أخبار تركيا بالعربي
لماذا لا تستطيع تركيا وأميركا إجراء تسوية في سورية
بعد ثلاثة أيام من المحادثات في تركيا، فشل ممثلو واشنطن وأنقرة في التوصل إلى اتفاق، بشأن شروط إنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سورية. يشترك الجانبان، وهما الحليفان للمعاهدة منذ عام 1952، في مصالح متباعدة جدًا في سورية، بحيث تبدو التسوية صعبة للغاية،
ما لم تكن مستحيلة. غالبًا ما توصف أسباب هذه المصالح المتباينة على أنها نتاج لتدخل أميركي أرعن في سورية، حيث أسفرت عملية عسكرية صغيرة ومحدودة لإطاحة الدولة الإسلامية (داعش) عن شراكة عسكرية مع وحدات حماية الشعب، وهي فرع لحزب العمال الكردستاني في سورية.
ووحدات حماية الشعب هي المكون الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وهي الميليشيا التي تعتمدها واشنطن للسيطرة على الأراضي المُستعادة من الدولة الإسلامية (داعش).
هذه فقط نصف القصة، ولا تُعبّر عن تدهور العلاقات التركية الأميركية البطيء والموجع.
سعت الولايات المتحدة لتفهّم ومعالجة المخاوف الأمنية التركية، من خلال اقتراح إنشاء دوريات عسكرية مشتركة، وتعهدت بأن تضمن أن وحدات حماية الشعب لن تهدد تركيا من أراضٍ داخل سورية. على النقيض من ذلك، دفعت أنقرة للسيطرة على منطقة متاخمة لأراضيها وعمقها 32 كيلومترًا، تكون خالية من العناصر الكردية التي تعدّها أنقرة غير مقبولة من الناحية السياسية.
بعد أربعة اجتماعات رسمية رفيعة المستوى بين الحكومتين؛ لم يتقارب الجانبان بحيث يتمكنان من التغلب على هذا الاختلاف.
الآن، بعد كل هذه الاجتماعات، يظل الجانبان في “مرحلة المفاوضات” التي لها قيمة جوهرية بحد ذاتها، ولكنها لا تعني أن الاتفاق أقرب إلى التحقق. إن رفض تقديم (أو قبول) تنازلات هو خيار سياسي من كلا الجانبين.
ومع ذلك، فإن اختيارات العاصمتين تعكس حقيقة واضحة: قررت واشنطن أن سياسة متشددة مناهضة لإيران/ الأسد هي أكثر أهمية للأهداف الخارجية للولايات المتحدة من علاقتها مع الحكومة التركية.
في المقابل، اختارت أنقرة مقاربة متشددة ضد الأكراد باعتبارها أكثر أهمية لمصالحها.
يعكس هذان القراران المتشابهان رغبات الرئيسين ترامب وأردوغان، كما تؤكد مدى التوتر الذي وصلت إليه علاقتهما.
جذر المشكلة هو أن واشنطن تنظر إلى الجماعات الجهادية ذات الأغلبية السنية العابرة للقوميات، على أنها مشكلة عسكرية تُبرر استخدام القوة في الخارج. في المقابل، تنظر تركيا إلى هذا التهديد على أنه مسألة تتعلق بإنفاذ القانون، وترى أن المشكلة تقتصر على حدودها.
بالنسبة إلى القضية الكردية، التزمت أنقرة استخدام القوة في الخارج، في العراق وسورية، لمنع الملاذ الآمن بسياسة تحاكي مخاوف واشنطن من الجهاديين متعددي الجنسيات.
بالنسبة إلى تركيا، يُعدّ تهديد الحركة الكردية العابرة للحدود صراعًا وجوديًا، يمكن في النهاية أن يُقسم البلاد إلى قسمين على طول الخطوط الحدودية العرقية. بكل بساطة، لا تشاركها الولايات المتحدة هذا القلق.
وبدلًا من ذلك، تنظر واشنطن إلى الإرهاب الكردي على أنه مصدر إزعاج سياسي، وكمسألة يمكن معالجتها من خلال إغراءات سياسية وتطبيق القانون بشكل مناسب.
