د. طارق كتيلة / مدونات الجزيرة
في البلاد الديمقراطية لا بل في معظم بلاد العالم يختار المواطنون حكامهم كي يقوموا بخدمتهم وتحسين مستوى معيشة وإدارة البلاد بما يفيد وينعكس ايجابا على حياة المواطن لكن في سوريا صنعت الأجهزة المخابراتية شعار يقلب الآية بحيث يصبح الشعب في خدمة الحاكم لا بل انه تصبح من مسؤولية الشعب أن يضحي بنفسه ويموت من أجل الحاكم وبقاؤه في السلطة! ساهم هذا الهتاف والفكر الذي أتى به في المآسي غير المسبوقة في التاريخ الحديث التي شهدتها سوريا بعد ثورة آذار ٢٠٠١.
الهتاف الساذج يقول بالروح بالدم نفديك يا حافظ وقد تغير فيما بعد إلى بالروح بالدم نفديك يا بشار بعد موت حافظ الأسد، هذا الهتاف الذي يبدو للوهلة الأولى ساذج وبرئ وعبارة عن مبالغة في الحب للحاكم اتضح بأنه دستور منظم ورسالة واضحة من المنظومة الأمنية الحاكمة في سوريا وقاعدتها الشعبية التي تزود الأجهزة الأمنية بالمورد البشري، تقول الرسالة المباشرة الموجهة من الأجهزة الأمنية وحاشية النظام لباقي الشعب السوري باننا نريد بقاء حافظ الاسد وبشار الأسد وعائلة الاسد للأبد وسنفديه بأرواحنا ودمنا،
لكن المعنى الكبير الذي تحمله الرسالة هو أننا سنبقى نحكم سوريا ولا مجال لتبادل السلطة او افساح المجال لأي انتخابات حقيقية تأتي بأي شخص آخر غير حافظ او ابنه بشار وإلا فإن الدم بيننا.
بداية قبل الثورة ظن الكثيرون بأن هذا الهتاف هو مجرد تعبير زائد عن المحبة للحاكم وحتى من عرف معناه اكثر لم يكن ليتخيل بان النظام وزمرته ستستخدم كل أنواع الأسلحة بما فيها المحرم دوليا وكل أصناف التعذيب والقتل تحت التعذيب في السجون ودعوة كل المحتلين والغزاة للمساعدة في قتل الشعب السوري الذي فكر بالتغيير لكن ما إن بدأت الثورة وشاهد الناس نتائجها وردة فعل النظام ومواليه حتى أدرك الجميع ان هذا الشعار له ما له من دلالات خبيثة ودموية وأنه سياسة مدروسة ومخطط لها عن سبق إصرار وتصميم لا مانع لها ان يتم القضاء على الشعب السوري كله كي يبقى النظام ومن يمثله من شريحة ضيقة من شرائح الشعب في الحكم.
هذه المنظومة الاستخباراتية التي حاولت أدلجة كل أفراد الشعب بدءاً من الأطفال بعمر الزهور عند دخولهم المدرسة عبر ما يسمى منظمة طلائع البعث وحتى تخرجهم من الجامعات عبر منظمة شبيبة الثورة لكي تقنعهم بفكر القائد “الخالد” والدستور الذي يفرض حزب البعث كحاكم أوحد للدولة والمجتمع، هذه المنظومة نفسها أتت بفكرة خرافية اخرى تدعى التصويت بالدم.
تقوم هذه الفكرة التي تم تطبيقها في سوريا منذ الثمانينيا إلى يومنا هذا على أن يقوم الناخبون، وكثير منهم مجبر على الانتخاب لأنه موظف عند الدولة، بأن يقوموا بوخز أنفسهم بدبوس أو اداة حادة واستخدام قطرات من الدم النازف لملأ ورقة الاستفتاء في المكان المخصص للموافقة على إعادة انتخاب الرئيس بدلا من وضع إشارة بالقلم العادي.
هذه الطريقة المعيبة والمهينة حملت نفس فكرة هتاف الروح والدم. أي أننا سنفدي القائد بدمنا كي يبقى حاكما وكي نبقى نحن معه متحكمين برقاب السوريين ومصيرهم وأي محاولة للتغيير ستقابل بالدماء وها نحن نضع دمنا اثباتا على ما نفكر به وسنقوم به إن دعت الحاجة.
للأسف ستجد الطغمة الحاكمة في سوريا ومؤيديها بأن دماءهم اهدرت كما أهدروا دماء ملايين السوريين وفي النهاية لن تحيد سنة الله وسنة الكون عنهم وعن التغيير المنشود الذي سيأتي بآخرين لحكم سوريا طالما لم تتوقف إرادة وعزم السوريين عن التغيير للأفضل والتخلص من الحكام الفاسدين والمجرمين.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=95982