خاص تركيا بالعربي / محمد قدو الافندي
اصبح الحديث عن القرار الامريكي بالانسحاب العاجل والفوري من شمال وشرق سوريا في كافة وسائل الاعلام الدولية هو الشغل الشاغل للمهتمين بالسياسة الدولية وشؤون الشرق الاوسط لأهميته ولوجود علامات استفهام كثيرة حوله .
الكثير من المتابعين في تحليلاتهم والمستغربين منهم على وجه الخصوص يقارنون السياسات الامريكية السابقة التي ميزت أداراتها وبين الادارة الحالية للرئيس ترامب والذي بات يقلب طاولة المعادلات والتصورات الامريكية السابقة وجعل اللعب الاني المكشوف والغريب في القرارات الاستراتيجية اللاحقة .
في المسألة السورية وقرار الانسحاب الامريكي منها حصلت تصريحات سبقتها ألمحت الى قرب نهاية شهر العسل الامريكي مع أوربا بصورة عامة وبالاخص في مسألة الشراكة بعضوية حلف الناتو بعد التصريح المباغت للرئيس الفرنسي والذي دعا ألى انشاء قوة اوربية بديلة أو مؤازرة لقوات حلف الشمال الاطلسي بقصد ألاستعانة بها في الحفاظ على الامن الاوربي .
هذه التصريحات ألمحت الى حد كبير من تثاقل أوربا على الاملاءات الامريكية في النواحي الفنية او التكتيكية أو المالية والتي يتوجب عليها دفع المستحقات المالية لتطوير والحفاظ على التفوق الاستراتيجي لحلف الناتو, هذا من جانب ومن جانب أخر فأن امريكا شعرت بأن نهاية الحرب الباردة بين الروس من جهة والغرب الاوربي من جهة اخرى قد انتهت الى غير رجعة وأن امريكا مستقبلا ستكون لوحدها في أية صراعات استراتيجية بينها وبين الروس وحلفاءها وخصوصا بعد التفاهمات الصينية مع الروس وقدرة الاولى في التأثير على الكثير من التجاذبات الدولية الاقتصادية والسياسية في الشرق بصورة عامة ودول الاسيان بصورة خاصة , مما يعني بان امريكا ستواجه موسكو وبكين مستقبلا في بسط نفوذها وفتح اسواقها بمفردها أن لم تتدارك الاموربصورة عاجلة .
إعلان
تركيا وبعد الكثير من الممارسات الامريكية السلبية ضدها أبتدأ بفرض عقوبات اقتصادية عليها واتهامها بمسالة غسيل الاموال وتسليح قوات قسد في الشمال السوري والتي تجاهر بنزاعها مع الاتراك , و هي جزء من حزب العمال الكردستاني المصنف على قائمة الارهاب الدولية فأن أمريكا يبدو انها قد اعادت حساباتها من جديد والاصح أن نقول أن ترامب قد أعاد تقييم حساباته بصورة مفاجئة نتيجة للمعطيات التالية وقد ذكرنا قسما منها :
أولا – طيلة الفترة الماضية وفي ذروة الخلافات الامريكية معها لم يهمل الاتراك في أثناء ردهم على تصريحات واشنطن مساعيهم لتجاوزخطوط الخلافات بينهما وسعيها المتواصل لتجاوزها بل الى تطوير علاقاتهم معها مع التاكيد على الحفاظ على المصالح المشتركة وعدم الافراط بأية أسس علاقاتية قديمة بينهما .
ثانيا – أدت تصريحات الرئيس الفرنسي الاخيرة حول تاسيس قوات أوربية تتولى الامن الاوربي خارج الخيمة الامريكية وهيمنة قيادة حلف الناتو, ولدُت لدى الجانب الامريكي دلائل على قرب تكوين تغييرات جدية و جذرية في مستقبل التحالفات الامريكية مع أوربا ومستقبل حلف الناتو وربما ستظهر نتائج اخرى لاحقا .
