لا يتميز برج “غلاطة” بمدينة إسطنبول بارتفاعه الشاهق، الذي يتيح رؤية بانورامية للمدينة من ارتفاع نحو 67 متراً، فحسب، لكن أكثر ما يميزه أن تلك الرؤية، قادمة من أعماق التاريخ.
فيظل البرج بوصلة للسائحين لمعانقة سحر إسطنبول، ومعلمٌ سياحي شاهد على العصر، فهو من أقدم وأجمل الأبراج بالمدينة التاريخية، ويعود تشييده إلى العصور الوسطى، ويقع بمنطقة تقسيم، في الطرف الأوروبي من المدينة.
لا يخفى على أعين الزائرين لمدينة إسطنبول، منظر البرج الذي تتضح معالمه من أي مكان في المدينة القديمة، كمنطقة فاتح، تقسيم، وأيوب، بل حتى العديد من المناطق في الطرف الأسيوي للمدينة، كمنطقة أوسكودار، وشاملجا.
ويبلغ ارتفاع البرج نحو 66.90 متراً، أما قطره الخارجي فيبلغ نحو 16.45 متراً، وقطره الداخلي نحو 8.95 متراً، أما سماكة جدرانه فتقدر بنحو 3.75 متراً.
لا توجد معلومات دقيقة حول سنة تشييد البرج، لكن بعض المصادر التاريخية تقول إنه بني العام 507 ميلادي، وتم ترميمه في زمن الدولة العثمانية العام 1509، إثر الزلزال الذي ضرب إسطنبول في ذلك الحين، من قبل المعماري العثماني المعروف آنذاك المعمار “خير الدين”، أحد تلاميذ المعمار الشهير “سنان”.
وتذكر بعض المصادر أنه في عهد الدولة العثمانية، قام العالم التركي “هزارفن أحمد شلبي” العام 1638، بتركيب أجنحة صناعية، والبدء بالطيران من فوق سطح برج غلاطة، وصولاً إلى منطقة أُوسكودار في الطرف الأسيوي للمدينة، وقطع حينها نحو 3358 متراً من خلال الأجنحة الصناعية المركبة، حيث شكّلت هذه التجربة بدايةً للتجارب الإنسانية للطيران.
وفي عهد الدولة العثمانية تعرض البرج للحريق مرتين، أولها العام 1794، وثانيها العام 1831، إلا أنه تم ترميم البرج من جديد.
ويتكون البرج من 9 طوابق، بحيث يتم صعود الطوابق السبعة الأولى من خلال المصعد الكهربائي، وبقية الطوابق يكملها الزائر سيراً على الأقدام، وفي الطابق التاسع يوجد مطعم للزائرين، بالإضافة إلى شرفة دائرية تطل على العديد من مناطق إسطنبول، أهمها منطقة فاتح، إمنونو، أوسكودار، وتقسيم، بالإضافة إلى خليج بحر مرمرة.
ويشرف على البرج شركة سياحية خاصة لإدارته، وتنظيم دخول السياح والزائرين من مختلف دول العالم.
وعند دخول السياح إلى الطابق الأول، يستقبلهم العديد من الموظفين لإرشادهم خلال جولتهم بالبرج، وقبلها قطع التذاكر لهم، وتنظيمهم للخروج في المصعد، والذي يتسع لنحو 6 أشخاص، ويوجد بالطابق الأول أيضاً العديد من المحال السياحية الصغيرة، والتي تقوم ببيع الهدايا التراثية للسائحين.
ولا تشترط إدارة البرج مدة محددة لجولة السائح بالبرج، وتبلغ رسوم الدخول للسائح الأجنبي 7 دولارات، أما الزائر التركي فيسدد 4 دولارات فقط.
وفي الطابق الثامن، يوجد العديد من دورات المياه، بالإضافة إلى استوديو للتصوير، يُعرض به الملابس العثمانية التراثية، والخاصة بليلة حناء العروس، بغية التقاط الصور التذكارية وطبعها وتسليمها فوريا.
وبجانب برج غلاطة، تنتشر العديد من المقاهي والمطاعم، والتي تستظل بالبرج الكبير، حيث يتناول الزوار بعد نزولهم من البرج عادةً كوباً من الشاي أو القهوة التركية، مع التقاط صور تذكارية بجانب البرج.
السائحة التركية “زليخة يلدز” تقول، إن “النظر من فوق برج غلاطة يعطي لإسطنبول منظراً من زاوية أخرى، غير التي اعتدنا عليها، وكما أعلم فإنه لا يوجد برج أعلى منه هنا”.
وتضيف يلدز “حضرت من مدينتي (أرضروم) لأزور إسطنبول، وهذه هي المرة الأولى التي أصعد فيها إلى البرج، مع أني زرت إسطنبول عشرات المرات، وأنصح الوافدين إلى إسطنبول بزيارته”.
السائح الفلسطيني محمد جبارن لم يتوقع وجود مكان مطل على كافة إسطنبول كهذا البرج، قبل أن يثني على التكلفة المنخفضة للصعود، مقارنة بحجم المتعة.
ويشير إلى أن كل الأماكن، التي تجول بها في إسطنبول، يراها أمامه من هذا الموقع، بشكل مختلف.
واختتم حديثه، بالقول “كل مكان ذهب إليه كنت أرى هذا البرج، من شرفة الفندق الذي أنزل فيه مثلاً، أو الأماكن التاريخية، وحتى من بعض الأماكن التي زرتها في إسطنبول الأسيوية، لكني لم أكن أعرف عنه شيئاً، ولم أكن أعلم أن بإمكان السائح الصعود إليه، والآن كما ترون هنا، المنظر الجميل، والهواء منعش”.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=22461