أدى التدهور الكبير الذي شهدته الليرة التركية خلال الأشهر الأربعة الماضية لخلق مشاكل اقتصادية جمّة في البلاد ترافقت مع موجة غلاء كبيرة عصفت بالأسواق وأدت لارتفاع الأسعار، ولعل أكثر المتضررين من هذا الارتفاع هم اللاجئون السوريون، الذين يفتقرون للعديد من القوانين التي تضمن حقوقهم في مثل هذه الأزمات، فالغلاء الذي عصف بغالبية المواد المطروحة في الأسواق والمواد الأولية المستخدمة في الصناعات بسبب غلاء الدولار أدى لإنهاء عمل مئات السوريين في مختلف أنحاء تركيا بعد اضطرار أصحاب الورش والمصانع والمحلات التجارية للتخلي عن غالبية العمال الذين يشكل السوريون غالبيتهم.
قانون التأمينات (السيكورتا)
غالبية السوريين الموجودين في تركيا على دراية تامة بـ “قوانين العمل” التي تعتمدها الحكومة مع العمال الأتراك، فغالبية العمال الأتراك مسجلون في مديرية التأمينات أو كما يطلق عليها بالتركية اسم “SIGORTA” والتي بدورها ترعى حقوقهم في حال حدوث إشكال ما مع العمال في عمله أياً كانت مهنتهم كـ “الإصابات وانقطاع العمل وغيره” حيث تتكفل المديرية بدفع تأمينات صحية وحوافز إصابات للعمال إضافة لإجبار أرباب العمل على دفع الأجرة الشهرية للعامل في حال توقف العامل عن العمل بسبب تغيير ما سببه (رب العمل)، وهو ما يفتقره العمال السوريون الذين يعدون أكثر العمال المرغوبين في تركيا وأقلهم حظاً في الحصول على عمل مستمر بسبب تخلي أصحاب العمل عنهم مع أي طارئ قد يحدث.
وأكد اللاجئ السوري في مدينة أنطاكيا التركية “عبد الغني المحمد” الذي فقد عمله قبل أسبوعين نتيجة توقف معمل البلاستيك الذي كان يعمل به في المدينة الصناعية بولاية أنطاكيا بسبب كساد البضاعة التي ينتجها المعمل نتيجة رفع سعرها بما يتناسب مع الغلاء، حيث قال إن رب العمل أخبرهم بأن العمل توقف وأن عليهم إيجاد عمل آخر، مشيراً إلى أن العمال السوريين هم أول من أُبلغ بالقرار وقد تم إنهاء عمل بعض الأتراك فيما احتفظ (المعلم) ببعض العمال الأتراك فقط.
وأضاف في حديث لـ “أورينت نت”: “أثار الإبقاء على بعض العمال الأتراك غضباً وسخطاً بيننا لا سيما وأننا اعتبرنا في بادئ الأمر أن ذلك تمييزاً يرقى لحد (العنصرية) بين الأتراك والسوريين، إلا أن رب العمل أخبرنا بأن القانون على الجميع واحد لكن العائق الوحيد هو أن العمال الذين تم الاحتفاظ بهم مسجلين لدى التأمينات الاجتماعية (السيكورتا) وفي حال إيقاف عملهم سيتوجب عليه دفع مرتبهم الشهري وهم في منازلهم بموجب القوانين السارية في الجمهورية التركية بهذا الخصوص”، مضيفاً أن غالبية أرباب العمل يحاولون التحايل أحياناً على قانون التأمينات الاجتماعية عبر تشغيل العمال سوريين كانوا أم أتراك دون (سيكورتا) وهو ما يعرضهم للمساءلة القانونية في حال تم كشفهم.
غرامات باهظة لمشغلي الأجانب ومخالفي قانون السيكورتا
رغم أن آلاف العمال السوريين يعملون في المصانع والورشات التركية وبعلم من الحكومة التركية، إلا أن القوانين المنصوص عليها تمنع تشغيل الأجانب دون حصولهم على إذن عمل، وهذا بحد ذاته خلق مخاوف لدى بعض أرباب العمل من مسألة تشغيل السوريين ودفعهم لإبعادهم عن مصانعهم، حيث وبحسب المحامي التركي “خيرالله كسكينجي”، فإن غرامة تشغيل الأجنبي دون إذن عمل قد تصل لنحو ثمانية آلاف ليرة تركية /8000/، إضافة لغرامة قدرها 3200 ليرة تركية عن كل عامل تركي يتم تشغيله دون تسجيله في التأمينات الاجتماعية (السيكورتا) ويتم تنظيم الضبوط من قبل لجان المالية التي تجوب المناطق الصناعية على شكل دوريات بحثاً عن أية مخالفات من هذا القبيل، مضيفاً أن غالبية أرباب العمل وبخاصة في أنطاكيا يقومون بدفع أجور كبيرة لعمالهم الأتراك لقاء عدم مطالبتهم لصاحب العمل بتسجيلهم في التأمينات ويقومون بإخفاء العمال (غير الشرعيين بنظر الحكومة) عند وجود دوريات لدائرة المالية في المنطقة.
هبوط العملة يقيد أصحاب المصانع و (كساد) بالجملة
بحسب خبراء اقتصاديين فإن الهبوط الحاد الذي شهدته الليرة التركية يعد الأسوأ في تاريخ تركيا الحديث منذ أن تم حذف الأصفار الستة وتحولت وحدة النقد من مليون /1000000/ إلى ليرة، إلا أنهم أكدوا أنه وعلى الرغم من الهبوط الكبير لم تتأثر الأوضاع الاقتصادية كثيراً ولم تتجاوز الخسائر أكثر من 40 % من حجم الهبوط.
ويقول “رمضان توركر” أحد أصحاب المصانع بمدينة “أنطاكيا” أن هبوط الليرة التركية أثر بشكل كبير على المصانع والورشات، وذلك بسبب غلاء المواد الأولية المستخدمة في التصنيع، فـ “توركر” الذي يملك ورشة للأحذية يعاني من حالة “كساد للبضائع” بعد رفعه للسعر، مشيراً إلى أن رفع سعر المنتجات جاء بالتوازي مع ارتفاع سعر المواد الأولية، حيث يقول: “مثلاً كنا نبتاع متر الجلد بـ 23 ليرة تركية قبل 6 أشهر تقريباً والآن أصبح المتر الواحد بـ 30، وهذا ما دفعنا لرفع سعر الزوج من الأحذية من 80 ليرة تركية إلى 100 وذلك بالنظر لارتفاع مواد أخرى كـ “اللاصق” وحتى “الكرتون” المستخدم في التغليف وهذا بدوره أثر على الحركة الشرائية ودفع الغالبية للتخلي عن عمالهم والعمل على (الطلبيات فقط) أي أن الورشة لا تعمل إلا في حال وجود زبون يريد عدداً محدداً من المنتج فقط.
المصدر: أورينت
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=57544