يفسر هذا الاختلاف الرئيس في تصورات التهديد، سبب تباعد الجانبين منذ أواخر عام 2015 إلى حد بعيد، في كيفية شنّ الحرب ضد الدولة الإسلامية. نظرت أنقرة إلى الجماعة الإرهابية من كونها ثمرة للحرب الأهلية السورية. وبالتالي، لمحاربة داعش بشكل فعال، كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز على القضاء على جذر المشكلة: الحكم الوحشي لبشار الأسد.
في المقابل، نظرت واشنطن على نحو صحيح إلى الحلول السياسية المقترحة من أنقرة، على أنها “توسع تدريجي” وجزء من جهد أوسع لتجنيد الولايات المتحدة، والاستعانة بها في حملة عسكرية لإطاحة النظام السوري.
في النهاية، اختارت كل من إدارتي أوباما وترامب متابعة مهمة ضيقة لمكافحة الإرهاب تتعلق بالهزيمة الإقليمية للدولة الإسلامية (داعش).
ومع ذلك، حيث نجحت الولايات المتحدة في تحقيق هدفها الأساس، تحولت المهمة في سورية لتعكس رغبات الصقور في إدارة ترامب.
أكد متشددون مثل جون بولتون، مستشار الأمن القومي، أن الوجود الأميركي المادي في شمال شرق سورية يمكن أن يستخدم لخنق النظام السوري، وأنه، مع المزيد من العقوبات على إيران، يمكن أن يجعل الحياة بائسة للغاية لكلا البلدين، بحيث يقدمان تنازلات سياسية لواشنطن.
لا تشارك أنقرة وجهة النظر هذه مع الولايات المتحدة. إنها ببساطة حقيقة حيث إنه بعد سنوات من العمل لإطاحة الأسد، حولت أنقرة (منذ عام 2015) أولوياتها إلى التركيز على ثلاث أولويات مترابطة.
أولًا، من خلال الضغط على واشنطن، فإن أنقرة مصممة على حرمان قوات سوريا الديمقراطية من الملاذ الآمن.
ثانيًا، من خلال سيطرتها على شمال حلب وعفرين، اللتين استولت عليهما بالقوة العسكرية، تستثمر تركيا الموارد لإيجاد مساحة ملائمة للعيش بالنسبة إلى اللاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم.
ثالثًا، لضمان أن يكون لأنقرة دور في كيفية تسوية الصراع، تعمل تركيا مع روسيا على تشكيل لجنة من السوريين من معسكرات متنافسة لصياغة دستور سوري جديد.
في كل حالة من هذه الحالات، تشكل الولايات المتحدة مصدر إزعاج لتخطيط السياسة التركية.
بالطبع، سوف تتضمن هذه الشروط مطالب متشددة بعدم التنازل الجاد عن التنازل السياسي أو العسكري، لأي كيان يحكمه الأكراد في الشمال الشرقي. في المقابل، تعتبر واشنطن الآن شمال شرق سورية قوة ضغط ضد النظام، وستحاول قريبًا إحياء منتدى منافس لمحادثات اللجنة الدستورية التي تقودها أنقرة وموسكو.
هذه ليست صورة لبلدين على أعتاب التوصل إلى اتفاق على رؤية شاملة لسورية. تتنافس أنقرة وواشنطن في سورية لتحقيق نتائج مختلفة. يمكن لتركيا أن تتعايش مع وجود أميركي رمزي صغير، طالما أنها تستطيع عزل (ثم قتل) القادة الأكراد الذين حاربت واشنطن إلى جانبهم لمدة 4 سنوات.
وواشنطن مستعدة للتعايش مع وجود تركي رمزي صغير، طالما أنها لا تحارب القوات البرية التي تعتمدها القوات الأميركية للسيطرة على الأراضي المستعادة من الدولة الإسلامية (داعش). بالنظر إلى هذا الواقع، قد تستمر المحادثات، ولكن قد تكون التسوية والمفاوضات الفعلية أمرًا مستحيلًا.
ترجمة: جيرون
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=98804