في البنوك الأجنبية…!!!

4 ـ سياسة التمويل بالعجز (التمويل بالتضخم): بسبب الفساد في سوريا لم يستطع نظام الأسد الاستفادة من العملات الصعبة التي كانت تأتيه من المساعدات الخارجية الخليجية في السبعينات والتسعينات، ولهذا كان يلجأ لسياسة التمويل بالعجز، ففي عام 1985م بلغت نسبة التمويل بالعجز 34% واستمر التمويل بالعجز من عام 1985 إلى 1995م.

وكان قسم من الأوراق النقدية المصدرة في الثمانينات تحمل توقيع رفعت الأسد، الذي كان له دور كبير في الفساد السياسي والاقتصادي…!!!

ومعروف أنّ عجز الموازنة يؤدي إلى زيادة النقد، وزيادة النقد تؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، وارتفاع المستوى العام للأسعار يؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية.

5 ـ سياسة إحلال الواردات: تبنى الأسد سياسة إحلال الواردات، وكانت مؤسسات القطاع العام هي الرائد في التنمية، لكنها مؤسسات فاسدة، معظمها كانت خاسرة، فعلى سبيل المثال في التسعينات كانت المؤسسة العامة للصناعات النسيجية تضم ما يزيد عن 26 شركة كان من بينها 24 شركة خاسرة، وباقي القطاعات ليست أحسن حالاً، هذه السياسة مع الفساد أضرت بالاقتصاد السوري، وحرمته العملة الصعبة، وزادت من تكلفة الإنتاج التي تقود إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي انخفاض قيمة العملة. وعندما فتح الباب للقطاع الخاص، كان الاستثمار في المشاريع الخدمية كالنقل والفنادق.. أما الاستثمار الحقيقي الصناعي فكان خجولاً…وبالنتيجة بقيت العملة الصعبة قليلة عند الحكومة بسبب ضعف الصادرات، وفشل القطاع العام الصناعي والخدمي، وهذا ينعكس بشكل طبيعي على سعر صرف الليرة السورية والمستوى العام للأسعار…

رابعاً ـ استمرار مسيرة تدهور الليرة في عهد بشار الأسد:

نشير إلى أنّ عهد بشار الأسد هو استمرار لمسيرة والده في تدهور الليرة السرية من حيث الشكل والمضمون.

أ ـ من حيث الشكل:

في عهد بشار الأسد أصبحت العملة تحمل صور آثار وأماكن طبيعية في سوريا، كما تحمل صور الحقول والمعامل، مسح الجميع، فلم يعد هناك وجود لا لصلاح الدين ولا فيليب العربي إمبراطور روما المولود في مدينة شهبا جنوب سوريا، لقد مسح بشار أيّة شخصية يمكن لأي طفل سوري أن يسأل عنها بعفوية عندما يتلمس عملة بلاده ويقول من هذا؟

مسح الجميع وختم مسيرة التطوير والتحديث التي بدأها عام 2000م بورقة ألفي ليرة تحمل صورته.

ب ـ من حيث المضمون:

يكفي أن نشير هنا إلى أنّ سعر صرف الليرة انتقل من 46.5 دولار عام 2000م إلى 440 ليرة في هذه الأيام؛ أي أنّ قيمة الليرة قد تراجعت بمقدار 9.4 مرة، وبنسبة مئوية 946.2%.

أما عن أسباب تدهور قيمة الليرة في عهد بشار الأسد فهي نفس الأسباب في عهد أبيه باستثناء سياسة إحلال الواردات؛ بل إنّ بعضها أشد تأثيراً كالفساد والبعد الطائفي والبعد السياسي الاقتصادي، حيث بات هناك في سوريا ظاهرة اقتصادية سمّاها بعضهم بـ “الرمرمة” نسبة إلى حوت الاقتصاد السوري رامي مخلوف رجل أعمال آل الآسد…!!!

ويضاف إلى الأسباب ظروف الحرب، أما عن تفصيل هذه المرحلة فتحتاج إلى تفصيل لا يتسع لها المقام الآن.

وفي النتيجة نقول: إنّ حكم آل الأسد لسوريا كان كارثة على مسيرة الليرة السورية، ويكفي أن نقول: إنّ قيمة الليرة السورية عام 1970م كانت تساوي 3.65 دولاراً، فأصبحت عام 2018م تساوي 440 ليرة سورية؛ أي تدهورت بمقدار 120.54 ضعفاً، بما يعادل 12054% وهذه نسبة كفيلة تعطي دروساً كبيرة في الفشل الاقتصادي، لا يقدر عليه إلا آل الأسد..!!!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.