قبل 44 عامًا، أطلقت الجمهورية التركية العملية العسكرية لإحلال السلام في جزيرة قبرص، بعد انسداد الطرق الدبلوماسية بين الدول الضامنة بموجب القوانين الدولية، وهي تركيا وبريطانيا واليونان.
وعقب إخفاق المساعي الدبلوماسية في حل الأزمة القبرصية آنذاك، بدأت أنقرة بعملية عسكرية في الجزيرة، بتاريخ 20 يوليو/ تموز عام 1974، بعد أن شهدت الجزيرة انقلابًا عسكريًا قاده نيكوس سامبسون ضد الرئيس القبرصي مكاريوس، وبعد فترة من استهداف المجموعات المسلحة الرومية لسكان الجزيرة من الأتراك.
وانتهت الحملة في 22 يوليو/تموز من نفس العام بوقف لإطلاق النار، وأطلق الجيش التركي حملة ثانية يوم 14 أغسطس/ آب 1974، نجحت في تحقيق أهدافها، حيث أبرمت اتفاقية تبادل للأسرى بين الجانبين، في 16 سبتمبر/أيلول من العام ذاته.
– الوضع في قبرص قبل العملية
حظيت اتفاقيتا زيورخ ولندن بموافقة كل من تركيا، واليونان، وبريطانيا، ورئيسي الجماعتين الرومية والتركية في قبرص، بتاريخ 11 فبراير/ شباط 1959، حيث نصتا على اعتبار كل من تركيا واليونان وبريطانيا دولًا ضامنة في سبيل إحلال الاستقلال، وعلاقات الشراكة بين مجتمعي الجزيرة.
وبموجب القوانين الدولية القائمة على علاقات الشراكة بين الروم والأتراك، تم إعلان تأسيس “جمهورية قبرص” عام 1960، كما جرى الاعتراف بحقوق سياسية متساوية لكلا الشعبين في الجزيرة، وفق الدستور.
لكن وعلى خلاف الدستور، بدأ القبارصة الروم بإبعاد نظرائهم الأتراك من المؤسسات الحكومية، والسعي لعزلهم، ومحاولة القضاء على وجودهم في الجزيرة، والعمل على الانضمام إلى جمهورية اليونان من خلال مبادرة تُدعى “إينوسيس/Enosis”.
وعقب لجوء الروم القبارصة إلى استخدام السلاح من جهة واحدة، جرى حل الدستور والقضاء على وجود الجمهورية القبرصية عام 1963.
وفي سبيل تحقيق هدفهم في ضم الجزيرة إلى اليونان، بدأ الروم القبارصة بشن هجمات وممارسة ضغوطات وظلم ضد الأتراك في الجزيرة حتى عام 1974.
-الأسباب التي حتمت إجراء العملية العسكرية
أسفرت مساعي إبعاد الأتراك القبارصة عن إدارة الدولة، عن اختلاف وجهات النظر بين الروم أنفسهم، حيث أدت إلى مواجهة بين عناصر تنظيم “إيوكا/ EOKA”، وتحديدًا بين الرئيس الرومي ماكاريوس، وتنظيم “إيوكا- بي”، والتي كانت تتضمن عناصر من الطغمة العسكرية القديمة.
وبدعم من المجلس العسكري اليوناني، نفّذ رئيس تنظيم إيوكا، نيكوس سامبسون، انقلابًا عسكريًا على رئيس الروم القبارصة، ماكاريوس، بتاريخ 15 يوليو/تموز عام 1974، بهدف ضم الجزيرة إلى اليونان، ليكون بذلك قد قضى على استقلال ووحدة أراضي الجزيرة.
-المبادرات الدبلوماسية التركية قبيل العملية
أطلقت تركيا بداية مبادرة للإيفاء بالمسؤوليات الواقعة على الدول الضامنة بموجب اتفاقية الضمانات، المبرمة عام 1960 بين كلا من بريطانيا واليونان وتركيا، وتمنحهم بموجبها حق العمل المشترك للحفاظ على استقلال واستقرار قبرص ضد أي طارئ.
وفي هذا الإطار، أجرت تركيا وبريطانيا مشاورات في لندن يومي 17-18 يوليو/تموز 1974، للتباحث حول الخطوات التي يمكن اتخاذها إزاء الانقلاب في قبرص، كما تم توجيه دعوة إلى اليونان أيضًا، لكن المجلس العسكري الحاكم رفض المشاركة في الاجتماع.
واقترح رئيس الوزراء التركي آنذاك، بولنت إيجيفيت، على وزير الخارجية البريطانية جيمس كالاغان، تنفيذ عملية مشتركة في قبرص.
وعقب رفض الجانب البريطاني للاقتراح التركي، وبموجب الصلاحيات المذكورة في اتفاقية الضمانات، أطلقت تركيا عملية السلام في قبرص، بتاريخ 20 يوليو/تموز 1974، بهدف إحلال أمن الأتراك في الجزيرة.
وقطعت تركيا من خلال هذه العملية، الطريق على ضم الجزيرة إلى اليونان، وحافظت على أمن وسلامة المجتمع التركي القبرصي.
ومن جهة أخرى، أسفرت عملية السلام التركية عن القضاء على المجلس العسكري الحاكم في اليونان، لتفتح بذلك الطريق أمام الديمقراطية بالبلاد.
– مساعي تركيا قبيل المرحلة الثانية من العملية
وجّهت تركيا دعوة لكل من بريطانيا واليونان، للوفاء بمسؤولياتهما بموجب قرار مجلس الأمن رقم 353، والذي ينص على “البدء بمفاوضات بهدف إحلال السلام مجددًا”.
وعلى إثر ذلك اجتمعت الدول الضامنة الثلاث في جنيف في الفترة بين (25-30) يوليو/تموز، ووقّعت في ختامها على بيان جنيف عام 1974.
ونصّ البيان على انسحاب اليونانيين والقبارصة الروم، من مناطق القبارصة الأتراك على الفور، واستمرار اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث، بهدف إحلال السلام والنظام الدستوري مجددًا في الجزيرة.
كما اعترف البيان بمبدأ الإدارة الذاتية لكل من مجتمعي الجزيرة الأتراك والروم.
وخلال الجولة الثانية من مؤتمر جنيف في 9 أغسطس/ آب 1974، رفض الجانب اليوناني كافة المقترحات المقدمة خلال الجولة الثانية من بيان جنيف، حول سبل إحلال النظام الدستوري مجددًا في قبرص، واشترط انسحاب تركيا من الجزيرة للبدء بالتفاوض على الدستور الجديد.
وأدى تعنت الطرف اليوناني في المفاوضات، إلى انتهاء المؤتمر بتاريخ 14 أغسطس/آب 1974، لتنطلق المرحلة الثانية من عملية السلام التركية.
وعقب اتمام عملية السلام بنجاح، تم الإعلان عن تأسيس دولة قبرص التركية الفيدرالية، بتاريخ 13 فبراير/ شباط 1975، ومن ثم اصبح اسمها “جمهورية شمال قبرص التركية” اعتبارًا من 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1983.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=62220
شريف عبدومنذ 6 سنوات
هكذا يفعل الرجال أصحاب الأهداف العالية والرؤية المستقبلية الكبيرة وهي نفس الخطوات التي ينتهجها الرئيس أردوغان اليوم بتحقيق أمن واستقرار ورفاهية شعبه في المستقبل البعيد.