“لم الشمل”… عندما يتحول إلى كارثة تفرّق العائلات السورية

Alaa20 أبريل 2017آخر تحديث :
لم الشمل

لم الشمل من أكثر الكلمات المتداولة على لسان السوريين منذ أن بدأت موجة اللجوء لأوروبا بسبب الحرب، تلك الجملة الجديدة في القاموس السوري والتي أصبحت تحمل معنى (الأمل) داخل طياتها، ومن يستكمل كل بنودها ويبلغها للنهاية سيكون محظوظاً.

لكن لم الشمل خذل شذى هذه المرة وهي الشابة ذات العشرين ربيعاً والتي بقيت وحيدة في مدينة غازي عنتاب التركية بعد أن لحقت أمها وأخوها الصغير بوالدها في ألمانيا.

قوانين لم الشمل في ألمانيا حرمت شذى من مرافقة أهلها لأنها تجاوزت الثامنة عشرة ورغبة والدتها باللحاق بزوجها والخلاص من الواقع المعيشي السيئ في تركيا، كان أكبر من حزنها على فراق إبنتها وتركها وحيدة مع حفنة من الوعود بأنهم سيعملون ما في وسعهم للحصول على قبول الجهات المختصة بألمانيا لطلب انضمامها للعائلة.

شذى هي من الكثر الذين فرّقهم «لم الشمل» عن عائلاتهم، بعكس ما كان مخططاً له وتحوّل حلم الأمان والاستقرار برفقة الأهل إلى وحدة ومصير مجهول ربما لم يخطر ببال والد شذى أن «لم الشمل» الذي سعى خلفه كثيراً لتأمين حياة أفضل له ولأسرته، سيترك غصّة كبيرة في القلب غصّة ستدفع ثمنها ابنته التي فُرض عليها حالياً أن تفكر بمصير ومستقبل جديد بعيداً عن عائلتها. وحسب تقرير للأمم المتحدة تم تقديم أكثر من 800 ألف طلب لجوء لأوروبا من قبل السوريين في الفترة الواقعة ما بين نيسان/ابريل 2011 وتشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016 وثلثا هذه الطلبات كانت في ألمانيا والسويد.

إعلان

ما حصل لشذى مشابه لقصة عمّار الذي قامت عائلته بإرسال أخيه الأصغر سناً لألمانيا منذ سنة ونصف سنة لكي يقوم بلم شمل العائلة كونه مازال تحت السن القانونية لكن النتيجة كانت أن تم قبول طلب لم شمل الأبوين فقط، وبقي عمار وشقيقته في تركيا لأنهما تجاوزا السن القانونية المسموح به.

يقول عمار لـ «لقدس العربي»، «كنت أعتقد أن حياتنا ستتغير وسنعيش كأسرة معاً في ألمانيا، لكني أعيش الآن مع أختي في تركيا، ووالداي برفقة أخي في ألمانيا لقد تفرّق شملنا بدلاً من أن يلتئم».

عمار يعاني من وضع نفسي مضطرب لأنه يشعر بالخذلان (حسب توصيفه طبعاً) من تركه وشقيقته وحيدين في تركيا من قبل أمه وأبيه وهنا نجد أنفسنا أمام تساؤل: هل قوانين لم الشمل هي التي تفرق بعض الأُسر، أم هي الرغبة الفردية الجامحة بالوصول لأوروبا حتى ولو كان الثمن ترك الأبوين لأولادهم؟ أو عدم الاطلاع الكافي على شروط وإجراءات لم الشمل قبل المجازفة والسفر إلى أوروبا؟

إعلان

جهل بالقوانين

المحامي عماد درويش يقول إن جهل معظم السوريين بقوانين وشروط اللجوء هو السبب في وقوع مشاكل تؤدي لتفرقة أفراد الأسرة الواحدة فعندما يخوض الأب أو الأخ أو الزوجة رحلة الوصول لأوروبا، يعتقدون أن باستطاعتهم لم شمل كل العائلة لكن البعض يتفاجأ بالشروط التي تفرضها الدولة المستضيفة، ولعل أهم هذه العقبات هي شرط (العمر).