إعلان
ثالثا – بعد سحب الالمان ومن ضمن قوات حلف الناتو لقواعد صواريخ الباتريوت من قواعدها في تركيا اصبح لزاما على الاتراك عن بحث بدائل لحماية الاجواء التركية وكان الاختيار الاقرب والاجدرهي صواريخ ( أس 400الروسية ) المتطورة الاستراتيجية .
هذا القرارالالماني الاحادي الجانب وغيرها من القرارات الاوربية ضد بعض دول الحلف وبالاخص ضد تركيا ربما قد أعتبرها الامريكان علامة على النية المبطنة الخفية لهذه الدول ضد مستقبل الحلف .
إعلان
رابعا : تدرك امريكا بأن الاتراك لن يتخلوا في علاقاتهم البرغماتية الايجابية معها حتى في حال حصول تركيا على عضوية الاتحاد الاوربي مستقبلا, وترى أمريكا بأن دخول تركيا للأتحاد الاوربي سيكسر القيد الكاثوليكي الملتف حول المعصم الاوربي, فلا غرابة في أن أمريكا قد حثت دول الاتحاد الاوربي على الموافقة على طلب تركيا بالانضمام للاتحاد في عهد الرئيس الاسبق الجمهوري , مما اثار استهجان الرئيس الفرنسي شيراك في حينها, والان وبتماطل الاتحاد الاوربي لدخول تركيا لناديها وسعيهم المتماثل للخروج من حلف الناتو , ربما سيشهد المستقبل مساعي امريكية لأضعاف دول الاتحاد من خلال فرض ضرائب على معظم صادراتها لأمريكا مع اجراءات اقتصادية اخرى.
خامسا : وفي ظل هذه الاشكالية الاوربية تجاه تركيا والتخوف التركي من دعم الولايات المتحدة لقوات قسد في الشمال السوري في المناطق المحاذية لحدودها الجنوبية والشرقية ولوجود جهات فاعلة تناصب العداء لهذه القوات من السلطة السورية وبدعم روسي أيراني مما يعني أن هناك توافقات مبدأية بينهم كنقطة أنطلاق لتطوير علاقاتهما الميدانية والاستراتيجية المستقبلية , وخوفا من ان تقطع العلاقات التركية الروسية اشواطا واسعا تؤثر بشكل مباشر على تحالفها القديم مع الولايات المتحدة .
ولكل هذه الاسباب مجتمعة ولوجود عقبة مبدأية بين الاتراك والامريكان يتمثل في التخوف التركي من دعم امريكا لقوات قسد في الشمال السوري والتي تسيطر على نحو ربع مساحة سوريا من الناحية الشمالية والشرقية , فأن أمريكا رأت بان التنصل من الدعم الغير المبرر لقوات قسدأصبح لزاما استراتيجيا للمحافظة على حليف قريب ودائم .
ولدت هذه الاشكالية في التعامل الامريكي الغير المفهوم والواضح مع الاتراك الى فتح الباب على مصراعيه أمام الاتراك للتوجه نحو العاصمة موسكو وفتح صفحة جديدة معها بعد اليأس من المراوغات الامريكية والوعود الزائفة و ورود أشارات سلبية جدا من الدول الاوربية تجاه تركيا سواء في تعاملاتها أو في مسألة انضمامها للأتحاد الاوربي .
وبطبيعة الحال فأن من المؤكد أن هناك ملفات واتفاقيات غير معلنة حصلت او ستحصل حول الملف السوري بين العاصمتين أنقرة وموسكو مع وجود دلائل قوية على دخول الجانب التركي كوسيط بين اوكرانيا وروسيا القريبين من تركيا في علاقاتهما مع توفر اطمئنان للجانب التركي منهما , مما قد يؤدي بمنظور واشنطن الى ضياع حليف حقيقي لها في حال استمرارها بهذا النهج .
السؤال بعد ذكر هذه الحقائق هل ستكون هناك صفحة جديدة في علاقات أنقرة مع واشنطن وهل ستكون مسألة استعداد واشنطن الى تلبية احتياجات الجيش التركي من صواريخ باتريوت هي بداية لفتح تلك الصفحة .