تركيا بالعربي
لهذا السبب يحقد آل الأسد على مدينة إدلب وأهلها ويتمنون زوالها
المحافظة التي ظلَّت مهملة باعتراف النظام السوري لعقود، لأسباب أدركها مبكرًا، كونها المنطقة المحافظة والتقليدية المعادية له في كنهه وجوهره، ولربما كرّر في نفسه ما كرّره وأمِله رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين بأن يستيقظ يومًا فيجد غزة وقد ابتلعها البحر،
وكذلك النظام السوري منذ عهد الوالد المقبور حافظ أسد إلى عهد الابن القاصر كانا يتمنيان أن يستيقظا فيرا اختفاء إدلب من على الخريطة السورية، ولذلك قصة وحكاية لا بد من سردها لتتضح الرؤية الحالية للثورة السورية،
وسرّ تجمع كل أحرار سوريا ممن رفضوا العيش في جلباب الاحتلال وذيله الطائفي فآثروا الهجرة إلى الشمال المحرر، والإقامة بمحافظة إدلب..
كانت محافظة إدلب من أوائل المحافظات التي انتفضت على حكم حافظ الأسد في الثمانينيات، وقد عبرت عن رفضها لحكمه منذ اليوم الأول لوصوله إلى السلطة عام 1970،
ولا تزال الناس تتناقل كيف تم رشقه بالبندورة في سوق الهال مدخل مدينة إدلب الشمالي، وكيف تم ضربه أيضًا بالحذاء فتلقى الضربة عنه الأمين القطري المساعد لحزب البعث عبد الله الأحمر الواقف إلى جنبه،
ومنذ ذلك اليوم بدأ حقد النظام الطائفي على إدلب وهي التي تجاور قرى حاضنته مما زاد من حقده عليها وغضبه منها، ومما زاد من الغضب أيضًا أن إدلب كانت معقلًا من معاقل الناصرية المنافس الرئيسي للبعثيين في الخمسينيات والستينيات،
لتغدوا بعدها معقلًا من معاقل الإخوان المسلمين، وتنتفض في مطلع الثمانينيات عبر مظاهرات ضخمة تهتف منذ ذلك اليوم بـ “لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس” و”لا إله إلاّ الله والأسد عدو الله”،
حيث قادت المظاهرات يومها ثانوية المتنبي ولا زلت أتذكر مشاركتي بها يومها حيث سقط قتلى وجرحى كرد طبيعي للعصابات الطائفية منذ ذلك اليوم على كل من يرفض حكمها ويتظاهر ضدها…
وعلى مدى أحداث الثمانينيات شكلت إدلب مع غيرها من المدن رافعة للثورة إن كان من حيث احتماء واختفاء شباب الإخوان المعارضين للنظام في بساتينها وقراها المتعددة،
أو من حيث وعورة منطقة جبل الزاوية والتي ظلت كحي البيازين أيام الموريسكيين كآخر القلاع الصامدة في وجه نظام التفتيش الصليبي بالأندلس، ولعل ثالثة الأثافي الإدلبية بالنسبة للنظام الطائفي كان قيام أبي عادل العامل في الحرس الجمهوري للمقبور حافظ أسد مع بعض إخوانه بعملية تستهدف حياته أثناء استقباله رئيسًا أفريقيًا عام 1980،
وتمكن لاحقًا من الفرار بعد أن ظنَّ كلَّ الظنِّ أنه تمكن من قتله، ولا يزال أبو عادل حيًّا، وقصته جديرة بأن تُروى، فقد كان أبو عادل من مدينة كفرنبل من أعمال محافظة إدلب، ولعل هذا سرُّ صبّ النظام الطائفي غضبه على كفرنبل والمحافظة بشكل عام..
اليوم تجدد إدلب العهد، وتستقبل أكثر من خمسة ملايين سوري حر ومن كل أنحاء سوريا حتى أُطلق عليها بـ “سوريا المحررة”، ولعل طيبة أهلها وطبيعة جغرافيتها التي تمتد الآن مع ريفي حماة وحلب المحررين لعشرة آلاف كيلو متر مربع بمساحة لبنان،
مع كونها مناطق خصبة سهّلت العيش على الجميع، فغدت سلّة غذائية وفيرة لمن يسكن فيها ويقيم على أرضها..
يقيم على أرض إدلب الآن معظم الفصائل الثورية، ومنها بدأ معظم القادة نشاطاتهم ضد العصابة الطائفية، فرحل بعضهم ولا يزال آخرون ينتظرون، ولعل مخزون العداء الإدلبي للنظام الطائفي في سوريا إن كان في الثمانينيات أو في الثورة الحالية خير وقود لاستمرار الدورة العدائية للنظام في سوريا،
فلا يزال الأهالي يتناقلون حتى الآن سيرة أبنائهم الذين قضوا في سجون العصابة الطائفية على امتداد العقود الماضية وهم بالآلاف، أو ممن قتل أو فرّ من جحيم الثمانينيات، وسيظل أهالي إدلب يتناقلون لعقود سيرة البراميل المتفجرة والقنابل الانشطارية والعنقودية،
وقنابل النابالم والفوسفور التي فتكت بهم ولا تزال على مدى سنوات الثورة، وفوق هذا حكايات التشرد والاقتلاع من الأرض والديار، وربما سيظل هذا التناقل لعقود وقرون، ليورّث ذلك الثأر للأجيال المقبلة،
فقد أخبرتنا أمهاتنا في إدلب أن في صدورنا أمواجًا عاتية تفسر اليوم ملوحة دمائنا ودموعنا على الغارة الاحتلالية المشنونة على الشمال المحرر بإدلب، لكن الموجات الأقوى لم تأت بعد ولكل أجل كتاب…
بقلم: د. أحمد موفق زيدان / مدونة الجزيرة
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=102295