إعلان

ويضيف لـ«لقدس العربي»، «كثير من الآباء مثلا يصلون لأوروبا وهم لا يدركون أنه ليس باستطاعتهم لم شمل أبنائهم الذين تجاوزوا الثامنة عشرة وكذلك الأمر بالنسبة للمراهقين الذين لا يُسمح لهم إلا بلم شمل الأم والأب فقط. وهنا تقع المشكلة التي ما كانت في حسبان هؤلاء».

وحسب الأستاذ عماد، هناك لاجئون يحاولون الاستفادة من بعض الاستثناءات لكي يتجاوزوا عقبات لم شمل، كالاندماج السريع في المجتمع الجديد وتعلم اللغة بسرعة، حينها يتم قبول طلبات لم شمل الأطفال ممن تجاوزوا الثامنة عشرة لأن أبويهم حققوا نسبة عالية في الإندماج في البلد الأوروبي المضيف.

يٌضاف إلى ذلك مشاكل تتعلق بالأوراق الثبوتية المطلوبة لإستكمال إجراءات لم الشمل منها تقديم دفتر العائلة في حالة لم الشمل للأبوين من قبل أحد الأبناء، وهو شيء غير متوافر عند بعض السوريين الذين خرجوا من بلادهم بما عليهم من ثياب وإستخراج بديل جديد يتطلب اللجوء لمؤسسات النظام وهو أمر صعب وإن تحقق فهو يتطلب الكثير من المال.

مراهقون في اليونان بانتظار الفرج بعد الصبر

أدت الاتفاقية التي عقدتها تركيا مع الإتحاد الأوروبي في الثامن عشر من آذار/مارس لعام 2016، والتي تقضي بإعادة اللاجئين الواصلين إلى اليونان من تركيا، إلى وجود الكثير من المراهقين السوريين الذين خاضوا رحلة الموت عبر البحر بمفردهم إنطلاقاً من تركيا حيث وقفت هذه الاتفاقية حجر عثرةٍ أمام أحلام هؤلاء اليافعين بالوصول لبر الأمان الأوروبي.

غياث الجندي أحد المتطوعين لمساعدة اللاجئين في الجزر اليونانية تحدث لـ«القدس العربي» عن الظروف التي يعيشها هؤلاء المراهقون قائلاً «يتواجد في اليونان حوالي 3000 طفل سوري ممن هم تحت السن القانوني وتقوم السلطات باحتجازهم من أجل حمايتهم وعدم اختلاطهم بالبالغين وتتوزع أماكن الإحتجاز ما بين أماكن خاصة في المخيمات أو السجون، وأحياناً بمراكز الصليب الأحمر الدولي. ويعاني هؤلاء اليافعون من ظروف معيشية سيئة داخل أماكن الإحتجاز كالوجبات الغذائية السيئة حسب شهادات معظم الذين قابلتهم ونقص الرعاية الصحية، إضافة للمعاملة السيئة حيث أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش العديد من التقارير التي تتحدث عن سوء معاملة البوليس اليوناني لهم وللاجئين بصفة عامة».

مصير هؤلاء المراهقين حسب السيد غياث إما العودة لأهلهم في تركيا أو البقاء في مراكز الإحتجاز حتى يبلغوا السن القانونية وعندها يتم إطلاق سراحهم وهناك من يفضل الاختباء والعيش خارج مراكز الإحتجاز خوفاً من الترحيل لتركيا، على أمل أن تتغير القوانين ويتابعون رحلة الأحلام باتجاه أوروبا.

ويبقى حلم «لمّة العيلة» غير مستقر لدى غالبية السوريين، وحتى «لم الشمل» لم يعد يحمل شيئاً من معناه الحقيقي بالنسبة للكثيرين، بل على العكس، زاد من أوجاع الفراق والوحدة في غربة لا يُعرف لها نهاية حتى الآن.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.